الشاعر الدي ولد آدب
أعلنَ بعضُ زملائي من الشعراء المبدعين -مؤخرا -عن تأسيس "بيت للشعر" في نواكشوط، وأنا -لا شكَّ- مع كلِّ خطْوةٍ جادَّةٍ تسْتَهْدِفُ إنْعاشَ الحَقْلِ الثقافي عُمُومًا، والأدَبِي خُصوصا، غيْرَ أنَّ الَبيانَ المُعْلن لهذا البيتِ لم يَضَعْ في الحسْبان أنَّ أوَّلَ بيْتٍ وُضِعَ للشِّعْر في موريتانيا، هو بَيْتُنَا، الذي كنتُ رابعَ ثلاثةٍ، تَجَرَّأوا على إطلاق تجْرِبَتِه، سنة 2001، في فتْرةٍ كانتْ أكْثَرَ حِقَبِ الأدَبِ المُورِيتَانِي عُقْمًا، حيث انْتُهِكَتْ السياسةُ -غيْرُ الروْحَانِيةِ- قُدسِيَّتَه، وشَلَّتْ فَاعِلَيتَه، وأدْخَلَتْهُ فِي بَيَاتٍ شتويٍّ طويلٍ، اخْتَزَلَتْه في مُنَاسَبَاتٍ كرنفالية، ترْتَبِطُ بتمْجيدِ السُّلْطانِ، و ضُيُوفِه منَ الرُّؤساءِ العَرَبِ، وحتَّى الأفَارَقَةِ الذين لا يَفْقَهُونَ قوْلاً من تلك القصائدِ الطنَّانَةِ التي كانتْ تُسْتَعْرَضُ أمَامَهمْ، تمْجيدًا لهم، ولِمُضِيفِهم من رُؤسائنا الزاهدينَ في "الشِّعْرِ والشُّعَرَاءِ". في ذلك الجَوِّ الخانِقِ اتَّفَقَ الدكتورُ: محمد ولد بوعليبة، والشاعر: بَبَّهَاءُ ولد بدِّيَّوه، وأنا، على أنْ نَعْرِضَ الفِكْرَةَ على الشاعرِ الكَبيرِ: أحمدو ولد عبد القادر، فتَبَناها- مشكورًا- مَعَنا، ومِنْ ثَمَّ أعْلَنَّا فِي حَفْلٍ مُتَقَشِّفٍ جِدًّاـ تَأسِيسَ (بَيْتِ الشِّعْرِ المُورِيتَاني)، في مَقَرِّ جريدة (أقلام) مُسْتَضيفَتِنا الكريمة، وبحُضورِ لَفيفٍ منْ مُمَثِّلِي الجَرَائدِ الأخْرَى، وفي ظِلِّ مُقاطَعَةٍ شبْهِ كامِلَةٍ منْ شُعَرَاءِ البَلَدِ وأدَبَائِه المَشْهُورينَ، رُبَّمَا بِسَبَبِ الرِّيبَةِ تجَاهَ أيِّ مَشْرُوعٍ ثقافي، لا يَسْتَظِلُّ بالرِّعَايَةِ الرَّسْمِيةِ ، غَيْرَ أنَّ ذلك لمْ يَفُتَّ فِي عَضضِنا، حيث كُنَّا صادقينَ في الإرَادَةِ، ومَرِنِينَ في الإدَارَةِ، إذْ لمْ نُرَسِّمْ مَسْؤولِياتٍ إدَارِيةٍ مُقَرَّرَةٍ، لأيٍّ منَ الأرْبَعَةِ، وإنَّمَا كُنَّا نَعْمَلُ، بِرُوحِ الفَريقِ المُتَناغِمِ، فحَدَّدَنْا آلِيَّةَ العَمَلِ، وأزْمَعَنَا العَزْمَ، على أنْ نَجْتمعَ مَرَّةً كُلَّ أسْبوعٍ، مَهْمَا كانت الظروفُ، وحَتَّى لوْ لمْ يَحْضُرْ غَيْرُنَا. وبما أنَّنَا لا نَمْلِكُ مَقَرًّا رَسْمِيًّا، فقدْ مَنَحَتْنَا جَريدَةُ "أقْلام" المِضْيَافَةِ- بِشَكْلٍ دائمٍ- قاعَةَ تحْريرِها في يوْم لِقائِنا المُحَدَّدِ، مَالمْ تَسْتَضِفْنَا جَرِيدَةُ، أوْ جِهَةٍ أخْرَى، وقدْ اسْتَضَافْتْنا بالفِعْلِ جريدةُ (الوحْدَوي)، وجريدةُ (الشَّعْبِ) أكثر من مرة، إضافةً للمركز الثقافي المغربي، وقد استقطبتْ نشاطاتُنا، وحِواراتُنا كثيرًا من وُجوهِ الصحافة، مثْل طاقم "أقلام"، ونقيب الصحافة الحالي، الذي كانَ المُشْرِفَ الدائمَ علَى اسْتِضَافَتنا في جريدة "الشَّعْبِ"، وكذلك العميد محمد فال ولد عمير، والأستاذ محمد سالم ولد الداه............ وهكذا كانَ افْتِقارُنا للمَقَرِّ نِعْمَةً أكْثَرَ مِنْهُ نِقْمَةً، حيث كَفَلَتْ لنا هذه الشراكةُ معَ الوَسَطِ الصُّحُفِي المَكْتُوبِ، انتشارًا إعْلاميا، وتوْثيقا وأرْشَفَةً لنشاطاتِنا، التي كانَ حصادُها لتلك السنة مُذْهِلاً، رغْمَ المُضَايَقاتِ، وغِيابِ كُلِّ وسائل الدعْم، حيث أسْفَرَتْ عن ستة وثلاثين(36) نشاطا، شَمِلَتْ أمْسِياتٍ كثيرةٍ داخِلَ المَقَرَّاتِ الصحفية، وخارجَها.. وقد كسَرْنا الرُّوتينَ المَعْهودَ، بابْتِكارِ أساليبَ جديدةٍ لحِواراتِنا، فخَصَّصْنا حَلقةً للرَّدِّ على سُؤال: (لماذا يكتبُ الشعراءُ؟)، أجابَ عليه ثُلَّةٌ من رُوَّادِ بيْتِنا الشِّعْري، ووُثِّقَتْ إجَابَاتُهُمْ مُحَرَّرَةً، في الصُّحُفِ، ثم رَدَّ الشُّعَرَاءُ الكُرة إلى مَرْمَى النُّقادِ، فقَلَبُوا لهم السؤالَ: لماذا تكْتُبونَ النقدَ؟ وقد رَفَعَ التَّحَدِّي كُلٌّ من النَّاقِدَيْنِ : د/ محمد ولد بو عليبة، ود/محمد ولد عبد الحي. ثم كَسَرْنا المَألوفَ أيْضا باسْتِضافةِ بعْضِ باحِثِينا الأكادِيمِيينَ المُتَخَرِّجِينَ حديثًا، فاقْتَرَحْنا عليْهم تقديمَ أطروحاتِهم الجامعيةَ، ومُناقشَتَها مع رُوَّادِ بيْتِنَا الشِّعْري، حيث اسْتجَابَ لمُقْتَرَحِنَا كُلٌّ من الدكاترة: المختار الجيلاني، ومحمد الحسن ولد محمد المصطفي، ومحمد ولد عابدين، كما حاورْنا الروائي المُبْدع، د/موسى ولد ابنو، حوْل روايته الأثيرةِ: "مَدينة الرياح"، وكانتْ كلُّ هذه الجَلَساتِ مُثيرَةً ومُثْمِرَةً. وقد أبَّنَّا كُلاًّ مِنْ فقيدِنا الباحث الأكاديمي العبْقري، جمال ولد الحسن، في مَباني جريدةِ "الشعب" ونشرْنا شهاداتٍ ومَرْثياتٍ عديدةً، دارتْ حوْلَها تلك الجَلْسَةُ، كما أبَّنَا فقيدَتَنا الأدِيبةَ المُبْدِعَةَ خديجة بنت عبد الحي، في حَفْلٍ كبيرٍ بالمركز الثقافي المغربي، حَضَرَتْه أسْرَتُها الكريمةُ، وكثيرٌ من مُحِبِّيهَا... وقدْ كلَّفني الزملاءُ بإعْدادِ وتقديِم كَلِمَةِ بَيْتِ الشِّعْرِ في الُمُنَاسَبَةِ. هذا إضافةً إلى تأبينٍ كبيرٍ للشاعر المَحْبُوبِ: نزار قباني، بالمركز الثقافي نفسه، في الذكْرَى الثالثةِ لوفاته، توَلَّى بَيْتُ الشِّعْرِ إدَارَةَ وقائعه، حيث قدَّمَ د/ محمد ولد بوعليبه كلمةَ "البَيْتِ"، وألْقى الشاعرُ أحمدو ولد عبد القادر مُقدِّمَةً تأبينيةً لِمَرْثِيته" الشام عرْشك"، فيما توَلَّيْتُ أنَا توْزيعَ الأدْوَارِ على ضُيوفِنا الأعِزَّاء، مثل الشعراء: محمد ولد الطالب، والشيخ ولد سيدي عبد الله، ومحمد سعدنا ولد الطالب، وببهاء ولد بديوه، والتقي ولد الشيخ، ومحمد ولد الشيخ الداه، وكنتُ أنا آخر العنقود. ولمزيدٍ من التفاعُلِ الثقافي اسْتَضفْنا كذلك الأستاذ شَوْقِي عَبْد الأمير، مسؤول اليونسكو، المُشْرِفُ على مَشْرُوعِ "كتاب في جريدة"، في مَقَرِّ جريدة "الشعْب" التي كانتْ تَسْتَضِيفُه، باعْتِبارِها هي الجريدةُ التي سَتَنْشُرُ كتابَ المَشْرُوعِ حينَها، ثمَّ خرَجْنا به إلى ضاحِيةِ العاصمةِ الشمَاليةِ، حيث دعانا د/ محمد ولد بوعليبه، إلى عُزْبَةٍ هادئةٍ هُناكَ، اسْتَمْتَعَنا فيها بالقَمَرِ، والسَّمَرِ، وحَليبِ الإبِلِ، والشايِّ المُعَتَّقِ، والشِّعْر... وقد انْبَهَرَ ضيْفُنا بِجَوِّ تلك الجَلْسة، حيث لمْ يَعْهَدْ مِثْله..... كلُّ هذه الديناميةِ الفعَّالة، والحصادِ الذي لمْ نسْتعْرضْ إلا طَرَفًا منه... بيْدَ أنَّنَا نَمْلِكُ عنْه إرْشِيفًا صحَفيا مُوَثَّقًا بأسْماءِ الجرائد الناشرة، وأرقام الأعداد والصفحات، وتواريخ النشاطات وأمْكنتها، وأهَمُّ رُوَّادِها وضُيُوفِها...رغْمَ كُلِّ ذلك يُفَاجِئنا - قبْلَ أيام- زُمَلاؤنا الأعِزَّاءُ بإعْلانِ تأسِيسِهم "بيْتَ الشِّعْر"، وكأنَّه لمْ يَتَأسّسْ قبْلَهم منذ خَمْسَةَ عشرة سنة.. دُونَ أدْنَى إشَارَة لهذه التَّجْربَةِ السابقةِ، ودُونَ تَنْسِيقٍ معَ أصْحَابها في اسْتِخْدامِ اسْم بيْتِنَا، الذي كانَ- كَمَا أسْلَفْتُ- أوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ للشِّعْرِ في مُورِيتانيا، مَعَ أنَّنا يوْمَها لمْ نُمَارِسْ قتْلَ الأبِ، ولا مَسْحَ الطاولة، وتَجَاهُلَ حَقِّ الرِّيادةِ، بلْ أشَرْنا في خِطابِ التأسِيسِ، أنَّنَا نَقْتَدِي بـ سلفنا: "بيت الشعر"، في المملكة المغربية، الذي رُبَّما كانَ أوَّلَ تجْربَةٍ من هذا النوْع في العالم العربي، تناسخَتْ بعْدها مَثيلاتُها في مُوريتانيا، وفلسطين، وتونس، والشارقة... أشير إلى أنَّ كُلَّ الأسْمَاءِ "المُؤسِّسَة" لبَيْت الشِّعْرِ(رقم2)- في مُوريتانيا- هم من صَفْوَةِ شُعَرائِنا، ومن أعَزِّهمْ لدَيَّ.. وإذا كنْتُ أوسِعُ عذْرًا كُلَّ جِيلِ الشَّبَابِ المُشارِكينَ في "تأسِيسِ" هذه النُّسْخَةِ الثانيةِ من بَيْتَنَا، باعْتبارهم رُبَّما لمْ يَكُونُوا على عِلْمٍ بـــ "بيْتِ الشِّعْر الأول"، نظرًا لحَدَاثَةِ أسْنَانِهم إبَّانَ نَشَاطِه، فإنَّ عُجْبِي كُلَّه منَ الشَّاعِرِ الكبيرِ: ناجي محمد الإمام، الذي تَرَأسَ مُبَادَرَتَهم الوليدةَ، رغْمَ أنَّنِي لنْ أنْسَى – مَهْمَا نَسِيتُ- أنَّهُ شرَّفَنا، ذاتَ سَمَرٍ منْ أسْمَارِنَا الأدَبيةِ، وشارَكنا إيَّاهُ بقطةٍ صغيرةٍ، مَا زِلْتُ أذْكُرُ أنَّها كانت تَتَحَدَّثُ عن} "نَتِن ياهو" تَلاعُبًا باسْم رئيس الوزراء الصهيوني، فكيف لمْ يَسْتَحْضِرْ- وهو "يؤسس هذا البيتَ"- بَيْتَنَا الشِّعْريَّ الذي سَبَقَ أن اسْتَظَلَّ بِه. نعَمْ، إنَّ بَيْتَنَا الشِّعْرِيَّ، قدْ تَوَقَّفَ نَشاطُه منذ 2002، حيث اعْتَبَرَ الدكتورُ: محمد ولد بوعليبه، رئيسُ "جمعية النقد الأدبي الموريتانية"، الحَاضِنَةِ لـ "بيْتِ الشَّعْرِ"،- تواضُعًا مِنْه- أنَّ غيابي أنا لِتكْميلِ الدِّراساتِ العُليا، عاقَ اسْتِمْرارَ بَيْتِنَا، ومَهْمَا يَكُنْ فإنَّ هذا التَّوَقُّفَ لا يُعْتَبَرُ مُسَوِّغًا لِنَسْفِهِ، أوْ رَدْمِه، وبِنَاءِ بَيْتٍ علَى أنْقاضِه، فحَتَّى أهْلُ " الكَزْرَةِ " عِنْدَنا، أعُتَقِدُ أنَّ جُلَّهم إذا أغْلَقَ أحَدُهُمْ بيْتَه، وغابَ عنْه لِفْتْرَةٍ، لا يُسَوُّونَه بالأرْض، ويَبْنُونَ فوْقَهُ، ناكِرينَ وُجُودُهُ أصْلا! أنا أتَمَنَّى لكم النَّجَاحَ والتَّوْفيقَ، وأجِلُّ كُلَّ نَشاطٍ يَخْدمُ الثقافةَ عُمُومًا، والأدبُ خُصوصًا، ولكِنَّنِي أعْتَبِرَ أنَّ اللياقَةَ الأدبيةَ، والذوْقَ الفَنِّي، والحسَّ الشِّعْريَّ، تقتضي التشاوُرَ مَعَ مُؤسِّسِي "بَيْتِ الشِّعْرِ الأوَّل": الدكتور محمد ولد بو عليبه، والشاعرين: أحمدو ولد عبد القادر، وببهاء بن بديوه...للتفاهُم مَعَهم حوْلَ اسْتِنْسَاخِ تجْرِبَتِهم، وأنَا لنْ أعارِضَ ما يرَوْنَه مُناسِبًا، حيث ليْسَ لِي مَأرَبٌ سِوَى إحْقاقِ الحَقِّ، ووضْعِ الأشْياءِ في نِصابها الطبيعي، وأكثرُكم يَعْرِفُ مَدَى مَحَبَّتِي وتقديري للجَمِيع، ولوْلا الشُّعُورُ بمَرَارَةِ "ظلمِ ذَوِي القُرْبَى" الأدبية، الأشَدَّ مَضَاضَةً، المُتَمَثِّلَ فِي التَّجَاهُلِ، والتَّجاوُزِ، شبْهِ المُتَعَمَّدِ، لَمَا فتحْتُ نافِذةً على هذه التجْربةِ وحَصَادِها، لأنِّي أحِبُّ الإنْجَازَ فِي صمْتٍ، بقدرما أكْرَهُ الاستراتيجية الإعلامية السيئة الرائجة، التي تعتمد أوساط نخبنا، والتي تنبني على نفخ الأنا، وجَعْل حَبَّتِه قُبَّةً، وتقْزيمِ الآخَرِ، وجَعْلِ قُبَّته حَبَّةً... بلْ عَدَمًا مُطْلَقًا...فالإنْصافُ من شأنِ الأشْرافِ. وللأمانةِ، أعْلِنُ -من هُنَا- أنَّنِي لمْ أسْتَشِر زُمَلائِي في كتَابَةِ هذه السُّطورِ، تَفَرُّدًا بالمَسْؤولِية المُطْلقَةِ عنْ كُلِّ مَا يَتَرَتَّبُ عليْها، فلْتَعْصبُوها بِرَأسِي وحْدِي، فزُمَلائِي، رُبَّمَا قدْ فَاتَهمْ كُلُّ ما حَدَثَ .
الشاعر الدي ولد آدب
أعلنَ بعضُ زملائي من الشعراء المبدعين -مؤخرا -عن تأسيس "بيت للشعر" في نواكشوط، وأنا -لا شكَّ- مع كلِّ خطْوةٍ جادَّةٍ تسْتَهْدِفُ إنْعاشَ الحَقْلِ الثقافي عُمُومًا، والأدَبِي خُصوصا، غيْرَ أنَّ الَبيانَ المُعْلن لهذا البيتِ لم يَضَعْ في الحسْبان أنَّ أوَّلَ بيْتٍ وُضِعَ للشِّعْر في موريتانيا، هو بَيْتُنَا، الذي كنتُ رابعَ ثلاثةٍ، تَجَرَّأوا على إطلاق تجْرِبَتِه، سنة 2001، في فتْرةٍ كانتْ أكْثَرَ حِقَبِ الأدَبِ المُورِيتَانِي عُقْمًا، حيث انْتُهِكَتْ السياسةُ -غيْرُ الروْحَانِيةِ- قُدسِيَّتَه، وشَلَّتْ فَاعِلَيتَه، وأدْخَلَتْهُ فِي بَيَاتٍ شتويٍّ طويلٍ، اخْتَزَلَتْه في مُنَاسَبَاتٍ كرنفالية، ترْتَبِطُ بتمْجيدِ السُّلْطانِ، و ضُيُوفِه منَ الرُّؤساءِ العَرَبِ، وحتَّى الأفَارَقَةِ الذين لا يَفْقَهُونَ قوْلاً من تلك القصائدِ الطنَّانَةِ التي كانتْ تُسْتَعْرَضُ أمَامَهمْ، تمْجيدًا لهم، ولِمُضِيفِهم من رُؤسائنا الزاهدينَ في "الشِّعْرِ والشُّعَرَاءِ". في ذلك الجَوِّ الخانِقِ اتَّفَقَ الدكتورُ: محمد ولد بوعليبة، والشاعر: بَبَّهَاءُ ولد بدِّيَّوه، وأنا، على أنْ نَعْرِضَ الفِكْرَةَ على الشاعرِ الكَبيرِ: أحمدو ولد عبد القادر، فتَبَنَّاهَام- مشكورًا- مَعَنا، ومِنْ ثَمَّ أعْلَنَّا فِي حَفْلٍ مُتَقَشِّفٍ جِدًّاـ تَأسِيسَ (بَيْتِ الشِّعْرِ المُورِيتَاني)، في مَقَرِّ جريدة (أقلام) مُسْتَضيفَتِنا الكريمة، وبحُضورِ لَفيفٍ منْ مُمَثِّلِي الجَرَائدِ الأخْرَى، وفي ظِلِّ مُقاطَعَةٍ شبْهِ كامِلَةٍ منْ شُعَرَاءِ البَلَدِ وأدَبَائِه المَشْهُورينَ، رُبَّمَا بِسَبَبِ الرِّيبَةِ تجَاهَ أيِّ مَشْرُوعٍ ثقافي، لا يَسْتَظِلُّ بالرِّعَايَةِ الرَّسْمِيةِ ، غَيْرَ أنَّ ذلك لمْ يَفُتَّ فِي عَضضِنا، حيث كُنَّا صادقينَ في الإرَادَةِ، ومَرِنِينَ في الإدَارَةِ، إذْ لمْ نُرَسِّمْ مَسْؤولِياتٍ إدَارِيةٍ مُقَرَّرَةٍ، لأيٍّ منَ الأرْبَعَةِ، وإنَّمَا كُنَّا نَعْمَلُ، بِرُوحِ الفَريقِ المُتَناغِمِ، فحَدَّدَنْا آلِيَّةَ العَمَلِ، وأزْمَعَنَا العَزْمَ، على أنْ نَجْتمعَ مَرَّةً كُلَّ أسْبوعٍ، مَهْمَا كانت الظروفُ، وحَتَّى لوْ لمْ يَحْضُرْ غَيْرُنَا. وبما أنَّنَا لا نَمْلِكُ مَقَرًّا رَسْمِيًّا، فقدْ مَنَحَتْنَا جَريدَةُ "أقْلام" المِضْيَافَةِ- بِشَكْلٍ دائمٍ- قاعَةَ تحْريرِها في يوْم لِقائِنا المُحَدَّدِ، مَالمْ تَسْتَضِفْنَا جَرِيدَةُ، أوْ جِهَةٍ أخْرَى، وقدْ اسْتَضَافْتْنا بالفِعْلِ جريدةُ (الوحْدَوي)، وجريدةُ (الشَّعْبِ) أكثر من مرة، إضافةً للمركز الثقافي المغربي، وقد استقطبتْ نشاطاتُنا، وحِواراتُنا كثيرًا من وُجوهِ الصحافة، مثْل طاقم "أقلام"، ونقيب الصحافة الحالي، الذي كانَ المُشْرِفَ الدائمَ علَى اسْتِضَافَتنا في جريدة "الشَّعْبِ"، وكذلك العميد محمد فال ولد عمير، والأستاذ محمد سالم ولد الداه............ وهكذا كانَ افْتِقارُنا للمَقَرِّ نِعْمَةً أكْثَرَ مِنْهُ نِقْمَةً، حيث كَفَلَتْ لنا هذه الشراكةُ معَ الوَسَطِ الصُّحُفِي المَكْتُوبِ، انتشارًا إعْلاميا، وتوْثيقا وأرْشَفَةً لنشاطاتِنا، التي كانَ حصادُها لتلك السنة مُذْهِلاً، رغْمَ المُضَايَقاتِ، وغِيابِ كُلِّ وسائل الدعْم، حيث أسْفَرَتْ عن ستة وثلاثين(36) نشاطا، شَمِلَتْ أمْسِياتٍ كثيرةٍ داخِلَ المَقَرَّاتِ الصحفية، وخارجَها.. وقد كسَرْنا الرُّوتينَ المَعْهودَ، بابْتِكارِ أساليبَ جديدةٍ لحِواراتِنا، فخَصَّصْنا حَلقةً للرَّدِّ على سُؤال: (لماذا يكتبُ الشعراءُ؟)، أجابَ عليه ثُلَّةٌ من رُوَّادِ بيْتِنا الشِّعْري، ووُثِّقَتْ إجَابَاتُهُمْ مُحَرَّرَةً، في الصُّحُفِ، ثم رَدَّ الشُّعَرَاءُ الكُرة إلى مَرْمَى النُّقادِ، فقَلَبُوا لهم السؤالَ: لماذا تكْتُبونَ النقدَ؟ وقد رَفَعَ التَّحَدِّي كُلٌّ من النَّاقِدَيْنِ : د/ محمد ولد بو عليبة، ود/محمد ولد عبد الحي. ثم كَسَرْنا المَألوفَ أيْضا باسْتِضافةِ بعْضِ باحِثِينا الأكادِيمِيينَ المُتَخَرِّجِينَ حديثًا، فاقْتَرَحْنا عليْهم تقديمَ أطروحاتِهم الجامعيةَ، ومُناقشَتَها مع رُوَّادِ بيْتِنَا الشِّعْري، حيث اسْتجَابَ لمُقْتَرَحِنَا كُلٌّ من الدكاترة: المختار الجيلاني، ومحمد الحسن ولد محمد المصطفي، ومحمد ولد عابدين، كما حاورْنا الروائي المُبْدع، د/موسى ولد ابنو، حوْل روايته الأثيرةِ: "مَدينة الرياح"، وكانتْ كلُّ هذه الجَلَساتِ مُثيرَةً ومُثْمِرَةً. وقد أبَّنَّا كُلاًّ مِنْ فقيدِنا الباحث الأكاديمي العبْقري، جمال ولد الحسن، في مَباني جريدةِ "الشعب" ونشرْنا شهاداتٍ ومَرْثياتٍ عديدةً، دارتْ حوْلَها تلك الجَلْسَةُ، كما أبَّنَا فقيدَتَنا الأدِيبةَ المُبْدِعَةَ خديجة بنت عبد الحي، في حَفْلٍ كبيرٍ بالمركز الثقافي المغربي، حَضَرَتْه أسْرَتُها الكريمةُ، وكثيرٌ من مُحِبِّيهَا... وقدْ كلَّفني الزملاءُ بإعْدادِ وتقديِم كَلِمَةِ بَيْتِ الشِّعْرِ في الُمُنَاسَبَةِ. هذا إضافةً إلى تأبينٍ كبيرٍ للشاعر المَحْبُوبِ: نزار قباني، بالمركز الثقافي نفسه، في الذكْرَى الثالثةِ لوفاته، توَلَّى بَيْتُ الشِّعْرِ إدَارَةَ وقائعه، حيث قدَّمَ د/ محمد ولد بوعليبه كلمةَ "البَيْتِ"، وألْقى الشاعرُ أحمدو ولد عبد القادر مُقدِّمَةً تأبينيةً لِمَرْثِيته" الشام عرْشك"، فيما توَلَّيْتُ أنَا توْزيعَ الأدْوَارِ على ضُيوفِنا الأعِزَّاء، مثل الشعراء: محمد ولد الطالب، والشيخ ولد سيدي عبد الله، ومحمد سعدنا ولد الطالب، وببهاء ولد بديوه، والتقي ولد الشيخ، ومحمد ولد الشيخ الداه، وكنتُ أنا آخر العنقود. ولمزيدٍ من التفاعُلِ الثقافي اسْتَضفْنا كذلك الأستاذ شَوْقِي عَبْد الأمير، مسؤول اليونسكو، المُشْرِفُ على مَشْرُوعِ "كتاب في جريدة"، في مَقَرِّ جريدة "الشعْب" التي كانتْ تَسْتَضِيفُه، باعْتِبارِها هي الجريدةُ التي سَتَنْشُرُ كتابَ المَشْرُوعِ حينَها، ثمَّ خرَجْنا به إلى ضاحِيةِ العاصمةِ الشمَاليةِ، حيث دعانا د/ محمد ولد بوعليبه، إلى عُزْبَةٍ هادئةٍ هُناكَ، اسْتَمْتَعَنا فيها بالقَمَرِ، والسَّمَرِ، وحَليبِ الإبِلِ، والشايِّ المُعَتَّقِ، والشِّعْر... وقد انْبَهَرَ ضيْفُنا بِجَوِّ تلك الجَلْسة، حيث لمْ يَعْهَدْ مِثْله..... كلُّ هذه الديناميةِ الفعَّالة، والحصادِ الذي لمْ نسْتعْرضْ إلا طَرَفًا منه... بيْدَ أنَّنَا نَمْلِكُ عنْه إرْشِيفًا صحَفيا مُوَثَّقًا بأسْماءِ الجرائد الناشرة، وأرقام الأعداد والصفحات، وتواريخ النشاطات وأمْكنتها، وأهَمُّ رُوَّادِها وضُيُوفِها...رغْمَ كُلِّ ذلك يُفَاجِئنا - قبْلَ أيام- زُمَلاؤنا الأعِزَّاءُ بإعْلانِ تأسِيسِهم "بيْتَ الشِّعْر"، وكأنَّه لمْ يَتَأسّسْ قبْلَهم منذ خَمْسَةَ عشرة سنة.. دُونَ أدْنَى إشَارَة لهذه التَّجْربَةِ السابقةِ، ودُونَ تَنْسِيقٍ معَ أصْحَابها في اسْتِخْدامِ اسْم بيْتِنَا، الذي كانَ- كَمَا أسْلَفْتُ- أوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ للشِّعْرِ في مُورِيتانيا، مَعَ أنَّنا يوْمَها لمْ نُمَارِسْ قتْلَ الأبِ، ولا مَسْحَ الطاولة، وتَجَاهُلَ حَقِّ الرِّيادةِ، بلْ أشَرْنا في خِطابِ التأسِيسِ، أنَّنَا نَقْتَدِي بـ سلفنا: "بيت الشعر"، في المملكة المغربية، الذي رُبَّما كانَ أوَّلَ تجْربَةٍ من هذا النوْع في العالم العربي، تناسخَتْ بعْدها مَثيلاتُها في مُوريتانيا، وفلسطين، وتونس، والشارقة... أشير إلى أنَّ كُلَّ الأسْمَاءِ "المُؤسِّسَة" لبَيْت الشِّعْرِ(رقم2)- في مُوريتانيا- هم من صَفْوَةِ شُعَرائِنا، ومن أعَزِّهمْ لدَيَّ.. وإذا كنْتُ أوسِعُ عذْرًا كُلَّ جِيلِ الشَّبَابِ المُشارِكينَ في "تأسِيسِ" هذه النُّسْخَةِ الثانيةِ من بَيْتَنَا، باعْتبارهم رُبَّما لمْ يَكُونُوا على عِلْمٍ بـــ "بيْتِ الشِّعْر الأول"، نظرًا لحَدَاثَةِ أسْنَانِهم إبَّانَ نَشَاطِه، فإنَّ عُجْبِي كُلَّه منَ الشَّاعِرِ الكبيرِ: ناجي محمد الإمام، الذي تَرَأسَ مُبَادَرَتَهم الوليدةَ، رغْمَ أنَّنِي لنْ أنْسَى – مَهْمَا نَسِيتُ- أنَّهُ شرَّفَنا، ذاتَ سَمَرٍ منْ أسْمَارِنَا الأدَبيةِ، وشارَكنا إيَّاهُ بقطةٍ صغيرةٍ، مَا زِلْتُ أذْكُرُ أنَّها كانت تَتَحَدَّثُ عن} "نَتِن ياهو" تَلاعُبًا باسْم رئيس الوزراء الصهيوني، فكيف لمْ يَسْتَحْضِرْ- وهو "يؤسس هذا البيتَ"- بَيْتَنَا الشِّعْريَّ الذي سَبَقَ أن اسْتَظَلَّ بِه. نعَمْ، إنَّ بَيْتَنَا الشِّعْرِيَّ، قدْ تَوَقَّفَ نَشاطُه منذ 2002، حيث اعْتَبَرَ الدكتورُ: محمد ولد بوعليبه، رئيسُ "جمعية النقد الأدبي الموريتانية"، الحَاضِنَةِ لـ "بيْتِ الشَّعْرِ"،- تواضُعًا مِنْه- أنَّ غيابي أنا لِتكْميلِ الدِّراساتِ العُليا، عاقَ اسْتِمْرارَ بَيْتِنَا، ومَهْمَا يَكُنْ فإنَّ هذا التَّوَقُّفَ لا يُعْتَبَرُ مُسَوِّغًا لِنَسْفِهِ، أوْ رَدْمِه، وبِنَاءِ بَيْتٍ علَى أنْقاضِه، فحَتَّى أهْلُ " الكَزْرَةِ " عِنْدَنا، أعُتَقِدُ أنَّ جُلَّهم إذا أغْلَقَ أحَدُهُمْ بيْتَه، وغابَ عنْه لِفْتْرَةٍ، لا يُسَوُّونَه بالأرْض، ويَبْنُونَ فوْقَهُ، ناكِرينَ وُجُودُهُ أصْلا! أنا أتَمَنَّى لكم النَّجَاحَ والتَّوْفيقَ، وأجِلُّ كُلَّ نَشاطٍ يَخْدمُ الثقافةَ عُمُومًا، والأدبُ خُصوصًا، ولكِنَّنِي أعْتَبِرَ أنَّ اللياقَةَ الأدبيةَ، والذوْقَ الفَنِّي، والحسَّ الشِّعْريَّ، تقتضي التشاوُرَ مَعَ مُؤسِّسِي "بَيْتِ الشِّعْرِ الأوَّل": الدكتور محمد ولد بو عليبه، والشاعرين: أحمدو ولد عبد القادر، وببهاء بن بديوه...للتفاهُم مَعَهم حوْلَ اسْتِنْسَاخِ تجْرِبَتِهم، وأنَا لنْ أعارِضَ ما يرَوْنَه مُناسِبًا، حيث ليْسَ لِي مَأرَبٌ سِوَى إحْقاقِ الحَقِّ، ووضْعِ الأشْياءِ في نِصابها الطبيعي، وأكثرُكم يَعْرِفُ مَدَى مَحَبَّتِي وتقديري للجَمِيع، ولوْلا الشُّعُورُ بمَرَارَةِ "ظلمِ ذَوِي القُرْبَى" الأدبية، الأشَدَّ مَضَاضَةً، المُتَمَثِّلَ فِي التَّجَاهُلِ، والتَّجاوُزِ، شبْهِ المُتَعَمَّدِ، لَمَا فتحْتُ نافِذةً على هذه التجْربةِ وحَصَادِها، لأنِّي أحِبُّ الإنْجَازَ فِي صمْتٍ، بقدرما أكْرَهُ الاستراتيجية الإعلامية السيئة الرائجة، التي تعتمد أوساط نخبنا، والتي تنبني على نفخ الأنا، وجَعْل حَبَّتِه قُبَّةً، وتقْزيمِ الآخَرِ، وجَعْلِ قُبَّته حَبَّةً... بلْ عَدَمًا مُطْلَقًا...فالإنْصافُ من شأنِ الأشْرافِ. وللأمانةِ، أعْلِنُ -من هُنَا- أنَّنِي لمْ أسْتَشِر زُمَلائِي في كتَابَةِ هذه السُّطورِ، تَفَرُّدًا بالمَسْؤولِية المُطْلقَةِ عنْ كُلِّ مَا يَتَرَتَّبُ عليْها، فلْتَعْصبُوها بِرَأسِي وحْدِي، فزُمَلائِي، رُبَّمَا قدْ فَاتَهمْ كُلُّ ما حَدَثَ .