
على غير العادة، تسابقت الصحف والمواقع الرياضية العالمية في الهجوم على ملك كرة القدم كريستيانو رونالدو، بعد المقابلة التي أجراها الأسبوع الماضي مع صديقه الإعلامي البريطاني الشهير بيرس مورغان، وكانت من المفترض أن تكون كاشفة لكثير من الأسرار والقصص التي لم تُرو من قبل عن مسيرة صاروخ ماديرا الأسطورية وحياته الاجتماعية قبل وبعد الشهرة ورحلة الوصول إلى المليار دولار، وفقا للوعود الوردية التي أطلقها الإعلامي «الصياد» لمتابعيه في حملته الدعائية للمقابلة التاريخية، لكن بحسب النسخة البريطانية لموقع «Goal» العالمي، تحولت المقابلة إلى 78 دقيقة من التملق والمجاملة التي تمحورت حول ثورة الهداف التاريخي لريال مدريد ومظهره الخارجي الجذاب، وغيرها من الجوانب التي لا يكترث لها الأغلبية الكاسحة لعشاق الميغا ستار في كل أرجاء العالم، والأسوأ ما وُصف على نطاق واسع في وسائل الإعلام وعالم «السوشيال ميديا» بـ«انفصال» أو «غياب» الدون عن الواقع الذي نعيشه، وذلك من خلال إجاباته غير المنطقية على بعض الأسئلة التي طُرحت عليه، كعلامة أو مؤشر على ابتعاد نجم نادي النصر عن أجواء وأخبار كرة القدم الحديثة، وفي هذا التقرير دعونا نستعرض معا أبرز التعليقات والأسئلة التي أثارت جدلا على نطاق واسع في الشبكة العنكبوتية.
الخداع والمونديال
سيكون من الصعب الجدال، على الأرقام الفردية المذهلة التي يحققها كريستيانو مع النصر العالمي في دوري روشن، آخرها وصوله لهدفه رقم 103 منذ انضمامه إلى الفريق العاصمي في شتاء عام 2023، ليواصل زحفه نحو الهدف رقم 1000، بوصوله لهدفه الشخصي رقم 953، بخلاف دوره الإداري والفني في جلوس الفريق على صدارة الدوري المحلي، لكن هذه الإنجازات والإحصائيات المبهرة بالنسبة للاعب في طريقه لتجاوز عامه الـ40، بالكاد تحظى باهتمام أشد المتحمسين من جماهيره، وهذا لضعف المتابعة والتغطية الإعلامية العالمية للدوري السعودي، مقارنة باهتمام نفس المؤسسات بالدوري الإنكليزي الممتاز وباقي الدوريات الأوروبية الكبرى، ومع ذلك لاحظ كل من تابع المقابلة، أن قائد المنتخب البرتغالي أراد إقناع الجميع بأن كل هدف يسجله في الدوري السعودي لا يقل صعوبة ولا أهمية عن أي هدف كان يسجله مع ريال مدريد في الدوري الإسباني، قائلا بالنص: «لعبت في كل مكان. بالنسبة لي، التسجيل في إسبانيا أسهل من التسجيل في السعودية. لو لعبت في الدوري الإنكليزي الممتاز الآن مع فريق كبير، لسجلت نفس العدد، لو كان لدي فريق جيد في سن الأربعين، لسجلت نفس العدد. يقولون أشياء عن الدوري السعودي، لكنهم لم يسبق لهم اللعب هنا. لا يعرفون معنى الركض في درجة حرارة 40 درجة مئوية. لا يعرفون. وما زلت أكرر، الدوري السعودي أفضل بكثير من الدوري البرتغالي بالطبع. الدوري الفرنسي هو باريس سان جيرمان فقط. الدوري الإنكليزي الممتاز جيد، بالطبع، هو الأفضل»، في ما اعتبرها الكثير من النقاد والمتابعين بمثابة «الخداع النفسي» الذي يقوم به الدون، على أمل أن يحصل على نفس التقدير والمساحة اللذين يحصل عليهما نجوم الدوريات الكبرى، لكن على أرض الواقع، هو يعرف أكثر من غيره، أنه لم يعد ذاك الفضائي الذي كان بإمكانه تسجيل 50 هدفا أو أكثر في الموسم الواحد مع اللوس بلانكوس، بحكم التقدم في السن وتراجع معدلاته البدنية وسرعته وباقي المميزات والخصائص الخارقة التي مكنته من منافسة البرغوث ليونيل ميسي قرابة العقدين، والدليل على ذلك أنه اكتفى بتسجيل هدف وحيد في آخر 10 مباريات بقميص مانشستر يونايتد في مغامرته الثانية في «أولد ترافورد».
أيضا من التعليقات التي اعتبرها البعض «غير موفقة» من قبل الدون كريستيانو، كان حديثه عن فرص بلاده في تحقيق كأس العالم 2026، في ما ستكون فرصته الأخيرة لتحقيق اللقب الذي يحلم به كل أساطير ونجوم اللعبة، منها سيدعم سرديته بأنه الأفضل في كل العصور، ومنها أيضا سيعادل إنجاز غريمه التقليدي ليونيل ميسي، الذي قاد بلاده إلى الذهب العالمي في مونديال قطر 2022 الأخير، وهو نفس المونديال الذي شهد خروج أحفاد فاسكو دا غاما من الدور ربع النهائي على يد المنتخب المغربي، في ما علق عليه الدون في منشور عبر حسابه على منصة «انستغرام» بأنه أشبه بـ«نهاية حلمه الأكبر في عالم كرة القدم»، وهو ما اعتبر إشارة إلى اقترابه من اتخاذ قرار الاعتزال الدولي، لكن بعد مرور 3 سنوات، ما زال النجم الكبير على وضعه، والآن يقف على بعد ثمانية أشهر من تمثيل بلاده في المونديال الأمريكي، ما يعني ضمنيا وعمليا، أنه ما زال متشبثا بالحلم حتى النهاية. بينما حين سأله بيرس مورغان عن هذا الحلم، أجاب قائلا: «إذا سألتني يا كريستيانو. هل الفوز بكأس العالم حلم؟ سأقول لا ليس حلما. هل علي أن أعرف أنني كي أكون من أفضل اللاعبين في التاريخ، ينبغي علي الفوز ببطولة واحدة وهي من 6 أو 7 مباريات، هل هذا عادل؟»، معتقدا أنه حقق جزءا كبيرا من أحلامه وطموحاته مع منتخب بلاده، من خلال الفوز بـ3 ألقاب قارية، منها يورو 2016، وبناء عليه زعم أنه سيكون سعيدا بما قدمه للمنتخب الوطني، إذا قرر الاعتزال من دون أن يتمكن من فك شفرة كأس العالم، وهذا ما تم تفسيره من قبل بعض النقاد والمتابعين، على أنها محاولة خبيثة للتقليل من الإنجاز الذي حققه ليو مع التانغو على الأراضي القطرية، والبعض الآخر اعتبرها حيلة وذكاء من رونالدو، حتى يخف الضغوط والأعين عن نفسه وعن رفاقه قبل أن يخوض آخر مونديال في رحلته مع الساحرة المستديرة في فصل الصيف القادم.
غرور وانفصال
جانب آخر أثار الجدل في نقاش رونالدو مع بيرس مورغان، كان عن تمرس المنتخبات اللاتينية على التتويج بكأس العالم، معتقدا أنه من الطبيعي أن تفوز منتخبات مثل البرازيل والأرجنتين باللقب أكثر من مرة، قائلا بالنص: «طبيعي أن تفوز هذه الدول المتمرسة بكأس العالم. البرازيل إذا فازت بكأس العالم، هل سيتفاجأ العالم بهذا الخبر؟ لكن إذا فعلتها البرتغال سيصدم العالم، لكنني لا أفكر في هذا الأمر بهذه الطريقة»، وبالنظر إلى هذا الاقتباس، سنجد أن النصف الأول أقرب للصحة، لكن حجر العثرة والذي تسبب في إثارة غضب الجماهير في البرتغال، هو ما تطرق إليه في الجزء الثاني من الإجابة، متناسيا أن منتخب بلاده يملك تشكيلة ذهبية يعيش أغلبها مرحلة الذروة في مسيرتهم الاحترافية، والحديث عن أسماء بجودة وخبرة برونو فرنانديز وفيتينيا ورافائيل لياو وروبن دياش وروبن نيفيش وجواو كانسيلو وباقي النجوم القادرة على المنافسة والذهاب إلى أبعد ما كان في المونديال، فقط الشيء الذي قد يبدو صادما بالنسبة للبعض، أن رونالدو اكتفى بتسجيل هدف وحيد في آخر 10 مشاركات في كأس العالم واليورو، في انتظار أن يتمكن المدرب روبرتو مارتينيز في إعادته ليكون العلامة الفارقة في هجوم المنتخب في المونديال، أو بالأحرى ليدعم حجته في تحدي ليو على اللقب الشرفي (الأعظم في كل العصور)، بعد نجاح البرغوث في استعادة سنوات المجد في قطر، حيث تمكن من تسجيل 7 أهداف بالإضافة إلى 3 تمريرات حاسمة، ليقود بلاده لثالث لقب مونديالي في التاريخ، والأول منذ مونديال دييغو أرماندو مارادونا في المكسيك عام 1986، وذلك بعد اتساع الفجوة بينهما، بجلوس ميسي على عرش الأكثر تتويجا بالبطولات في العالم، بما مجموعه 40 لقبا مع الأندية ومنتخب التانغو، بخلاف تتويجه بالكرة الذهبية ثماني مرات، مقابل 35 بطولة لكريستيانو مع الأندية والبرتغال وخمس كرات ذهبية من مجلة «فرانس فوتبول»، لكن بالنسبة لصاحب الـ40 عاما، فهو «النمبر 1» على مر العصور، أو كما رد على بيرس مورغان عما إذا كان ما زال يرى نفسه الأعظم، قائلا: «بكل تأكيد» مع رد فعل تظهر استيائه من طرح السؤال.
الشياطين الحمر
كل ما سبق في كفة، وتعليقه على ناديه السابق مانشستر يونايتد في كفة، معتقدا أن الفريق لم يتقدم خطوة واحدة إلى الأمام منذ رحيله عن «مسرح الأحلام» في أعقاب هجومه الناري على المدرب إيريك تين هاغ مع نفس الإعلامي البريطاني قبل انطلاق مونديال قطر، قائلا في رده على سؤال بشأن رأيه في أوضاع الشياطين الحمر اليوم: «في الوقت الحالي، ليس لديهم هيكل تنظيمي، آمل بأن يتغير هذا الوضع في المستقبل، فإمكانات النادي مذهلة، فهو من أهم أندية القرن. ما زال مانشستر يونايتد في قلبي، أعشق هذا النادي. لكن علينا جميعا أن نكون صادقين وننظر إلى أنفسنا ونقول إننا لا نسير على الطريق الصحيح. إنهم بحاجة إلى التغيير، والأمر لا يقتصر على المدرب واللاعبين فقط»، متناسيا أو غافلا عن ثورة التغيير التي يشرف عليها السير جيم راتكليف. صحيح أن النادي بدا وكأنه يسير بسرعة الصاروخ نحو الهاوية بعد رحيل الدون في ميركاتو شتاء 2023، لكن سيكون من الصعب الجدال على الخطوات التي يتخذها الملاك المشاركون مع عائلة غليزر، حتى وإن كانت أبطأ من أحلام وتوقعات المشجعين، لكنها تهدف في الأساس إلى استعادة أمجاد النادي والفوز بالبريميرليغ مع الاحتفالات الخاصة بمرور 150 عاما على تأسيس النادي في العام 2028، بخلاف الخطوات الرئيسية التي يعمل عليها، مثل خطط بناء ملعب جديد على طراز يُوصف بـ «ويمبلي الشمال»، والأخرى غير الشعبية التي اتخذها لتقليل النفقات، مثل تسريح عدد كبير من الموظفين ورفع أسعار التذاكر، كخطوة جريئة لتعزيز تحول النادي إلى كيان تجاري أو مؤسسة اقتصادية عظمى، وهو ما بدأ ينعكس على أداء ونتائج الفريق التي تحسنت أكثر من أي وقت مضى قبل توقف نوفمبر/ تشرين الثاني الدولي الحالي، وتأكيدا على أنه لا يتابع اليونايتد بشكل جيد، قال عن مواطنه المدرب روبن أموريم: «إنه يبذل قصارى جهده. ماذا سيفعل؟ يحتاج معجزات والمعجزات مستحيلة»، بينما على أرض الواقع، بدأت تظهر بصمة المدرب الشاب الذي يعمل منذ توليه المهمة على تحويل المان يونايتد إلى فريق عدواني مثل تجربته السابقة مع سبورتنغ لشبونة، باستخدام جيد للموارد اللا محدودة المتاحة له في «أولد ترافورد»، وهذه التصريحات جعلت البعض من جماهير النادي، يتسابقون في اتهام النجم الكبير بعدم الاهتمام بالنادي، لإصراره على إحباط الشعور المتزايد بالتفاؤل تجاه مشروع أموريم في الآونة الأخيرة، والسؤال الآن لك عزيزي القارئ: هل تتفق مع وجهة النظر التي أجمعت على أن كريستيانو يعيش في عزلة أو في عالم افتراضي لا يعرف أي شيء عن الواقع؟
.jpg)












