حين صعقت بنبإ وفاته المفاجئة تملكني الذهول، والشعور بالأسى العميق..
إنه لم يكن صديقا عاديا، ولم يكن من الإخوة الذين تذكرهم عندما تلتقيهم، أو عندما يتناولهم طرف حديث أو تكون لك بهم صلة، أو يهاتفونك فتهاتفهم، إنه الأستاذ والأخ الشقيق، الذي يفخر بأخوته كل شخص آتاه الله حظ التعرف عليه، أو شاركه الزمالة، وأيام الطفولة وأيام المراهقة والشباب، لقد كان شعلة متوقدة من الذكاء والطموح، ونفاذ البصيرة، وقوة العزيمة والشكيمة، والعطف على الضعفاء،، كان يمتلك مواهب أدبية فذة، له الفضل صحبة آخرين في النهضة الأدبية التي عرفتها قرى العقل في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات. بين ربوع "بلنوار"، وعلى تلال "العفونية" و"العقيلة" ، و"التوامه"، و"تنبيوك" و"الطيب"، على أحقاف "أم أيجران" ، و"احريثات خونه" وأودية "ابير بباه" و"زيرت أهل المخطار اليميجن"، وعلى طرف أخاديد "مسَّ" و"بيرَ"، كان هذا الشباب ذو الحافظة التي لا تخطئ حفظها القصيدة الكاملة من سماع واحد يتحفنا بمروياته، ويتحفنا بإخوانيته الأدبية الرائعة، والتي ينشئها على السجية، أدبا فصيحا، وأدبا حسانيا من الطراز الرفيع..
كان يجلس مستمعا قرب "لمرابط" الذي يدرسنا النحو والصرف والفقه واللغة العربية، وعلم الكلام، وبعد نهاية التدريس يسترجع الدروس بمختلف تخصصاتها، في "التكرار"، وكان صبورا على الذين لا يفهمون بسرعة، وعطوفا على الذين لا يفهمون بالمرة، وحبورا بشلته من المتفوقين " الشطار"..
إنه الأخ الشقيق والصديق الوفي الشيخ مباركو بن المختار بن زين العابدين، سمعت الليلة البارحة بوفاته المفاجئة والصاعقة، في حادث مروع، وكان أول ماغشاني وأنا أتلقى النبأ قراءته الشجية للقرءان الذي أتقن فنون قراءته وضبطه، وحكايته النادرة للشعر، فأيقنت " أن لابقاء للإنسان".. وغشيتني نوادره، ومساجلاته الأدبية معي، ومع زملاء لنا، وتشجيعنا على الإسهام في المفاكهات الأدبية الرائقة التي كثيرا مايديرها..فبكيت بقلبي الذي لم يشاهد طلعته قط إلا وانتشى، ولم يحدثه قط إلاصدح بالعرفان بالجميل لذلك الحديث الصادق، وتلك المشاعر الطيبة.
ما يثلج صدورنا ونحن نتلقى هذا النبأ المحزن ما عرفناه في الرجل من طاعة وعبادة لاتكل، ومن سعي إلى منافع العباد، ومن فوائد بثها في صدور الرجال..
نحن لا نملك إلا أن نقول ما يقوله الصابرون المحتسبون " إنا لله وإنا إليه راجعون" ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم