إعتذرت المملكة المغربية في وقت سابق من هذه السنة عن استقبال إجتماع للجامعة العربية على مستوى القمة الاجتماع الذي ستستضيفه بلادنا على عجل في ما اعتبروه في شق منه استجابة لهوى خليجي "صامت" وكان الإعتذار المغربي عن استقبال المؤتمر 27 للجامعة العربية على مستوى القمة له ما يسوغه بالفعل، لواقع التشظي العربي ولما ينطوي عليه من حساسيات لا أول لها وعلى آخر.
إذ أنه من أصل مجموع الدول العربية 22 التي تشكل الجامعة العربية أصلا، انهارت حتى الآن أو في طور الانهيار ست من المجموع كان بعضها يعد حتى وقت قريب دولا أساسية ومركزية على غرار: ليبيا واليمن وسوريا والعراق... بينما عانت البقية الباقية من الأقطار من عاهات شتى من بينها عجز القادة المرضي المزمن إلى تفاقم الأوضاع الداخلية وبقدر متفاوت... والنظر إلى ما آل إليه حال بلدان الأمة من غزو أجنبي ثم احتلال، وحروب أهلية وطائفية لا تبقى ولا تذر، تعذرت الحلول وطارت بالقرار العربي الجامع عنقاء مغرب.
و في مناخ متردي كهذا باتت لقاءات الجامعة العربية، لقاءات بلا بريق وعديمة الجدوى على أي مستوى كانت فبعد أن كانت في يوم ما عنوانا للم الشمل باتت والحالة هذه سببا أكيدا لإزدياد الفرقة والتشرذم في ظل تكالب وتغول النفوذ الخارجي في المنطقة لقوى وأقطاب دولية وإقليمية معادية في الغالب.
ولم يكن المغرب بالبعيد يوما عن بلدان الخليج و لا هي بالبعيدة عنه ولن يسعى أي من الطرفين في ذلك ولأسباب لا مجال هاهنا لشرحها أواستقصائها، وإن كانت بعض مشيخاته لسبب أو لآخر في من حرص "ولحاجة في نفس يعقوب" على احتضان الرئيس الموريتاني ولد عبد العزيز لهذا اللقاء المثير للجدل والمعزوف عنه، وكما يقال والعهدة على راويه بل وصرفت في حدود من أجل أن يتم اللقاء وكيف كان، على الأقل " لبيع" الصورة، لكن المغرب ولعله يكون أحسن التخلص ولنفسه نظر وبصرف النظر عن رضى بعض حكام الخليج والجزيرة من عدمه فضل عدم استضافة القمة في هذا التوقيت والنأي بنفسه عن أتون الخلافات المتأججة و لهيبها، ومؤتمر عقيم لجامعة صارت كسيحة بلا بوصلة مع الأسف ولقمة عربية بلا هدف.
وليس من باب الصدف وحدها أن من بين من تصدروا واجهة المؤتمر الأخير بانواكشوط أمين عام الجامعة الجديد أبو الغيط أو إن شئت أبو " الغيظ" بالطاء المعجمة أحد وجوه التطبيع المصرية مع إسرائيل ووزير خارجية مبارك الأسبق ومن توعد الغزاويين يوما ولسنين خلت في خطاب مشهور بكسر "السيقان" على بوابات رفح.
مؤتمر يغالي فيه أحد أعضاء الحكومة الموريتانية رغم هزال حصيلته وتواضع مستوى الحضور وما تمخض عنه ذلك اللقاء الخاطف،ويراه صنوا للاستقلال الوطني، في تصريح تداولته المواقع الإخبارية المحلية و يتعلق الأمر هنا بوزير الخارجية الموريتاني الأحدث تسمية في المنصب السيد إسلكو ولد إزيد بيه وإن كان حديثه حديثا لا يخلو من طرف المبالغة ولا ممجوج الأطناب كما سنرى. إذ أنه في لحظة نشوة - وبذلك تشي النبرة - أو بجرة قلم في تزييف واضح للوقائع ولكل الحقائق المعلومة وينسلخ هذا الأكاديمي عما علم وعلمناه وعرفه القاصي والداني، وبقى على مر العقود صروحا وطنية شامخة ومعالم شاهدة لا تخطؤها العين المجردة وتقوده ربما الوصولية المعهودة في مسلكيات النخب الموريتانية - ونأسف لذلك- إلى القفز على الإنجازات التاريخية العملاقة والتي لولاها لما كان للإستقلال أن يكون ذي معنى أو طعم،ولها وحدها أن تضاهيه، إنجازات قد تخطؤها اليوم عين الوزير الكليلة وتخفى عليه لأسباب مفهومة إلا أنها ستبقى الركائز الصلبة التي ظلت تقوم عليها موريتانيا والأسس الثابتة التي عليها تقف وتعيش، من قبيل: سك العملة الوطنية الأوقية وإنشاء البنك المركزي يونيو 1973 تأميم شركات المناجم وتأسيس شركة للمعادن "اسنيم" ( تلك الشركة الوطنية التي أهدرت مواردها واستنزفتها في ما يبدو إدارة حكومتنا وسياستها "الرشيدة") وتحت عناوين وبنود مختلفة، إلى طريق الأمل 1976 إلى قرارات التعريب... وقبل ذلك وبعده الاعتراف الدولي والإقليمي بالدولة الموريتانية الوليدة من لا شيء تقريبا،في ذلك الوقت، فلا موائي ولا طرق ولا بني تحية من أي نوع ناهيك بغياب الكادر وخلافه.
فكان الإنضمام للأمم المتحدة 1961 والوحدة الإفريقية 1963 إلى التغلب على معضلة الإعتراف المغربي بموريتانيا الدولة في مناسبة انعقاد المؤتمر الإسلامي الأول على مستوى القمة بالرباط سبتمبر 1969 باستقبال الرئيس الموريتاني يومئذ من قبل العاهل المغربي على أعلى مستويات البروتوكول المقررة وبعد دعوته رسميا للحضور ليتوج ما سبق ذكره بالانضمام للجامعة العربية نفسها مايو 1973. ولا يجوز في اعتقادي أن نقارن أصغر تلك الخطوات التي مرت بنا بمؤتمر" الخيمة الأمريكية" الأغرب الأخير في انواكشوط.
وأين هذا من ذاك.. وكل لم يكن أبدا بفضل أو عبقرية أولئك أو هؤلاء من حكام الصدف والوثوب على مقاليد الحكم بالقوة وتحت حراب الجيوش، أحرى أن يكون لسخاء أمير أو لشح آخر... كلا إنما كان بفضل الله أولا ثم بفضل حكومة دولة الاستقلال المدنية وحنكة وحكمة الرئيس الراحل المرحوم الأستاذ المختار ولد داداه، رجل الدولة الفذ الذي حاز على ثقة الجميع عربا وأفارقة و أورث بلاده سمعتها في العالم بما امتاز به من وطنية وعزم وأمانة وحزم و قناعة ونظافة يد يحسد عليه وسنفتقده في غيره.. الرئيس الذي أطاح به انقلاب عسكري في عتمة ليلة من ليالي يوليو 1978، انقلاب أدى إلى فتح باب صراع محموم على السلطة وفرخ ما سيتلوه من انقلابات متتالية و ثورات قصر في موريتانيا.
محمد ولد أماه/ عبد الودود