مثل هذا اليوم، وقبل خمس سنوات، نجحت قوة “كوماندوز″ امريكية من “وحدة العجول” في اغتيال الشيخ اسامة بن لادن، زعيم تنظيم “القاعدة” بعد اقتحام منزل كان يتخفى فيه واسرته في مدينة ابوت اباد الباكستانية، القريبة من العاصمة “اسلام اباد”.
مثلما كان نجاح المحتل الامريكي في الوصول الى مخبأ الرئيس العراقي صدام حسين، الذي كان يقود المقاومة في حينها نتيجة “خيانة” احد اعوانه طمعا بالمال، فان طبيبا باكستانيا اغرته وكالة المخابرات المركزية الامريكية بالمال والجنسية هو الذي خان الرجل واخلاق المهنة وقيمها، وسرب معلومات حول المخبأ وساكنيه، ادت الى عملية الاغتيال المذكورة آنفا بعد اقتحام المنزل من قبل وحدة نقلتها اربع طائرات عمودية حطت في فنائه تحت جنح الليل.
تفاصيل ما حدث اثناء عملية الاقتحام هذه ما زالت غامضة، فالسلطات الباكستانية اعتقلت جميع زوجات وابناء وبنات زعيم “القاعدة”، وكل من كان بالمنزل، بتهمة دخولهم الى باكستان بطريقة “غير قانونية”، ثم افرجت عنهم لاحقا بعد اتصالات مع السلطات السعودية التي ارسلت طائرة خاصة الى اسلام اباد على متنها السيد عبد الله بن لادن الابن الاكبر، لنقلهم الى مجمع سكني في مدينة جدة، يخضع منذ ذلك الوقت لحراسة مشددة، ويمنع على اي من الزوجات والابناء والنبات الحديث للصحافة عن تفاصيل عملية الاغتيال، التي ما زالت لغزا حتى الآن.
الامر المؤكد ان هناك عملية تواطؤ تشارك فيها اطراف عديدة، من بينها الرئيس الامريكي باراك اوباما نفسه، لحجب الحقائق حول عملية الاغتيال هذه، بما في ذلك منع نشر اي صور لجثمان الشيخ بن لادن، اذا كان قد اغتيل فعلا، رغم ان الولايات المتحدة تتباهى بالصحافة الحرة، والعدالة، والشفافية وحرية معرفة المعلومات لكل من يطلبها.
الرواية الامريكية حول دفن زعيم تنظيم “القاعدة” في البحر (بحر العرب)، “وفق قواعد” الشريعة الاسلامية لا تقنع اصغر طفل في العالم الاسلامي، وتعكس استخفافا بعقول مليار ونصف المليار مسلم، وسبعة مليارات من سكان العالم، خاصة ذلك التبرير الذي يقول انها لم ترد ان يتحول قبره الى “مزار” يحج اليه الآلاف من انصار “القاعدة” والمتعاطفين معها شهريا، ولذلك من حقنا والرأي العام، ان نعرف ماذا حدث بالضبط، ومصير الجثمان، لتبديد اعتقاد راسخ لدينا، والكثيرين غيرنا، بكذب الرواية الرسمية، فاذا كانت الادارة الامريكية السابقة كذبت على العالم بأسره عندما غزت العراق تحت ذريعة وجود اسلحة الدمار الشامل، فلماذا لا تكذب حول مسألة اقل اهمية بكثير، وهي مصير جثمان الرجل؟
لا شك ان ارث الشيخ بن لادن الاكبر الذي يتمثل في العداء لامريكا وتأسيس تنظيم “القاعدة”، وهجمات الحادي عشر من سبتمبر، وهجمات اخرى، مثل استهداف المدمرة “اس اس كول” في خليج عدن، ومقاومة الاحتلال الامريكي في العراق، ولكن تنظيم “القاعدة” لم يختف باختفاء زعيمه، وان كان قد تراجع وهجه الاعلامي قليلا، بسبب صعود نجم “الدولة الاسلامية” التي ولدت من رحمه، ثم شبت عن الطوق، واستطاعت ان تحتل المقدمة في الاهتمام الدولي، بعد استيلائها على اراض في العراق وسورية، اكبر من بريطانيا العظمى، ونصف فرنسا، وتنفيذها اعدامات وحشية مرعبة في حق صحافيين واسرى ابرياء اجانب، والكثير من العرب والمسلمين ايضا.
تنظيم “القاعدة” استطاع استنساخ نفسه في منظمات وفصائل متعددة، وباسماء مختلفة بعيدا عن كنية التنظيم الام، وبتوصية من زعيمه، مثل “انصار الشريعة” و”جبهة النصرة”، ويعتبر فرعه الرئيسي في اليمن هو اقوى الفروع على الاطلاق، وتحول الى مقره الرئيسي بسبب وجود “الحاضنة الشعبية” اولا، وانهيار الدولة المركزية، ووجود اطلالة على البحر (ابين، وحضرموت، وشبوة، وسوقطرة، والمهرة)، واكثر من 20 مليون قطعة سلاح من مختلف الانواع والاحجام، (ربما تضاعف اعداد الاسلحة ونوعيتها بعد عاصفة الحزم)، وكان اقوى اعلان للتنظيم عن نفسه، الهجوم الذي شنته احدى خلاياه على مجلة “تشارلي ابدو” الفرنسية التي تطاولت على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وهجمات اخرى على فنادق ومطاعم ومنتجعات سياحية في مالي وبوركينا فاسو وساحل العاج، والصومال، الى جانب قتل السفير الامريكي في ليبيا، ولكن النشاط العسكري الاكبر حاليا هو لمقاتلي تنظيم “النصرة”، المدرج على قائمة الارهاب الامريكي الروسي في سورية.
خطر تنظيم “القاعدة” ما زال قائما، ولا نعتقد انه سيتراجع في المستقبل المنظور، بل ما قد يحدث هو العكس تماما، لان القيادات الميدانية الجديدة، ورغم نجاح طائرات “الدرونز″ في اغتيال بعضها، مثل انور العولقي، وناصر الوحيشي، (2015)، قيادات شابه تتمتع باستقلالية القرار عن الزعيم الجديد للتنظيم، وهو الدكتور ايمن الظواهري، الذي ما زال مكان وجوده مجهولا، وبات اتصاله بعناصر التنظيم اكثر صعوبة نظرا لذلك.
وليس ادل على هذا الخطر، واستمراره، وربما تصاعده ايضا، ان الادارة الامريكية ما زالت تخشى من “جثمان” زعيم التنظيم الراحل، وتقديم الرواية الحقيقية عن عملية الاغتيال، مدعمة بالصور والوثائق، بعد خمس سنوات على عملية الاغتيال.
ما نستغربه نحن كصحافيين، ورجال اعلام، في هذه الصحيفة “راي اليوم” هو استسلام الاعلام الغربي وصحافييه “الاستقصائيين” امام هذه الرواية الاحادية، وقبولهم بها، وعدم بحثهم عن الراوية الاخرى الحقيقية، وممارسة ضغوط على الادارة الامريكية في هذا المضمار، وهم الذين يقلبون كل حجر في بلداننا، وينفقون ميزانيات ضخمة تقدر بمئات الآلاف من الدولارات في هذا الصدد لانتاج افلام وثائقية حول قضايا اقل اهمية.
نحن لا نطالب الكثير.. مجرد معرفة مصير جثمان.. اي جثمان!
“راي اليوم”