يتزايد الحديث عن المستقبل السياسي في موريتانيا في أفق السنوات الثلاثة القادمة، تاريخ انتهاء المأمورية الثانية، والأخيرة دستوريا للرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، وترتفع وتيرة الحديث عن الدستور بين المطالبين بتعديله، والمتشبثين به في شكله الحالي، دون إدخال أي تغييرات عليه، واحترام التحصينات التي اختارتها الشعب الموريتاني في التعديل الدستوري الذي أجري خلال الفترة الانتقالية 2005 – 2007 ونال نسبة فاقت 96%.
ويشكل الدستور في شكله الحالي عقبة أمام الطموح لرئاسة موريتانيا لثلاث شخصيات من أبرز الفاعلين السياسيين في موريتانيا خلال العقدين الأخيرين، وهم الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، ورئيس حزب تكتل القوى الديمقراطية أحمد ولد داداه، ورئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي مسعود ولد بلخير.
وتحددت حتى الآن عدة مواقف من تعديل الدستور، حيث طالب أعضاء في الحكومة، ونشطاء سياسيين بتعديله، ومنح الرئيس الموريتاني أكثر من مأمورية، فيما أوقف منتدى المعارضة كافة اتصالاته مع الحكومة احتجاجا على تصريح أعضاء الحكومة، وبدأ حملة للاتصال بالأطراف المعارضة لتشكيل موقف موحد لكل الأحزاب المعارضة، كما أصدر حزب تكتل القوى الديمقراطية بيانا وصف فيه تصريحات أعضاء الحكومة الموريتانية حول تعديل الدستور بأنها "مقززة"، مؤكدا أن يعتبر "الدستور خط أحمر لا يجوز المساس به - بأي حال من الأحوال - لأغراض خاصة، لا تخدم المصالح العليا للوطن".
ويضع الدستور الحالي حدا لطموحات الشخصيات السياسية الثلاثة بعامل إنهاء مأموريتين بالنسبة للرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، والذي تنتهي مأموريته في النصف الأول من العام 2019.
فيما يضع حدا لطموحات رئيسي التكتل، والتحالف بتجاوزهما للحد الأقصى للسن المسموح لها بالترشح، والمحددة في 75 سنة، حيث يصلها أحمد ولد داداه في العام 2017، فيما يصلها ولد بلخير في العام 2018.
إعادة لمرة واحدة..
عرفت التعديلات التي أدخلت على الدستور الموريتاني خلال الفترة الانتقالية 2005 – 2007 إضافة عدة مواد تصب في مجال التناوب على السلطة، وتم تحصينها في إضافة جديدة في المادة: 99، ومن بين المواد التي تمت إضافتها المادة: 28، والتي يقول نصها: "يمكن إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمرة واحدة".
وجاءت هذه المادة بعد المادة: 26، والتي نصت على أنه: "ينتخب رئيس الجمهورية لمدة خمس (5) سنوات عن طريق الاقتراع العام المباشر. يتم انتخابه بالأغلبية المطلقة للأصوات المعبر عنها، وإذا لم يحصل أحد المترشحين على هذه الأغلبية في الشوط الأول، ينظم شوط ثان بعد أسبوعين. لا يترشح لهذا الشوط الثاني إلا المترشحان الباقيان في المنافسة والحاصلان على أكبر عدد من الأصوات في الشوط الأول".
وتم تحصين هذه المواد الدستورية في المادة: 99، والتي نصت على حددت في أول فقراتها من يملك حق مبادرة مراجعة الدستور، من خلالها نصها على أنه: "يمتلك كل من رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان مبادرة مراجعة الدستور".
ونصت فقرتها الثانية على أنه: "لا يناقش أي مشروع مراجعة مقدم من طرف البرلمانيين إلا إذا وقعه على الأقل ثلث (3/1) أعضاء إحدى الغرفتين"، مردفة في الفقرة الثالثة على أنه: "لا يصادق على مشروع مراجعة إلا إذا صوت عليه ثلثا (3/2) أعضاء الجمعية الوطنية وثلثا (3/2) أعضاء مجلس الشيوخ ليتسنى تقديمه للاستفتاء".
وجاء التحصين في الفقرة الرابعة، حيث نصت على أنه: "لا يجوز الشروع في أي إجراء يرمى إلى مراجعة الدستور، إذا كان يطعن في كيان الدولة أو ينال من حوزة أراضيها أو من الصبغة الجمهورية للمؤسسات أو من الطابع التعددي للديمقراطية الموريتانية أو من مبدأ التناوب الديمقراطي على السلطة والمبدأ الملازم له الذي يحدد مدة ولاية رئيس الجمهورية بخمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، وذلك طبقا لما تنص عليه المادتان 26 و28 المذكورتان سالفا".
وتضمنت المادة: 29 القسم الرئاسي، والذي يقول نص القسم الثاني منه: "وأقسم بالله العلي العظيم أن لا أتخذ أو أدعم بصورة مباشرة أو غير مباشرة أية مبادرة من شأنها أن تؤدي إلى مراجعة الأحكام الدستورية المتعلقة بمدة مأمورية رئيس الجمهورية وشروط تجديدها الواردة في المادتين 26 و28 من هذا الدستور".
كما نصت المادة في فقرتها الرابعة على أن هذا اليمين يؤدى "أمام المجلس الدستوري، بحضور مكتب الجمعية الوطنية، ومكتب مجلس الشيوخ، ورئيس المحكمة العليا، ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى".
سيف الـ75 سنة
أما رئيس حزب تكتل القوى الديمقراطية أحمد ولد داداه فتقف عقبة السن أمام طموحه الرئاسي، في حال لم يتم تعديل الدستور، حيث تنص المادة: 26 في فقرتها الثانية على أن "كل مواطن مولود بموريتانيا يتمتع بحقوقه المدنية والسياسية ولا يقل عمره عن 40 سنة ولا يزيد عن 75 سنة بتاريخ الشوط الأول من الانتخابات، مؤهل لأن ينتخب رئيسا للجمهورية".
ويكمل أحمد ولد داداه عامه الخامس والسبعين يوم 07 أغسطس 2017، حيث ولد في 7 أغسطس 1942 في مدينة أبي تيلميت وسط البلاد.
عاش ولد داداه العقود الثلاثة الأخيرة في معترك السياسة المحلي، وشكل أيقونة للمعارضة في موريتانيا، وذلك منذ ترشحه للرئاسة 1991 في مواجهة الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع، وأعلن – حينها – عن حصوله نسبة فاقت 32% وسط اتهامات واسعة لولد الطايع بتزوير الانتخابات.
ترأس ولد داداه بعد الانتخابات حزب اتحاد القوى الديمقراطية / عهد جديد، والذي ضم مجموعة من التيارات السياسية الموريتانية، وقاطع الانتخابات الرئاسية 1997.
وفي العام 2000 حلت السلطات حزبه، ليؤسس عدد من مناصريه حزب تكتل القوى الديمقراطية، ويتولى هو رئاسته لاحقا، وشارك باسمه في الانتخابات الرئاسية 2003، و2007 حيث حل في الرتبة الثانية بنسبة فاقت 47%، كما شارك في الانتخابات الرئاسية 2009، وقاطع الانتخابات الرئاسية 2014.
.. ويطال ولد بلخير
كما يطال سيف الـ75 سنة المنصوص في الفقرة الثانية من المادة: 26 من الدستور رئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي مسعود ولد بلخير، والذي يكمل عامه الـ75 في العام 2018، حيث إنه مولود في العام 1943 بفرع الكتان بولاية الشرقي، أقصى الشرق الموريتاني.
اشتهر ولد بلخير بجهوده في مجال محاربة الاسترقاق في موريتانيا، وكان ضمن مؤسسي أول حركة سياسية في هذا المجال، وهي حركة الحر، والتي نشأت يوم 05 مارس، وحددت هدفها تحرير وانعتاق أبناء شريحة ودمجهم في الحياة العامة، واستفادتهم من فرص التعليم والصحة والتوظيف والحقوق السياسية.
تولى ولد بلخير قيادة لائحة في بلديات نواكشوط 1990، وحلت لائحته في المرتبة الثانية، وشكل لاحقا مع مجموعة من عريضة من التيارات السياسية "الجبهة الديمقراطية الموحدة من أجل التغيير" (FDUC)، وتحولت في العام 1991 إلى حزب سياسي حمل اسم اتحاد القوى الديمقراطية، وتولى ولد بلخير رئاسته.
وفي العام 1994 غادر ولد بلخير حزب اتحاد القوى الديمقراطية / عهد جديد، وأسس حزب العمل العمل من أجل التغيير والذي ضم في تشكله عددا من أطر وكوادر حركة الحر، وتعرض الحزب في العام 2001 للحل من طرف السلطات.
وفي العام 2003 انضم ولد بلخير وعدد من قيادات حزبه المحلول إلى حزب التحالف الشعبي التقدمي – وهو حزب ناصري – قبل أن ينتخب رئيسا له في مؤتمر لاحق.
دخل ولد بلخير البرلمان الموريتاني، وتولى رئاسته في الفترة ما بين 2007 – 2013، وعين بعد ذلك رئيسا للمجلس الاقتصادي والاجتماعي.
شارك ولد بلخير في الانتخابات الرئاسية 2003، و2007، و2009، وقاطع الانتخابات الرئاسية الأخيرة في 2014.
هل يتفقون على التمديد..
ويطرح عدد من السياسيين مخاوفهم من اتفاق الأطراف المتضررة – بشكل شخصي – من بقاء الدستور على حاله على خيار تعديله أو كتابة دستور جديد يتيح لها البقاء في سباق القصر الرمادي لسنوات قادمة.
وزادت مخاوف هذه الأطراف بعد اللقاءات الأخيرة بين الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، ورئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي، وكشف ولد بلخير عن رغبة الرئيس في إجراء حوار سياسي سريع، وتأكيده المشاركة فيه في كل الأحوال، وسعيه لإقناع الأطراف السياسية للمشاركة فيه.
وكذا رفضه خلال الأسبوع الجاري للتنسيق مع منتدى المعارضة في الموقف من التعديلات الدستورية، رغم تأكيده على رفضها، لكنه قال إنه سيعلن موقفه منها منفردا، ولن ينسق مع أي كان حوله.
أما رئيس حزب تكتل القوى الديمقراطية أحمد ولد داداه فقد أكد قبل أشهر – مع بداية الجدل الحالي – رفضه لأي مساس بالدستور، مؤكدا أنه يرفضه بشكل قاطع، حتى ولو كان يمكن أن يستفيد منه شخصيا.
إعادة التأسيس
ومع وضوح العديد من المواقف – تأييدا أو رفضا – من تعديل الدستور الموريتاني،ي يظل الموقف من خيار إعادة التأسيس، والذي بدأ يأخذ حيزا من الاهتمام السياسي في الأسابيع الأخيرة في منطقة رمادية، وخصوصا في ظل تقاطعه مع مطالب أطراف سياسية، وبالتحديد في شقه المتعلق بالنظام البرلماني، أو بإعادة التقطيع الإداري للبلاد، وكذا شكل السلطات الإدارية فيها.
وينتظر الشارع الموريتاني بداية شهر مايو المقبل لكشف لاستجلاء المزيد من الخيارات إزاء المستقبل السياسي للبلاد، وخصوصا بعد الخرجة الجماهيرية للرئيس الموريتاني في الحوض الشرقي يوم الثالث مايو 2016، وكذا خرجة منتدى المعارضة في السابع من مايو في نواكشوط، تتلوها خرجة لرئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي في العاشر مايو في الحوض الشرقي كذلك.