فيما تتواصل الحرب الإعلامية بين النظام والمعارضة حول تحليل مضامين خطاب الرئيس الموريتاني الأخير وانعكاسه على حاضر ومستقبل البلاد، ازداد انشغال الموريتانيين أمس حسبما أظهرته مقابلات وتدوينات ومقالات، بقضية تعديل الدستور لفتح المواد الخاصة بمدد الرئاسة.
وكان الرئيس ولد عبد العزيز قد أعلن في خطابه الأخير أنه سيعرض مقترحات تتعلق بتعديل الدستور على استفتاء شعبي بعد حوار سيجريه مع من يرغب المشاركة فيه من أطياف المعارضة.
ومع أن الرئيس حدد أنه سيعرض مقترحين فقط على الحوار المرتقب يتعلقان بإلغاء غرفة مجلس الشيوخ وإنشاء مجالس إقليمية في الولايات، فإن أوساط المعارضة تعتقد أن ما يسعى إليه الرئيس أعمق مما أعلنه، فهو يسعى، حسب المعارضة، لفتح تعديلات في الدستور خارج الإجماع السياسي، من أجل تغيير المواد المحددة والمحصنة دورات ولاية الرئاسة وهي مواد جامدة حسبما نص عليه الدستور وحسب اليمين الدستورية التي تنص على قسم الرئيس بألا يغير المواد المحددة لمأموريتي الرئاسة الإثنتين وألا يدعم بشكل مباشر أو غير من يسعى لتغييرها.
ومما زاد الجدل حول قضية مدد الرئاسة احتداما الغموض الذي يكتنف موقف الرئيس منها حيث أنه لم يثبت أو ينف نيته الترشح لولاية رئاسية إضافية وبسبب إعلانه بأنه لن يجيب على السؤال الخاص بترشحه أو خروجه النهائي قبل عام 2019 أي نهاية الدورة الحالية التي هي الأخيرة.
وأمام هذا الوضع المقلق، تنشغل شخصيات مرجعية موريتانية عديدة عظيم الانشغال بمستقبل موريتانيا التي تقترب من انتصاف ولاية الرئيس الحالي المنقضية منتصف العام 2019، دون أن تجد حلا للأزمة السياسية التي تعصف بها منذ سنوات ودون أي مؤشر للوصول إلى صيغة توافقية مقبولة للتناوب السلمي على السلطة.
وقد طمأنت مقالات لكتاب في صف الموالاة الرأي العام المحلي بأن موريتانيا بخير وأن الرئيس ولد عبد العزيز يقودها لبر الأمان.
ومن بين هؤلاء الكتاب الداه ولد صهيب الذي أكد في مقال له أمس أن «لا خوف على موريتانيا.. مادام ربانها محمد ولد عبد العزيز.. فهو ربان متمرس حكيم يعرف كيف يتجاوز العواصف والأعاصير.. وستصل القافلة بحول الله إلى بر الطموحات الكبرى اللائقة ببلد عظيم».
أما الكاتب محمد فال ولد بلال وزير الخارجية الأسبق فكان ممن عبر عن القلق الشديد وذلك في مقال نشره أمس تحت عنوان «دولة الجن والدورة الرئاسية الأخيرة».
وقد قسم الوزير القيادي في منتدى المعارضة مواقف الموريتانيين من المنعطف المقبل إلى أربعة أصناف هي «المصفقون» و«المكذبون» و«المحللون» و«قلة من الوطنيين».
وأكد ولد بلال في مقاله «أنّ دولة الجن (موريتانيا) مُقبلة بعد سنوات قليلة على حالة دستورية غير مسبوقة في تاريخها المعاصر و البعيد، حيث أنها ستجدُ نفسها وجها لوجه مع رئيس خارج اللعبة السياسية و ممنوع من الترشح بسبب الدستور».
«وأمام هذا التحدي الكبير، يضيف الوزير، فإنّ مواقف أبناء موريتانيا من هذا المنعطف ستكون طرائق متعددة، فهناك المكذّبون الذين سيُمضون السنوات الخمس المقبلة وهم يحلفون جهد أيمانهم بأنّ الرئيس لنْ يتخلّى عن منصبه ولنْ يعْبَأ بالدستور، بل سيُغيّره إنْ لزِم الأمر، وسيُبالغون في هذا الطرح دون أنْ يُحرّكوا ساكنا لمنْعه فهم يكتفون بنّهم في الوجود. يعارضون. و يرفضون. و يُكذبون. هؤلاء يُخشى أنْ تنتهي معركة الرئاسيات المقبلة وهم لا يُصدّقون، بل هم في تكذيبهم ساهون».
وتابع الوزير بلال تحليله مصنفا المواقف قائلا «منها دون ذلك «لحلاحون» سينبرون للدفاع عن تغيير الدستور والسماح للرئيس بالبقاء ومواصلة برامج «البناء» و«التنمية» و«تجديد الطبقة السياسية» دون أنْ يتعظوا بما جرى وما يجري في العالم من حولهم… يكفي أنّهم أصحاب المال والجاه والمكاتب والسيارات الفاخرة…وكأنّي بهم يقيمون الدنيا ولا بُقعدونها لأجل «التغيير»، هؤلاء ستنتهي الانتخابات وهم في سكرتهم «يلحلحون».
أما المجموعة الثالة، حسبما يراه ولد بلال، فهي «مُحللون» سينتهي بهم الوقت وهم يرسمون ويُخطّطون لسيناريوهات من قبيل إعادة إنتاج تجربة روسيا «مدفديف وبوتين» أو لبرازيل «لولا وديلما»، إلخ…أو أي صيغة مماثلة تحترم الدستور شكليا و تؤمّنُ للنظام بقاءه واستمراريته، وربّما تسمح للرئيس بالعودة بعد حين… وهؤلاء يُخشى أنْ تنتهي المعركة الرئاسية المقبلة وهم «يشدّون» الأحزمة ويُفتّشون عن «مدفديف» وعن «المهدي المنتظر».
وتحدث الوزير الأسبق عن مجموعة أخيرة «منها قليلون يحملون الدستور وقابلية تداوُل السلطة على محْمل الجد، ويتعاملون مع الأوضاع القائمة بإيجابية على أساس أنّ الرئيس الحالي أصبح خارج لُعْبة الترشيحات، وأنّ عملا سياسيا يُعْتدُّ به بات ممكنا في البلاد، هؤلاء سيتحركون من الآن باتجاه حوار جاد ومسؤول فيما بينهم أولا، ثمّ فيما بينهم وبين السلطة حول الإجراءات الكفيلة بإعادة بناء مؤسسات ديمقراطية حقيقية بما فيها برلمان جديد ورئيس مدني يختارهُ الشعب بحرية في غياب مرشح من القصر لخلافة نفسه».
يذكر أن الدستور الموريتاني ينص في المادة 29 على «تسلم الرئيس المنتخب مهامه فور انقضاء مدة رئاسة سلفه، ويؤدي رئيس الجمهورية قبل تسلمه مهامه، اليمين الذي يضمن قسماً بالله العلي العظيم: ألا أتخذ أو أدعم بصورة مباشرة أو غير مباشرة أي مبادرة من شأنها أن تؤدي إلى مراجعة الأحكام الدستورية المتعلقة بمدة رئيس الجمهورية وشروط تجديدها الواردة في المادتين 26 و28 من هذا الدستور».
وتنص المادة 28 من الدستور الموريتاني أيضاً على «أنه يمكن إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمرة واحدة»، كما تنص المادة 99 على أنه «لا يجوز الشروع في أي إجراء يرمي إلى مراجعة الدستور، إذا كان يطعن في كيان الدولة أو ينال من حوزة أراضيها أو من الصبغة الجمهورية للمؤسسات أو من الطابع التعددي للديمقراطية الموريتانية أو من مبدأ التناوب الديمقراطي على السلطة والمبدأ الملازم له الذي يحدد مدة ولاية رئيس الجمهورية بخمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، وذلك طبقاً لما تنص عليه المادتان 26 و28».
عبدالله مولود/ القدس العربي