ستشهد مصر في القرن الماضي و منذ نهاية الأربعينات (علما أنها البلد الذي عرف التعددية السياسية والتنافس الحزبي في وقت مبكر نسبيا) وفي ظل ظهور تيار سياسي ديني جديد وربما وللأول مرة أولى صور الإغتيال السياسي في تاريخها الحديث باغتيال رئيس الوزراء "النقراشي باشا" كما ستعرف البلاد وفي نفس الفترة ترعرع حركة "الأخوان المسلمون" تلك الحركة التي قدمت نفسها ولأول وهلة كجمعية دعوة وإرشاد لا هم لها في السياسية أو الحكم على يد مؤسسها الشيخ حسن البنا المرشد الذي سيلاقي مصيرا مشابها لمصير النقراشي 1948 ( والمرشد لقب له دلالته تطلقه الحركة على زعيمها) في وقت أصبحت فيها جمعية " الدعوة والإرشاد" تلك وهي بالكاد تكمل عقدها الثاني من العمر تمتلك أرصدتها المالية وتنظيمها السري المسلح وحضورا متزايدا في الجيش سيقود في وقت لاحق إلى استيلاء صغار ومتوسطي الرتب من الضباط على مقاليد الحكم وإلى الإطاحة بالملكية في مصر و تعليق الدستور 1952 إلا أن " الضباط الأحرار" و كما قدموا أنفسهم في ذلك الوقت وقد صاروا وفجأة هم الحكام الجدد استبدوا بالأمر والنهي وجاهروا بالتحرر من التبعية ولم يستسيغوا الإنتهاء في الكبير والصغير إلى رغبة المرشد وبذلك وقع التصادم الذي بدا أمرا مفروغا منه مع قيادات التنظيم السياسي المدنية ممثلة هذه المرة في الأستاذ الهضيبي المرشد الجديد ومنظر الحركة في ما بعد سيد قطب. إذ أن جمال عبد الناصر وقد شب عن الطوق وكما يقال ضاق ذرعا بالرجلين خصوصا منذ حادثة " المنشية" ومحاولة الاغتيال المثيرة للجدل 1954. وستعيش مصر جراء ذلك صراعا لا هوادة فيه ومنذئذ بين الحركة السرية ونظام الحكم المصري طيلة عهد عبد الناصر ولن ينتهي بمقتل الرئيس أنور السادات 06 أكتوبر 1981. وحينما تخلص الشعب المصري من نظامه الفاسد والمستبد معا في خضم ثورات الربيع العربية التي كان للإخوان فيها موقع الصدارة وسقط حسني مبارك وصل الإخوان المسلمون إلى سدة الحكم في القاهرة في شخص الرئيس محمد مرسي تتويجا للانتخابات مشهودة فاز فيها الأخير كان الإستئثار بمختلف مراكز القرار السياسي والحكومي سيد الموقف إقصاء للقوى الوطنية الشريكة للثورة ضف إليه هيمنة المرشد وحضوره في مشهد الحكم التي كانت القشة التي قصمت ظهر البعير ولما أشيع من تنسيق رسمي مع قيادات التنظيم الدولية إن في الخليج وتركيا وأوروبا أو بغير ذلك من البلدان وتأثر قرار مصر الدولة ومصالحها تبعا لذلك وكل ذلك لم يكن ولن يكون في مصلحة الديمقراطية الوليدة بل وسيعطي الفرصة للجيش المتربص بالسلطة المدنية الهشة ويهيئ له المناخ المناسب في الشارع المصري المنقسم على نفسه أصلا إلى الوثوب العنيف على كرسي الحكم والفتك بالشرعية وما تمثله وبالإخوان كذلك.
ولسوء الحظ فلقد شهد السودان المجاور وقبل الانفصال المأساوي الذي صار إليه فصول مشابهة لتجربة مصر مع الإخوان مع وجود الفارق إذ قام الذراع العسكري للإخوان بقيادة الجنرال " البشير" بإنقلابه على السلطة الشرعية المدنية 1989 وبمباركة المرشد كحلقة في سلسلة الانقلابات العسكرية التي عصفت بذلك البلد منذ 1958وإليها يعود الفضل في انهياره وفشله وانفصاله إلا أن العلاقة ستسوء وإلا أبعد الحدود بين "الأخوين" اللدودين البشير الحاكم والمرشد حسن الترابي الذي سيودع السجن و لبضع سنين...
حسن الترابي المرشد نفسه الذي سبق له أن بايع النميري و هو جنرال سوداني آخر وحاكم دموي أصفق مع إسرائيل.. وقطع الأيدي والأرزاق والرؤوس قبل أن تسقطه ثورة شعبية عارمة في الخرطوم 1985 كان الشيخ وجنوده هم من أطاحوا برئيس حكومتها المنتخب الصادق المهدي كما أسلفنا، فصول كان لا بد من التعرض لها وصور من التاريخ السياسي لأشهر حركة إسلامية معاصرة بمنطقتنا، ولها اليد الطولى في ما يجري في تركيا. ولعلنا نفهم إلى أين تتجه الأمور في ذلك البلد الإسلامي الكبير وحكم الإخوان المسلمون بقيادة السيد رجب طيب اردوغان الذي مضى عليه 14 سنة ونيف و أشاع من الأمل الكثير كتجربة إسلامية رائدة في الحكم تنفي ما كاد يقر بالذهن عن إخفاق الإسلام السياسي في إدارة الدولة وشؤون الحكم في بلدانه والتعاطي الموفق مع المؤازر والمخالف.
ومما زاد في الارتياح ربما وصول التيار ذاته إلى تشكيل الحكومة في المملكة المغربية كأغلبية فائزة في الانتخابات حكومة مازالت تزاول مهامها في المغرب لحسن الحظ غير أن تركيا تعيش اليوم مع الأسف زلزالا سياسيا واجتماعيا مدمرا، أسفر عنه الانقلاب الفاشل الأخير على الحكومة الشرعية ما زالت أصداؤه تتردد في تركيا وخارجها والأسوأ فيه أنه أصاب في الصميم الثقة في تجربة الإسلام السياسي في الحكم في هذا البلد إثر التصفيات المخيفة التي باتت الشغل الشاغل لحكومة تركيا، والتي طالت عشرات الآلاف من المواطنين الأتراك العاديين بدءا من أفراد الجيش و قياداته إلى فريق كرة القدم ومرورا بقطاعات الصحة والتعليم والصحافة، والإدارة الخ...
الأمر الذي يطرح أكثر من سؤال ويثير القلق على مستقبل تركيا فضلا عن التجربة الديمقراطية ذاتها وعلى أي شاطئ سترسوا سفينتها في ظل ما يجري، فالطوفان صار له ضحايا كثيرون في آسيا وإفريقيا والأمريكتين فضلا عن تركيا نفسها في ما يمكن أن ندعوه بالخيار السياسي"النووي" لإردوغان الذي نبارك له السلامة ونتمنى الخير لبلده وندين الانقلاب عليه وكل انقلاب على الشرعية في بلداننا العربية والإسلامية.
محمد ولد اماه (عبد الودود)