صحراء ميديا/
تغيرَ وجه مدينة نواكشوط التي باتت وللمرة الأولى على بعد أسابيع قليلة من احتضان القمة العربية السابعة والعشرين، أول قمة عربية تقام فوق الأراضي الموريتانية وأعظم حدث تعيشه العاصمة منذ تأسيسها في خمسينيات القرن الماضي.
السلطات الموريتانية تحلت بقدر من الجرأة والشجاعة حين قررت تجاوز الاختبار الصعب بعدم التنازل عن حقها في استضافة قمة اعتذر عنها المغرب لأسباب من أهمها غياب الظروف المواتية للخروج بنتائج تلبى طموحات الشعوب العربية وقادتها، وفق المسؤولين المغاربة.
ينص القانون الداخلي لجامعة الدول العربية المنظم لتاريخ ومكان انعقاد القمم، على ضرورة اتباع الترتيب الأبجدي لحروف الدول الأعضاء، إلا في حالات خاصة يتعذر فيها تنظيم القمة من طرف دولةٍ مّا، بسبب ظروف قاهرة كالحروب أو الكوارث أو ما شابه من مظاهر عدم الاستقرار؛ أو في حالة اعتذار إحدى الدول لظروف تراها مبررة، مثلما حصل مع المغرب مؤخراً.
بيد أن نشوة الحماس لاحتضان حدث هو الأهم في تاريخ البلد، يقابلها شعور بصعوبة المهمة التي تقف تحديات كثيرة في طريق نجاحها، وأهمها البنية التحتية والوضع الأمني وغياب التجربة في تنظيم ملتقيات بهذا المستوى وبهذا العدد من الضيوف كيفاً وكماً.
مطار أم التونسي
سيشكل مطار نواكشوط الدولي أم التونسي -رغم اختلاف الموريتانيين في تقييمه وما شاب صفقة إنشائه من شبهات- خطوة مهمة في رسم وجه جديد لبوابة موريتانيا التي اشتكى ضيوف سابقون من مطارها القديم؛ المطار الجديد سيعبر منه ضيوف شرف يزورون البلد لأول مرة، سيُكَوّنون فكرتهم الأولى من خلال هذه البوابة، وصحفيون سينقلون مشاهداتهم إلى الْعَالَم عبر وسائل الإعلام المختلفة، فضلاً عن وسائل التواصل الاجتماعي الأكثر متابعة والأسرع انتشاراً.
كما ستسهم ورشات البناء المنتشرة في أنحاء العاصمة كخلية نحل، في توفير مكان إقامة لآلاف الزوار الذين تضيق فنادق العاصمة المحدودة عن استيعابهم؛ ولعل من الهواجس التي ظلت تؤرق المنظمين كيف سيتم استيعاب أعداد كبيرة من الضيوف لم تعتد نواكشوط على أن تستقبلهم في نفس الوقت، وهي التي تخلو من سلسلة فنادق الخمس نجوم.
خصصت الجهات المنظمة للقمة مباني على شكل فنادق ونزُل لتكون حلاً جزئيا لإقامة العدد الكبير المنتظر من الضيوف، فلا يمر يوم دون تدشين فندق أو نزل جديد؛ كما وجدت الجهات المنظمة نفسها أمام خيار تهجير رجال أعمال أثرياء من قصورهم الفخمة مؤقتا لصالح زوار جدد؛ عمليات التهجير هذه جاءت طوعية بفعل التنافس الحاد بين رِجَال أعمال مقربين من النظام في التنازل عن منازلهم في ظل شُح أماكن السكن اللائق.
ورشة نواكشوط
لقد تحولت مدينة نواكشوط خلال الأسابيع الأخيرة إلى ورشة عمل مفتوحة، فأغلب الشوارع رممت من جديد، وزيد في طولها وعرضها، وزُينت بأعمدة إنارة ليلية طالما أفتقدها المواطن العادي وطالب بتوفيرها، ليكون انعقاد المؤتمر سببا في تلبية احتياجات سكان أحياء نواكشوط بعد طول انتظار.
ولم يفت على مجموعة نواكشوط الحضرية أن تستلهم من روح مواثيق الجامعة العربية اهتمامها بقضية العرب الأولى: فلسطين، فأطلقت اسم "القدس" على الشارع الرابط بين المطار الجديد والعاصمة، في حين أطلقت اسم "الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان" على أحد أكبر شوارع نواكشوط استدعاء لمواقف الراحل الثابتة الداعمة لقضايا الأمة العربية.
ولكن مع تجهيز الشوارع تبقى مشكلة غياب وسائل نقل مناسبة لضيوف القمة وعشرات الوفود التي ستغص بها مدينة نواكشوط، خاصة بعد تدشين مطار نواكشوط الدولي الجديد الذي يبعد عشرات الكيلومترات عن مركز المدينة.
غير أن السلطات الموريتانية وجدت من بعض الدول العربية والخليجية خاصة، دعما معتبرا في هذا المجال، فسُيرت جسور جوية بين نواكشوط ومختلف العواصم الخليجية بطائرات شحن محملة بالعشرات من السيارات الحديثة تساعد في عملية تنقل الوفود طيلة أيام القمة.
نواكشوط الآمنة
المراقبون يجمعون على أن الأمن هو التحدي الأكبر الذي سيواجه السلطات الموريتانية خلال تنظيم القمة، خصوصا في ظل تنامي أنشطة الجماعات المسلحة التي تتخذ من منطقة الساحل الأفريقي وشمال مالي المحاذي لموريتانيا، ساحة لتنفيذ عمليات في منطقة غرب أفريقيا.
ومع أن السلطات الموريتانية نجحت طيلة السنوات السبع الأخيرة في تقليص مستوى التهديدات الأمنية، وحدت من خطر وقوع أي هجمات مسلحة في نواكشوط، من خلال عمليات استباقية ومراقبة دقيقة للحدود مع تفكيك الخلايا النائمة للتنظيمات "الإرهابية"، إلا أن ذلك لم يمنع السلطات من أخذ البعد الأمني على محمل الجد وهي تستعد لاستضافة أكبر حدث دولي في تاريخ البلد.
قررت السلطات العليا في البلد - حسب تسريبات صحفية - وضْعَ خطة جديدة محكمة لتأمين العاصمة، من ضمنها إعلان نواكشوط منطقة عسكرية مغلقة تحت حماية الجيش، وتكليف قائد أركان الجيش بإدارة أمن العاصمة طوال فترة القمة العربية، وكل هذه الإجراءات قد تضع حدا للتخوفات، وربما تحول نواكشوط إلى مدينة آمنة كما لم تكن من قبل.
النجاح الداخلي
إذا لم تنجح قمة نواكشوط في اتخاذ قرارات جدية وحازمة بخصوص المآسي التي تتخبط فيها الأمة العربية حاليا، من فلسطين إلى سوريا والعراق، مرورا باليمن وليبيا، فقد نجحت على الأقل في وضع حل لمشاكل كثيرة كان يعاني منها الموريتانيون ردحا من الزمن منذ إنشاء الدولة الموريتانية.
لكن بشرط أن تُستغلّ المكتسبات التي تحصلت عليها الدولة في سبيل إنجاح هذه القمة، من العمل على استتباب الأمن ليكون أمنا دائما مستمرا، ومن بنية تحتية ما في المدائن أحوج إليها من مدينة نواكشوط، ومن فنادق ومطار عصري حديث.
إذا تحقق كل هذا فسيظل لسان حال المواطن الموريتاني يردد: ليتنا نظمنا كل يوم قمة عربية.