سيدي ولد سيدين ولد الشيخاني يبلغ من العمر 21 سنة قدم بداية العام الدراسي 2015ـ2016 إلى مدينة روصو للالتحاق بمعهد التعليم التكنولوجي،
تعود ـ رفقة عدد من قرنائه ـ أن يزور البحيرة المجاورة للمعهد بشكل مستمر ويعود إلى مقر إقامته في سكن المعهد، لكن مساء السبت 27ـ02ـ2016، كان آخر يوم له في الدنيا حيث وصل إلى بحيرة "تونكن" في حدود الساعة الخامسة عصرا صحبة مجموعة من الطلاب.
في البدء حاول زملاؤه منعه من السباحة بحجة أنه لا يتقنها، لكنه أصر على ذلك قائلا إنه يحسن السباحة وتعلمها منذ فترة .. دخلت الجماعة بشكل طبيعي لكن رحلة العودة من القاع لم تكلل بالنجاح، فرغم أن "سيدي" طلب أخذ صور له ورغم أن أصدقاءه عادوا بسلام فقد بدت عودته متعذرة رغم تشجيعات الأصدقاء الذين خاطبوه قائلين "أكمل أنت الآن قريب جدا من المرور الآمن".
مد سيدي يده وكأنه يودع، استمر بذلك حوالي دقيقة واحدة ثم استدار بوجهه إلى الجهة المعاكسة وبدأ يختفي رويدا رويدا ثم توارى بشكل كامل عن الأنظار.
أبلغ أصدقاؤه نقطة الشرطة القريبة جدا من مكان الحادث فأبلغ أفراد الشرطة المدير الجهوي للأمن الذي أوصل النبأ لإدارة المعهد.
تداعى الجميع إلى "بحيرة تونكن" وبدأت رحلة بحث ستطول لاحقا لغياب أبسط الوسائل والأدوات الضرورية لدى السلطات الموريتانية .. وصل حاكم المقاطعة وقائد كتيبة الدرك في روصو قادمين من منطقة "اشكاره" وبدأت المشاورات من أجل أحسن الطرق الكفيلة بإنقاذ الشاب.
تقرر أن تتم الاستعانة بأحد "خبراء" البحر الموجودين قريبا من مكان الحادث لكن لسوء الحظ لم يكن اليوم بالنسبة له من أيام البحر، فهو لا يدخله في هذا اليوم.
ثم حاولوا الاستعانة ببعض "حجّابة البحر" (المشعوذين) والذين صعب التوصل لخدماتهم في الوقت المناسب، ثم لجأ الجميع إلى السنغال بحثا عن "الحجابة" وخبرتهم في ركوب البحر، لكن ورغم جهود الجهات المنتخبة والأمنية في القرى السنغالية المجاورة لموريتانيا فقد عجز الجميع عن الحصول على مبتغاه.
كان الوقت يمر بسرعة وكانت عدة ساعات تمضي على وجود ولد سيدين في أعماق قاع النهر، وعند حدود الساعة الثالثة صباحا من يوم الأحد استسلم المجتمعون للعجز فقرروا المغادرة حتى الصباح الموالي.
مع ساعات الأحد 28ـ02ـ2016، بدأت جهود البحث مجددا وتمت الاستعانة برجال "مشاة البحرية الموريتانية".. بدت المهمة تتجه للانفراج في أذهان البعض، فهذه فرقة متخصصة ومدربة للقيام بمثل هذه العمليات، لكن الأمور لم تكن كذلك فقد مضت ساعات طويلة أخرى دون أن تتمكن البحرية الموريتانية من العثور على شيء رغم تطوافها المستمر داخل البحيرة وفي ضفافها، ثم تمت الاستعانة بجرافات زراعية، ومرة أخرى تمت الاستعانة ببعض "رجال البحر" التقليديين لكن دون جدوى.
وصل أقارب الغر يق وبدأت علامات الحزن الشديد بادية على عدة نساء ورجال جاؤوا لمتابعة جهود البحث عن الابن الغريق، لكنهم استسلموا للأمر الواقع وجلسوا ينتظرون عمليات البحث التي تبدو متعثرة جدا أمام غياب أبسط الوسائل الضرورية لدى "مشاة البحرية الموريتانية".
مع دخول الظهر بدا اليأس يدب في النفوس واستسلم الجميع إلا ذلك "الرجل التقليدي" الذي ظل يطوف جيئة وذهابا في محاولة للعثور على أي شيء.
كانت التحليلات ترد من كل مكان ، البعض يرى أن الغريق قد يكون ذهب لمسافات طويلة والبعض الآخر يعول على أن عودة الساعات التي نزل فيها لقاع البحر كفيلة بعودته إلى السطح، في حين لم يخف كثيرون الاستياء من ضعف الحيلة وقلة ذات اليد لدى السلطات العسكرية المكلفة بالمهمة التي بدت شاقة عليهم.
بعد أن يئس الجميع تقرر الاتصال بغواصة سنغاليين وهي المهمة التي تطلبت موافقة السلطات الإدارية هناك ليتبادل الجميع التهاني والتبريكات بوصول فريق سنغالي سيقوم بالمهمة، لم يكن الفريق في حقيقة الأمر غير غواصين اثنين أكملا المهمة بنجاح بعد حوالي 5 دقائق من العمل.
يقول البعض إن أوامر مفتش الشرطة الذي اصطحب الغواصين السنغاليين بالعودة لمصافحة حاكم المقاطعة أخذت أكثر من الوقت الذي أمضياه في البحث عن الشاب الغريق.
بهدوء تام عاد الغواصان إلى ضفاف النهر وأخرجا المستلزمات الضرورية للمهمة (الملابس الخاصة وقنينات الأوكسجين)، ثم بدأت المهمة الساعة (16:48) حيث جالا قليلا ثم في منطقة قريبة جدا من الضفة إلى جهة القاع خرج أحد الغواصين أولا الساعة (17:05) مشيرا إلى زملائه بالإيجاب أن المهمة اكتملت بسلام وسط صيحات وهتاف المواطنين المتجمهرين.
ثم بدأت الزوارق الموريتانية التقليدية تقترب لتعود بجثمان الشاب الغريق لتتجدد الأحزان لدى أسرته التي لم يستطع بعض أفرادها التمالك فسقطت دمعات حزن ساخة على خده.
وقد كانت هذه العملية كفيلة ليخرج الجميع هاتفا باسم السنغال وقدراتها الكبيرة وسط حالة من الاستياء والدعوة إلى الاعتماد على النفس، فليس من اللائق أن نعتمد على السنغال في أكثر الأمور سهولة.