تساهم التطورات الأخيرة التي يشهدها نزاع الصحراء الغربية في إحداث تغييرات في منطقة المغرب العربي بتعزيز روسيا والصين حضورهما التجاري والسياسي خاصة بعدما بدأ المغرب يقترب تدريجيا من الشرق بعد خيبة الأمل التي تعرضها له من طرف الولايات المتحدة وبريطانيا في النزاع المذكور.
وبدأ نزاع الصحراء يدخل مراحله الأخيرة في الأمم المتحدة من خلال احتمال فرض حل خلال الثلاث سنوات المقبلة. وتحاول الأمم المتحدة بتنسيق مع الدول الكبرى خاصة روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا تسريع البحث عن حل للنزاع. وهنا يأتي المقترح الذي يجري بلورته في كواليس الأمم المتحدة وواشنطن بإنشاء نظام كونفدرالي متقدم بين المغرب ومنطقة الصحراء.
ويرمي المقترح/الحل إلى جعل المغرب يشعر بأن سيادته الترابية تستمر على منطقة الصحراء خاصة في قضايا رئيسية مثل الأمن والخارجية. وفي المقابل، يشعر الصحراويون أنهم يتوفرون على كيان خاص بهم وإن كان داخل إطار أوسع في ارتباط بالمغرب. وهذا المقترح/الحل مستوحى من جملة رئيسية في قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالصحراء وهي «حل متفق عليه دائم وعادل». ويتطلب المقترح تطويرا وإغناء بالكثير من التفاصيل التي تأخذ خصوصية المنطقة والمطالب التاريخية للطرفين ليرقى إلى حل مقبول من طرفهما.
ويرى المغرب في هذا المقترح الذي لم يقدم رسميا بعد من طرف الأمم المتحدة أنه مؤامرة غربية تستهدف وحدته الترابية، ولم يتردد الملك محمد السادس في إبراز ذلك في خطاب له يوم 20 أبريل الماضي في القمة الخليجية-المغربية في الرياض في التلميح إلى الغرب. وإذا كان الملك قد التزم نوعا من التحفظ في تصريحاته والاتهامات بسبب موقعه الرمزي على رأس المؤسسة الملكية، فقد تولى آخرون مثل وزير الخارجية صلاح الدين مزوار ورئيس البرلمان رشيد الطالب توجيه الاتهام مباشرة إلى الولايات المتحدة بمحاولة ضرب وحدة المغرب وتفتيته.
وكل حل لنزاع الصحراء سيحكم على المنطقة بتغيير جذري قد يكون إيجابا نحو تكامل واندماج إذا كان الحل في صالح المغرب أو على الأقل يرضيه ويرضي جبهة البوليساريو. كما قد يحكم على المنطقة بحدوث تغيير نحو مزيد من التوتر في الصراع بين المغرب والجزائر ويمتد إلى موريتانيا في حالة إيجاد حل لا يرضي المغرب بل ويفرض عليه ضمن «سياسة الأمر الواقع».
وعلى ضوء هذه التطورات، يقوم المغرب بمحاولة نهج دبلوماسية جديدة ترمي إلى الانفتاح الكبير على دولتين رئيسيتين وهما الصين وروسيا، علما أن البلدين حاضران بقوة في جزء من المغرب المغربي، ويتعلق الأمر بحضورها في الجزائر. وتعتبر الصين الشريك التجاري الأول للجزائر منذ سنة 2013 بما يفوق ثمانية مليارات دولار2013، حيث أزاحت فرنسا عن هذا المركز، ويشهد التعاون الثنائي تقدما ملحوظا. وتعتبر روسيا الشريك السياسي والأمني والعسكري الأول والرئيسي للجزائر، ويكفي قراءة الحجم الضخم مشتريات الأسلحة الجزائرية من العتاد الروسي ونوعيته ليتبين مدى قوة هذه الشراكة.
وكان المغرب يقوم في المغرب العربي بدور التوازن بانفتاحه وعلاقاته مع الاتحاد الأوروبي وأساسا مع فرنسا ومع الولايات المتحدة طيلة العقود الماضية ومنذ الحرب الباردة. ولهذا، تشير معطيات التبادل التجاري ومقتنيات الأسلحة المغربية وتناغم في القرارات السياسية الدولية مدى وجود المغرب في سفينة الغرب. وهذا التوازن في المغرب العربي الذي حافظت عليه دول المنطقة في علاقاتها مع القوى الكبرى يبدو أنه قد يتراجع في حالة ترجمة المغرب لنهجه الدبلوماسي الجديد وهو الانفتاح على روسيا والصين. ولا يتعلق الأمر بانفتاح طوعي بقدر ما هو انفتاح يفرضه المغرب على نفسه لتفادي أي مفاجأة غير سارة في نزاع الصحراء، برهانه على روسيا والصين. ورغم عدم تأييد بكين وموسكو مغربية الصحراء، فهما ضد القرارات الدولية التي قد تحدث تغييرا دراميا في منطقة من مناطق العالم عكس رؤية واشنطن ولندن.
ويبدو أن المغرب لم يعد مهما من الناحية العسكرية للولايات المتحدة. فالعالم يعيش عودة الحرب الباردة من جديد، ويعمل البنتاغون على إعادة النظر في مخططاته العسكرية ومنها نشر قوات في جمهوريات البلطيق ونشر قوات في اسبانيا وفي بريطانيا وإيطاليا. ورغم الموقع الاستراتيجي للمغرب المطل على مضيق جبل طارق لم يعد يحظى باهتمام البنتاغون في أي مخطط رئيسي.
وإذا كانت الولايات المتحدة لا تهمها منطقة المغرب العربي ومن ضمن عناوين غياب الاهتمام هو أنه لم يكلف أي رئيس أمريكي نفسه زيارة المنطقة خلال العقود الأخيرة، فهي تهم جزء من الغرب. وزار الرئيس الأمريكي باراك أوباما إفريقيا ثلاث مرات، وزار بعض الدول العربية، لكنه لم يبرمج أي زيارة إلى منطقة المغرب العربي طيلة الثمان سنوات من فترته الرئاسية. وهذا الجزء من الغرب هو الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر المغرب العربي منطقة استراتيجية خاصة في ظل التطورات التي يشهدها العالم العربي من تفتت بعض الدول ومنها ليبيا ثم ما ينتج عنها من ظواهر مثل الهجرة والنزوح والإرهاب.
وهكذا، فالانفتاح المغرب على روسيا والصين، يهم الاتحاد الأوروبي وبشكل أساسي فرنسا واسبانيا. ويسعى البلدان إلى التحول إلى المخاطب الرئيسي للمغرب العربي. ولم يعد هدفهما هو ربح الجزائر إلى صفيهما بل الآن المحافظة على المغرب كشريك رئيسي بعيدا عن المنافسة الروسية والصينية.
وإذا وجد المغرب مزيدا من المواقف الرافضة لتأييده من طرف الغرب وخاصة الاتحاد الأوروبي في نزاع الصحراء، أي قبول هذا الاتحاد مقترح الحكم الذاتي، فسيعمل تدريجيا على الميل نحو روسيا والصين. وتأتي زيارة الملك محمد السادس إلى البلدين خلال الثلاثة أشهر الماضية في هذا التوجه الجديد. وقد يتطور الأمر من التنسيق السياسي والرفع من التبادل التجاري والاستثمارات إلى تعاون عسكري ومنها منح روسيا تسهيلات لأسطولها العسكري في الواجهة الأطلسية المغربية. وهكذا، فقد تحول ملف الصحراء إلى عامل لتغيير النفوذ في المغرب العربي ومحدد للبوصلة جيوسياسية رغم تبني المغرب والجزائر موقفين متعارضين، المغرب يريد وحدته الترابية والجزائر تسعى إلى تقرير المصير للصحراويين. وهكذا، فالتطورات بدأت تجعل من المغرب العربي صينيا-روسيا في حالة ترجمة المغرب لتوجهاته الدبلوماسية بدل المغرب العربي الغربي-الشرقي.
د.حسين مجدوبي/ القدس العربي