شيئا فشيئا، تحولت صيحات الإعجاب الزائفة في المسارح الرومانية بأداء نيرون التمثيلي والغنائي إلى جنون عظمة وطغيان، دفعاه ليحرق روما، وهو في قمة النشوة يعزف على غيتارته ويغني أغنيته المفضلة《طروادة تحترق》.
صفحات التاريخ مليئة بتلك القسوة الشيطانية التي تولدها أحيانا صيحات العوام الخادعة، أو عبارات الخواص المهذبة الخبيثة، إلا أنني لن أخوض مغامرة التنقيب في الجغرافيا والتاريخ، فلن أغادر انواكشوط وسأكتفي بالسفر عبر التاريخ عقدين فقط إلى الوراء، لأجد كيف حولت عبارات من قبيل "القيادة النيرة، القائد الملهم، التوجيهات السامية...." عسكريا منضبطا مثل معاوية ولد سيد أحمد ولد الطايع إلى دكتاتور قارب حافة الجنون في خطابه سنة 2003م.
غادرنا معاوية ووصلنا إلى 2016 لكن السمفونيات التي تعزف على أوتار النفاق لم تختف بل تطورت وآخر صيحاتها هي تنافس قرائح موظفي الدولة في شرح خطاب النعمة وتحميله من الدلالات والمعاني "ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة"، مع أن الخطاب الرئاسي كان في معظمه بالعامية المتداولة في الأسواق.
إن بنفس كل حاكم بذرة من عدل وحب للخير، وكذلك شرارة من ظلم وطغيان، لكن تعظيم الحاكم ووصف كل عبارة دارجة قالها بالحكمة الخالدة، واعتبار كل فعل روتيني قام به إنجازا عملاقا أمور من شأنها إذكاء نار الشرارة لتستفحل وتعظم، وإذبال البذرة لتختفي مع الزمن.
إن الشراح لخطاب الرئيس والمنادين بمأمورية جديدة لا يعون حقيقة كونهم مجرد حطب لإشعال نار الظلم، أو مجرد فنيين في مصنع للطغاة.
الأستاذ الباحث/ باب ولد يعقوب ولد أربيه