أشعلت المقاطعة التي أعلنتها المعارضة الموريتانية للحوار المرتقب حرب بيانات بين النظام الموريتاني ومعارضيه، حيث رد حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم أمس على المعارضة ببيان شديد اللهجة هاجم فيه طروحات منتدى المعارضة وأكد مضيه في تنظيم الحوار.
وأكد الحزب الحاكم «تشبثه وبكل صرامة وتصميم بمواصلة المساعي الخيرة لإطلاق الحوار الوطني الشامل الذي دعا له رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز في خطاب النعمة يوم 03 أيار/مايو 2016».
وشدد حزب الاتحاد على «رفضه القاطع لمنطق التهديد والوعيد الذي تضمنه البيان الذي أصدره « المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة»، بشأن تصميم الأغلبية الرئاسية على المضي قدماً في السعي إلى إطلاق الحوار الوطني المنتظر، معتبراً مضمون هذا البيان برهاناً آخر على تعنت منتسبي معسكر المعارضة الرافضة للحوار أمام الدعوات المتكررة للمشاركة في حوار وطني جاد وبناء، كما يعتبر البيان تأكيداً لا يقبل التأويل على إصرار مدمني التصرفات الفردية لبقايا أيتام الأنظمة الدكتاتورية البائدة فكراً وممارسة، على ما درجوا عليه من ممارسة مكشوفة وموثقة تاريخياً لسياسات الإقصاء والمصادرة وتكميم الأفواه أيام كانوا في سدة الحكم، كما يمارسونها اليوم حتى وهم في صف المعارضة التي يفترض أن تكون ديمقراطية متحررة من رواسب الفكر الأحادي».
وطالب حزب الاتحاد «الرأي العام الوطني والدولي بتسجيل مواقف قوية وواضحة من مضمون البيان الصادر عن المنتدى (المعارض) في ظل المطالبات المتكررة من الداخل والخارج بضرورة قيام حوار وطني يفتح فيه المجال واسعاً وشاملاً أمام كل القوى الوطنية الحية»، كما طالب «كل شركاء وأصدقاء موريتانيا وكل المراقبين الوطنيين والأجانب بملاحظة الرفض القاطع والواضح الذي يواجه به أدعياء الدفاع عن الديمقراطية دعوات رئيس الجمهورية للحوار، حتى تقوم الحجة عليهم، وترد عليهم اتهاماتهم المدانة وغير المبررة لرئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز بدكتاتورية هم من يمارسونها في الواقع، وإطلاقهم توصيفات شخصية جارحة ونابية شكلا ومضمونا في حق فخامته، أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها تنافي قيم الديمقراطية وتجانب تاريخ الوقائع والأحداث السياسية منذ عام 2005 وحتى اليوم».
وأكد الحزب بقوة على أن «قناعة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية والأغلبية الرئاسية بضرورة قيام الحوار الوطني الذي دعا له رئيس الجمهورية في عديد المناسبات، وكان آخرها تصريح فخامته يوم الأربعاء 25 مايو 2016 على هامش زيارته لمدينة نواذيبو، لن تتزحزح لكونها تمثل استجابة لرغبة أكيدة لدى جميع أطياف الموريتانيين باستثناء من يريدون حواراً حول نتائج وشروط مسبقة كتلك التي يشترط «المنتدى» حصولها قبل التئام الحوار».
وجدد حزب الاتحاد «تأكيده على أن الركون إلى منطق التصعيد والهروب إلى الأمام سيظل كما عهده محترفوه أطول طريق للوصول إلى قلوب الموريتانيين ومصالح وطننا المشترك، كما دلت على ذلك ـ وكما تبرهن عليه اليوم كما الأمس ـ عبر ووقائع ودروس التاريخ، فهل من مدكر؟».
«إن التجاوب الشعبي الإيجابي والعفوي على امتداد التراب الوطني وخارجه مع خطاب رئيس الجمهورية الأخ محمد ولد عبد العزيز في النعمة صباح الثلاثاء 03 أيار/ مايو 2016، يضيف حزب الاتحاد، وما حمله هذا الخطاب الرئاسي من مضامين مقنعة وتوجهات واضحة نحو المزيد من الانفتاح على كل الأطياف الاجتماعية والسياسية الوطنية، ومن تأكيدات جادة وضمانات صريحة بالمضي قدما في احترام إرادة الشعب الموريتاني ومقدساته الدينية ووحدته الوطنية، وثوابت سيادته وأمنه واستقراره، والالتزام القوي بتدعيم أسس ومبادئ وقيم الجمهورية، والتشبث المتين بمرجعيات دولة القانون والتعددية الديمقراطية، كان كل ذلك على ما يبدو للرأي العام الوطني والدولي ولأكثر المراقبين الوطنيين والأجانب مثار ارتباك وتململ كبيرين وغير مسبوقين في صفوف من اعتبروا أنفسهم قبل أن يعتبرهم الآخرون أقلية الأقلية في مواجهة أغلبية سياسية وشعبية وديمقراطية صنعها الشعب الموريتاني ومنحها ثقته باستمرار عبر صناديق الاقتراع على مدى دورتين انتخابيتين رئاسيتين عام 2009 وعام 2014 على التوالي، وكذا في الانتخابات البلدية والتشريعية لعام 2013».
وأضاف الحزب «وفي خضم جميع تلك الاستحقاقات الانتخابية التي جرت كلها على مسمع ومرأى من كل أشقاء وأصدقاء وشركاء موريتانيا على المستويات العربية والإسلامية والقارية والإقليمية والدولية، كانت إرادة الانفتاح والدعوة إلى الحوار بين شركاء الهم الوطني الموريتاني دون استثناء عنوانا بارزا وخيار لا يتزحزح لدى رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز ولدينا في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية وفي كل مكونات وأحزاب الأغلبية السياسية، رغم نزوع المعارضة المقاطعة للمسار الديمقراطي والرافضة للحوار وللتعاطي الديمقراطي البناء تارة إلى لغة العنف اللفظي والمادي ومصادرة خيارات أغلبية الموريتانيين، وتارة أخرى إلى اللجوء إلى أساليب الاستصدار الفاشل لثورات وحروب أهلية عانت من ويلاتها شعوب دول شقيقة واكتوت بنيرانها المنظومة الدولية جمعاء، إرهاباً وتدميراً وزرعاً للفتن والحروب العبثية، كما ظلت هذه المعارضة المعزولة داخلياً وخارجياً متمادية دون حياء في غيها وضلالها، ضاربة عرض الحائط بالدروس والتجارب التي خاضتها في مختلف مراحل تفككها وتحللها الفردي والجماعي».
«وما دامت التقديرات السيئة تؤدي حتماً إلى النتائج السيئة، يضيف حزب الاتحاد، كان لزاماً على صف روافض الحوار الديمقراطي، أشهراً قليلة بعد تشكيل منتداه الهجين، أن يتجرع بمرارة كأس هزيمة جديدة للمراهنة غير المحسوبة على تأليب الرأي العام الوطني والدولي ضد مسار ديمقراطي ناجح وشفاف، عيبه الوحيد أنه لم يمكن مرتادي منابر إثارة الفتن وسدنة خطاب التفرقة والتشرذم من تحقيق مآربهم في الوصول إلى دفة الحكم عبر أقصر الطرق، من وجهة نظرهم، ودون دفع ثمن الاستحقاقات الديمقراطية الشفافة».
وواصل الحزب الحاكم هجومه على المعارضة قائلاً «اليوم وبعد أن ظل رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز منذ عام 2005 أباً حنوناً للديمقراطية وحضناً حامياً لها بفضل جهوده المحفوظة في حماية الحريات والذود عن سيادة الشعب، كما ظل سيادته على مدى السنوات الخمس المنصرمة صاحب المبادرة الصادقة والالتزام الوفي بالدعوة في كل المناسبات إلى قيام حوار وطني شامل بدون قيود أو شروط أو محاذير، اختارت جوقة روافض التعاطي الديمقراطي في المنتدى المشلول وغيرهم من الخوارج على منطق الرأي والرأي الآخر، والهاربون من استحقاقات الحوار الديمقراطي الوطني البناء دون سقف وبلا قيود ودون مصادرة، اختاروا بكل عنجهية الركون إلى لغة التهديد والوعيد بالعودة إلى التحريض على العنف السياسي والانقلابات والويل والثبور لكل من لا يوافقهم الرأي بشأن حوار يريدونه على مقاساتهم وبأبعاد أحلامهم الخرقاء بمسح الطاولة وإقصاء القوى الوطنية الخيرة في الأغلبية والمعارضة المسئولة من مربع الحوار الوطني الجاد ليفرضوا محلها تفاصيل أجندتهم السياسية غير الواقعية التي تقضي بقلب الطاولة على الجميع ورسم خريطة سياسية جديدة بفرشاة أقلية عزلتها صناديق الاقتراع وسفه الشعب الموريتاني أحلامها باستمرار خلال كل الاستحقاقات التي شاركت فيها وحتى في تلك التي اختارت مقاطعتها».
وبالتزامن مع هذا البيان أكد الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في تصريحات أخيرة لمجموعة من وسائل الإعلام الإسابنية نشرتها الوكالة الرسمية أمس «أنه لم يصرح قط بنيته تعديل الدستور من أجل أن يتمكن من الترشح لمأمورية ثالثة». وقال «إن هذه الفكرة لا توجد إلا في أذهان بعض المعارضين الذين يسعون إلى زعزعة استقرار الدولة».
وأكد الرئيس الموريتاني «أنه أقسم في مناسبتين على احترام الدستور»، مبرزاً «أن هذين اليمينين أكثر أهمية وقوة مما سيقوله في المستقبل أو مما تقوله المعارضة».
هذا وتؤكد حرب البيانات المشتعلة حالياً بين النظام الموريتاني ومعارضيه وتوجه الرئيس الموريتاني نحو تنظيم وشيك لحوار سياسي بدون حضور المعارضة الراديكالية، عمق الهوة بين الطرفين وهو ما يؤكد وجود عراقيل كبيرة أمام التحضير لتناوب آمن على السلطة في انتخابات 2019 المثيرة للجدل والتي يجب أن ينتخب فيها رئيس آخر غير الرئيس الحالي حسب الدستور الموريتاني.
عبدالله مولود/نواكشوط – «القدس العربي»