
الدورة الحضارية
إنها الدورة الحضارية، في الزمن لا تظهر متغيراتها بخلاف ما كان عبره. ولكن من هو السيد الذي يصرف هذا الناموس الأزلي بين الناس؟ وهل ستفلح الصين في الارتقاء إلى القمة ثم المكوث بها طويلا؟ من المهم أن يدرك المسلمون- وقادتهم الغفّل خاصة- دورهم الذي وكلهم الخالق به دون غيرهم من الأمم.
ما شاء الله كان! كل هذا الترسانة النووية من أجل إفناء الحياة؟ ألا يكفي الموت الطبيعي لهلاك جميع من في الأرض بعد مئة عام من الآن على أقصى تقدير؟ المجتمعات "المتحضرة" تدفع نحو هذا الدمار ولم يبق منه غير خطوة مجنونة. أدعو هؤلاء الساسة ومفكريهم والشعوب المسكينة التي تعيش تحت رحمة هؤلاء أن يتحرروا من هذه العبودية الجهنمية ويفروا إلى رحاب الله، حيث التعاليم القرآنية السمحة، التي تدعو الإنسانية إلى التعارف والتعاون على الخير. كما قال الرسول الكريم: "الخلق كلهم عيال الله، وأحبهم إليه أنفعهم لعياله".
ربما يتوصل الأمريكان إلى هدنة بين الروس والأوكران كالتي وقعت في شرم الشيخ بين الصهاينة والمقاومين في غزة، أو كالتي جرت بين الهند وباكستان، الرئيس الجمهوري "ترامب" ينجز هدنا لا إنهاء للحروب كما يدعي، لأن للروس مشروعا عابرا لأوكرانيا، وللمقاومة بعد آخر في تحرير فلسطين يتجاوز الحرب في غزة، والعداء بين النوويتين في آسيا لا نهاية له. فكل ما نراه تسكين مؤقت لا أكثر ولا أقل، ولربما طاولت النيران المتنقلة الأراضي الأمريكية، فالتحديات الداخلية لديهم حطب سريع الاشتعال إن شاء الله.
بغض النظر عن ترجرج القضاء الفرنسي في هذه القضية التي تمس رمزها السيادي "رئاسة الجمهورية" بتهم فساد مست الرئيس الأسبق "ساركوزي"، فلم يستطع القضاة التغاضي عنها لوجود رأي عام فرنسي ودولي يراقب، لذلك انجبر هؤلاء القضاة على تحرير العقوبة وإنفاذها تحت ضغط سلطة القانون والرأي العام، وهذه مزية تحسب للقضاء الفرنسي على كل حال، ولكنها مزية معيبة جدا، نظرا لمعرفة القضاء بفساد رؤساء وحكومات ورجال أعمال غير فرنسيين، يحظون بحماية فرنسية سياسية ومخابراتية من أعلى المستويات، تمنعهم من يد العدالة الدولية، مكافأة لهم على "خدمات" قدموها للجمهورية الفرنسية، وإن كانت تعد إجراما لدى شعوبهم التي انحدروا منها؛ فكيف نفهم هذه المتناقضة في المنظومة السياسية الحديثة التي ولدتها الثورة الفرنسية!؟
إرهاصات عصر جديد؟
قرار مجلس الأمن بشأن الصحراء المغاربية ملغم جدا، قرار من لا يملك لمصلحة من لا يملك، وفيه تصفية حساب الدول التي دعمته مع النظام الجزائري، الذي تعتبره مناهضا للسياسات الغربية في المشرق وفي المغرب. وعليه فرأس النظام الجزائري بات مطلوبا من الإمبريالية العالمية حتى من روسيا التي امتنعت عن التصويت في مجلس الأمن عن القرار 2797 الخاص بالصحراء الغربية، ولا أجدى من إلقاء برميل متفجر بين الجارين الجزائر والمغرب، لتدخل المنطقة في فوضى ستلعب فيها كل دول الشر في العالم لعبتها الخبيثة التي لعبتها هنا وهناك؛ وبناء عليه، فمن مصلحة النظام الجزائري الآن وليس غدا الالتحام بشعبه والمبادرة سريعا إلى إصلاح العلاقة بين المكونات الوطنية في الداخل، وتبني الإسلام منهج حياة في المجتمع، ففي هذا أقوى رد وأصلب دفاع عن البلاد.
أما قضية الصحراء فلا حل لها إلا الحل الشرعي، بوحدة الشعوب المغاربية في كيان واحد وبالتي هي أحسن، وإلا بعث الله من يوحدها بالتي هي أخشن، وما يجري في الصحراء الكبرى منذر بهذه العاقبة، فـ "لله الأمر من قبل ومن بعد".
لغة السيد إبراهيم غالي لا بد أن تتجدد إذا أراد الانتصار في هذا الصراع بين المغاربة المسلمين، لغته معلمنة ولا يذكر فيها هوية الشعب الصحراوي الإسلامية، بل إنه يضفي على الصحراويين صبغة "المواطنة"، غير ذات لون ولا طعم ولا ريح، الموروثة عن الثقافة الغربية، ويؤكد على ذلك مؤنثا ومذكرا.
الثورة الجزائرية انتصرت بالإسلام، وصفة الشعب الجزائري المسلم المنتسب إلى العروبة أذكت حربه الضروس على الظلم، والمبادئ الإسلامية كانت وعد الثوار له بدولة تقوم عليها؛ لذا، وجب على القادة الصحراويين تفعيل هذه القيم، والزيادة عليها بالدعوة إلى وحدة الشمال الإفريقي في إطاره العربي الإسلامي إن أرادوا طي هذه القضية إلى الأبد.
ما لا يستطيع الإعلام الغربي استيعابه في مقاربة هذه القضايا، هو تبريره الوجود الغربي في بلاد يدين أهلها بالإسلام، أعني مالي والنيجر وبوركينافاسو وغيرها، واعتبار ذلك "نعمة"، والإصرار على إلقاء صبغة الاحتلال على منافس آخر لهم ممثلا بروسيا الاتحادية. من دون أن يحاول الإعلاميون العرب الذين يخدمون أجندات أجنبية أن يطرحوا المسألة كما هي في الواقع؛ أي أن الحركات الجهادية- أو الإرهابيين بمفهومهم- يقارعون غزاة من الغرب ومن الشرق، ويجدون في المجتمعات الإفريقية المحلية حاضنة دافئة تناصرهم، فلم لا يحكمون هذه البلاد بأنفسهم بدلا من الأجانب وأذنابهم التابعين؟ مع العلم بأن الحدود السياسية بين هذه الدول طارئة تاريخيا وليست أصيلة، وفي ذلكم محفز آخر لتمدد هذه الجماعات في كل الاتجاهات في المرحلة القادمة، مصداقا لقوله تعالى: {وتلك الأيام نداولها بين الناس}.
الأسلم للإماراتيين أن يجدوا في أنفسهم أوثق وسيط، فيعلنوا انسحابهم من المنطقة تماما، فلعل الخاطفين أن يفرجوا عن رهائنها منّا بلا فداء، وكذلك يجب أن يفعل كل من ليس من أهل هذه البلاد الطيبة، وليتركوا البلاد وشأنها، فأهل مالي أدرى بشعابها.
رموز نظام يبيد
إن الانتساب إلى الإسلام ليس مظهرا خارجيا وتحليا بمسوح الصالحين، إنه مبدأ والتزام، ينعكس نوره على الفكر والسلوك. بعبارة أخرى، إن التحفظ الشديد على تصريح صدر من مسؤول، بحجم السيد عبد العزيز بلخادم، وتسييجه كي لا يفهم على خلافه مراعاة لمن يسمع من البشر، وكأن نهب أموال الشعب قضية فيها مساومة أو تعني وجه الجزائر ممثلا في رموز نظامه ليس إلا، أو كأن القضاء الجزائري مبرأ من الفساد والحياد عن الصراط القويم، من دون تحفظ المعني في تصريحه مراعاة لما يرضي الله ويغضبه، في حد من حدود الله يتعلق بسرقة المال العام، الأمر الذي يعطي المشاهد صورة حية عن ذهنية رجال الدولة الجزائريين من الطيف العروبي، فما بالك بمن كان في اليسار أو في اليمين.
نعزي أهل الفقيد أحمد طالب الإبراهيمي والشعب الجزائري والأمة الإسلامية بوفاته، فرحمة الله على الرجل وغفر له، وأعظم أجر ذويه وأحسن عزاءهم. ومن المهم ذكر محاسن الميت، وفتح المجال أمام الدارسين للوقوف على مناقبه وتقويم مساره، في ضوء الحق الذي أنزل على محمد (صلى الله عليه وسلم) والمصالح العليا للشعب الجزائري والأمة الإسلامية في مرحلة طويلة من التاريخ ساهم فيها هذا العلم ودافع عنها.
.jpg)












