لقاء أسري لأهل أبومدين بن الشيخ أحمدو بن اسليمان عند أبومدين ولد ابات

سبت, 05/28/2016 - 15:57

احتضن منزل الأستاذ أبو مدين بن ابات الجديد بتفرغ زينه ليلة الأربعاء المنصرم لقاء أسريا ضم كافة أعيان ورجالات أسرة أهل أبو مدين بن الشيخ أحمدو بن اسليمان، وبعض من يمتون لهم بصلة قربى، وذلك بمبادرة ودعوة من أبو مدين بن ابات.

الدعوة استهلها أبو مدين بن ابات بعد المراسيم التقليدية بالترحيب بالحضور والتذكير بأنها تدخل في إطار صلة الرحم والتواصل وتحت عنوان "محبة النبي صلى الله عليه وسلم" التي اشتهر بها العلامة الصالح أبو مدين بن الشيخ أحمدو بن اسليمان.

بعد ذلك أحال ابن ابات الكلمة إلى الحسين بن محنض الذي قدم كلمة بعنوان: "لمحات من حياة الولي الصالح العلامة أبو مدين بن الشيخ أحمدو بن اسليمان" هذا نصها:

"لمحات من حياة الولي الصالح العلامة

أبي مدين بن الشيخ أحمدو بن اسليمان

أبومدين بن الشيخ أحمدو بن اسليمان الديماني واسطة العقد في بني ديمان فهو ابن أحمد سالم بن محنضألفغ ابن الفاللي بن باركلل بن يعقوبإنلل بن ديمان.

وأمه سليلة بيت الإمارة في الترارزةاخديجه بنت أحمدلليكاط بن أعمر بن المختار بن الشرغي بن اعلىشنظورهبن هدي بن أحمد بن دمان ومن وراء ذلك أهل أحمدو بن سيدي اعلي بن آغريشي الأمراء البركنيون·

كان والده العلامة الولي الصالح الشيخ أحمدو بن اسليمان ابن خالة الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيديا، وتلميذ أبيهالشيخ سيديا الذي اتفق على أنه لم يوجد شيخ مثله في بلاد القبلة، ومقدمه الأبرز، صائن عزه ومجده، والضامن لخلافته بعد ابنه الشيخ سيدي محمد الخليفة لحفيديه الشيخ سيديا بابه والشيخ سيدي المختار. وكان وليا صالحا مشهور الكرامات ذا حضرة كبيرة. مدحه وابتهج بعودته أعيان المنطقة كشمسي إكيدي في عصرهما محنض باب بن اعبيدومحمذن بن أحمد العاقل.

وفي حضرته نشأ أبناؤه الكرام أبو مدين الغوث وأخواه الشيخ سيدي محمد والشيخ سيديا، فأحكموا تعلم العلوم والآداب المختلفة، وممن أخذوا عنه بها والدنا أحمد بن محنض الذي كان إمام الوقت في إقراء القرآن. فتخرجوا كاملين قرآنا وعلما وشعرا وذوقا وأخلاقا.

وكان أبو مدين قوي الحافظة سريع البديهة، فائق الذكاء درس خليل في فترة وجيزة دراسة تدبر وتفهم، ثم قال فيه:

قرأت خليلا دون طول تغرب          ودرس ونص اليعملات النجائب

فمن كان ذاحاج لإيضاح نصه         فها أنا ذا قبلاختطاف  النوائب

وأحكم ناصية الشعر واتخذ له طريقة خاصة به فيه، جامعة بين الرقة والجزالة، جل شعره في التوسل والنصح والوعظ والمديح، واشتهر بالمحبة فكانت له فيها قصائد خمريات مشهورة منها قصيدته:

حل بالقلب حبُّ طه فتاها=إنما الفخر كله حب طه

إن من ذاق حبه لم تصدْهُ=ذاتُ حسن بحَليها وحلاها

حب طه يُنجي النفوس إذاما=عن قريب داعي المنون دعاها

حب طه هو المجيب إذا ما =جاءها بعد دفنها سائلاها

حب طه حب الإله فمن كا=ن محبا له أحب الإلها

كيف أسلو عن حب طه وطه=منشأُ الكائنات قطب رحاها

وهو بدر لليلها وإذا ما=وضح الصبح فهو شمس ضحاها

وهو أصل لأصلها فنواحي الـ=ـكون من نوره الإله براها

قد دعانا إلى هداه بآي=قد هدى الله من هدى بهداها

قد أتاه بها الأمين فلما=أن تلاها عن ذكرها ما تلاهى

فتلونا آياته وتلونا=من تلاها ومن تلا من تلاها

إن قولا به الأمين أتانا=عن أمين عن ربنا لن يُباهى

إن أرضا لم تحو طه لأرض=سئم القلب ماءها ونداها

سوف أرمي الفلا بخوص عتاق=قدبراها السرى وجذب بُراها

واعتسافا لكل قفر وبيد=لايُجيب الدليل غيرُصداها

وهي تشكو مجرى الوضين وضربا=أثَّرا في أديمها ووجاها

بيدَ أني في الأمر جد مجد=لستُ أرضى أن لايدوم سُراها

لأرى تربة به قد تحلت=أو أرى عين من رأى من رآها

ليت أني عفرت في الترب وجها=مسلهما من شوقه لثراها

مُنية النفس في هنالك قدما=أسأل الله أن يُتم مُناها

وصلاة لاتنتهي وسلام=كصلاتي عليه لا يتناها

ومنها:

رقّتْ لرقّة شوقي كلُّ حَوْراءِ = وأرّقَ الوُرْقَ تبريحٌ بأحشائي

وقلّبَ القلبَ تقليبُ الزمانِ وما = من صرفه عاق عن وصل الأحبّاء

كيف الدواءُ لداءٍ لا يفارقني = أم كيف يُرجى شفائي بعد إشفائي

ظنّ العواذلُ أن العذل يُنقص من = شوقي وما العذلُ إلا محضُ إغرائي

يا أهلَ ودّيَ كُفّوا بعضَ عذلكمُ = أولى بكم لو عذرتم يا أودّائي

سِيّان عذلكُمُ عندي وعذركمُ = لا فرقَ عنديَ بين اللام والراء

كيف الشفاءُ وبيتُ اللهِ عن بصري = ناءٍ ووصلُ ضريحِ المصطفى ناء

عُوجوا المطيَّ إلى البيت العتيق ففي = بلوغِه نيلُ آمالي وأهوائي

إلى المقام إلى باب السلامِ إلى = ما حول مكّةَ من خَبْتٍ وبطحاء

إلى الحجون إلى ثَوْرٍ إلى أمجٍ = إلى منازلَ لا تُحصى بإحصاء

وقَبّلوا الحجرَ الساميأواستلموا = إن عاقَ عنه زحامٌ بين أنداء

واستعملوا شَرْبةً من ماء زمزمَ كي = يمحو بها اللهُ عنا كلَّ حَوْباء

لوذوا بساحة ذاك البيتِ إن له = فضلاتواترَ عن آيٍ وأنباء

بيتٍ إلى الله لا للخَلْق نسبتُه = يكفيه ذلك من مدحٍ وإطراء

فاسعوا إلى مسجد الهادي ومنبره = فبين هذين يُشفى كامنُ الداء

حُطّوا رحالَكمُ عن كلّ راحلةٍ = في روضةٍ من رياض الخُلْد غنّاء

وبالبقيع قِفوا للحاج واقتبسوا = من نوره كلَّ أنوارٍ وأضواء

وفي قِباب قُباءٍ والمدينة ما = يُسلي عن الأهل ألبابَ الألبّاء

ورؤيةُ القبّةِ الخضراءِ تُذهب ما = بالقلب والجسم من غيٍّ وإعياء

يرى هنالك أنواراً منوّرةً = مَنْ عِنده عينُ قلبٍ غيرُ عمياء

يا أكرمَ الخلقِ إني مَيْتُ شوقكمُ = لو كنتُ أُحْسَب حيّاً بين أحياء

قد حلّ شوقُكَ في روحي وفي بدني = وكلِّ كلّي وفي أجزاء أجزائي

وقد تَمكّنَ من سمعي ومن بصري = ومن كُنايَ وألقابي وأسمائي

ومن قصائده في النصح والوعظ التي سارت بها الركبان قوله:

تب إلى اللّه قبل بغت الممات ** لا يَغُرّنك ما ترى من حياة

ان بغت الممات ءات وحتم ** عن قريب إتيانُ ما هو آت

تب إلى اللّه لا تكن ذا تراخ ** فالتراخي من موجبات الفوات

إنما التوبةُ النصوح ملاك الأ مر ** فاغسل بها طخا العثرات

و تدارك ذماء عمرٍ تولّى ** وانقضى في تتبع الشهوات

و اقض ما فات من صلاة وصوم ** وحقوقٍ ضيعتها وزكاة

و اشتغل بالعلوم واصحب ذويها ** واستعن بالدواة والأدوات

و تجنب طرقَ الضلال ودعها ** واقف قوما قفوا سبيل النجاة

ليس ينجو من لم يكن ذا تناجٍ ** ودعاء الاله في الخلوات

لا تكن قانطا لأجل ذنوب ** صدرت منك أزمن الغفلات

ربّ قلب قد كان للشر مأوى ** صار مأوى الخيرات والبركات

نفحات الإله أقرب من كلّ ** قريب لطالب النفحات

و موات القلوب يحيى بإحياء ** ليالي المحاق و الظلمات

صاح شمّر و اصحب دليلا أميناً ** من حديث النبي والآيات

فقصارى كل إمرىءٍ عن قريب ** منزل موحشٌ بأرض فلاة

يا رحيما جد لي بعفو وأمن ** وثبات يغني عن الوثبات

ثبتني عند الحساب وثبتني ** عند السؤال أيّ ثبات

وارفقن بي إذا بقيتُ فريدا ** و تولى أقاربي ولداتي

واهد إذذاك مقولي لجواب ** مستقيم به تكون جاتي

واكفني شر من يحاول ضري ** بالذي شئت واستجب دعواتي

وأدم نعمة الإله علينا ** و على المسلمين و المسلمات

وصلاة على رسولك طه ** و سلام عليه بعد الصلاة

وكانت لأبي مدين أخلاق سامية عرف بها واشتهرت عنه في الآفاق، وتناقلتها الحكايات استعظاما أو استطرافا، وربما زاد فيها الناس أو نقصوا، تظهر أنه كانت له أنفة عن سفاسف الأمور ورذائل الأخلاق، وترفع عن الجهلة، وميل إلى ذوي الفضل والدين والعلم والرئاسات، فكان فتى كامل الفتوة علما وشعرا وأدبا وسمتا وصلاحا ورشادا. سافر الأسفار، وسعى في السفارات، وكان أثيرا لدى الأمراء أصحاب الوجاهات. قرض الشعر فبلغ فيه الغاية القصوى، وألف فبرع في التأليف، ولقي العلماء والأولياء فأقروا بفضله، فكان الشيخ أحمدو بمبا يقول: "من أراد أن ينظر إلى وجوه أهل الجنة فلينظر إلى وجه أبي مدين".

اتصل بالشيخ سيدي بابه، وتزوج عقيلة بناته فاطمة البتول، وولد له أبناؤه الفتيان محمد المحدث الذي لم يجد الزمان بمثله في الغوص على الدقائق كما شهد له به علامة المشرق آب بن اخطورالجكني، وتشهد به مؤلفاته، أرسله والده إلى الشيخ يحظيه بن عبد الودود، وإسحاق المشهور بنخوة أبيه وسمتهسرا وصلاحا، وهو الذي قال فيه عندما أرسله إلى الشيخ محمد عالي بن عدود:

قل للمدرس نبراس الدجى النبه=     إسحاق جاءك للتدريس فاعن به

إسحاق لم يرض إلا ما رضيت له= فأنت أولى به إذ ذاك من أبه

عار عليك إذا لم يلف مجتهدا=       كل الأئمة يحوي فقه مذهبه

فاملأ مسامعه نصحا وتذكرة =      وامنعه من قرناء السوء والسفه

واصبب عليه شئابيبا تنوره= من فيض علمكم الخالي من الشبه

وأنزل الناس إن جاؤوا منازلهم=    ليس الكريم مع الأدنى بمشتبه

وإسماعيل العالم الصالح الأديب العزوف عن الظهور حتى عنه المختار بن حامدن مقرظا المختصر الذي كتبه إسماعيل في التعريف بالمختار بن حامد وبعض أدبه: "لولا هذا المختصر القليل لما عرفنا شيئا عن الأديب إسماعيل"، درس العلم على أهل أحمذيه أولا ثم على محمد عالي بن عدود ثانيا. ويعقوب حاتم زمانه، ويوسف أوانه العالم الصالح الذي قال فيه أبوه حينما أرسله إلى الشيخ محمد عالي بن عدود للتعلم:

أتاك يطلب منك العلم يعقوب::والعلم منك بهذا القطر مطلوب

والعلم قسمان قسم منه مكتسب::كما عرفت وقسم منه موهوب

وكل هذين من فضل الإله إلى::جناب حضرتك الغراء منسوب

فاردده بالفور مصحوبا بمطلبه::فالفور عند نفوس الناس محبوب

ورده فيه لي بشرى تسر كما::برد يوسف قدما سُرَّ يعقوب

وقال فيه المختار بن حامدنأبياته المشهورة:

يعقوبيسترنافيكلبرانيوسترهلبنيديمانديماني

فيغوثكلأخيكربيمثلهموفككلأسيرمثقلعان

فالغوثفيهوفيهالشيخأحمدناسعياوفيهالمزايامنسليمان

معنىهنالكفيديمانأحرزهوثانيافيهمعنىالجانبالثاني

توفي رحمه الله قرب بوتلميتمستهل1945، ورثاه جم غفير من الشعراء والعلماء في مقدمتهم المختار بن حامدن بقصيدته التي مطلعها:

إلى الرحمة الوسعى أبو مدين انبرى"وترك أبناءه العظام في خلافته.

رحم الله ذلك السلف وبارك في هذا الخلف.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحسين بن محنض"

بعد ذلك ألقى الشاعر محمدن بن باب بن محمودا القطعة التالية:

ببني الغوث بيتك اليوم تاها=       فوق كل البيوت علما وجاها

يا أبا مدين المقام علينا=   فيه يملي حقيقة مقتضاها:

أن بيتا ذرية الغوث فيه=   حل بالقلب منه حب لطه

وتحلى بمجلس من كرام=   ومصابيح شأوهم لا يضاهى

نسأل الله أن يديم عليهم= نعما منه جل لا تتناهى

وصلاة مع السلام على من=        مدحه خير ما به المرء فاها.

واختتم اللقاء بتخميس لقصيدة أبي مدين حل بالقلب حب طه فتاها ألقاه الحسن بن الشيخ، قبل أن ينفض الجمع مثمنا هذه المبادرة الزكية.