صرنا إلى زمن قل أن تبزغ شمس يوم جديد إلى ويكشف فيه الستار عن فضيحة أخطبوطية مدوية، و لم يعد بالإمكان التستر أو استثناء أي موقع أين ومهما كان، علما أن نظام الحكم القائم شق طريقه الوعرة إلى السلطة كما نعلم تحت بيارق الإصلاح ومحاربة الفساد،وما دعوه في مصطلحهم بالمفسدين،الشعار الذي ما فتئ السيد رئيس الدولة يعيده على مسامع الجميع،ومذيلا أن التعاطي مع الثروات والموارد الوطنية سيكون شفافا وكذا الإدارة التي ستكون مرافقها على ما يرام، فضلا أن الفقراء المنسيون وهم الغالبية في بلاد غنية لن يعدموا في عهده من يرعاهم ويذكرهم،وأن المال العام في حصن حصين وتحرسه أيدي أمينة.
كلام جميل بلا شك،لكن الواقع عصي، ولعله سيحدثنا بشيء مختلف مع الأسف،ونحن نكاد ننهي ولايتين رئاسيتين وعقدا كاملا من السنين تقريبا،وإذ لم يعد لأعذار الوقت الكافي والأوهام أي معني، فمن ذا الذي استأنس الآخر يا ترى، وهل نحن أمام صراع بين طرفين متناقضين،أم هو التكامل بين مافيا المصالح والنظام كالمعتاد. و لماذا إذن تختفي المليارات من الخزينة العامة تارة وتارة أخرى من صناديق مؤسسات عسكرية وأمنية ومن شركات عمومية وشبه عمومية في رحلة اللاعودة، وكيف وجد "المفسدون"أولئك الطريق إليها. وبماذا سنفسر ذلك المسلسل الذي تطالعنا مشاهده في لعيون، انواذيبو ، كيهيدي وانواكشوط، وأخيرا وليس أخيرا روصو،بمخازن شركة سونمكس هذه المرة،الشركة التي أريد لها يوما أن تكون آلية وأداة قوية بيد الدولة لحماية مصالح المستهلك وتوفير الأهم من احتياجاته ولوضع حد لجشع الموردين كلما دعت الضرورة إلى ذلك، إلا أنها مؤسسة ستفقد شيئا فشيئا و بمرور الوقت أهم ميزة لها وستصبح مؤسسة هجينة في قبضة مورد محلي صار رئيسيا، قوي النفوذ وشديد القرب من مركز القرار والحظوة. وفي مجالات أخرى وثيقة الصلة باستخدام النفوذ والإثراء الفاحش غير المشروع،كمجال الوسطاء لدى الجمارك والمقاولة مع المؤسسات العمومية والصفقات مع الجهات الرسمية ما جرى ذلك المجرى، نشاطات باتت كلها تقريبا حمى لا مكان فيه إلا لأبناء العائلة والفصيلة ولمن يحظون برعاية هذه الجهة أو تلك من أركان النظام، ذووا المقامات والرتب المرتبطون بهم، حتى أن نوابا وشيوخا من الغرفتين من قرابات الجالسين على هرم السلطة صاروا هم أيضا ممن يتعاطون هذا النشاط المغرى، استغلالا للنفوذ والقرابة والصفة من دون خجل، في سعي مكشوف إلى تحويل البلد إلى مزرعة خاصة تضيق بغيرهم.
والقول الفصل الذي ما مراء فيه أن هذا البلد المعطاء حقا هو الذي يضيق بكل أولئك النفعيين ومسلكياتهم المشينة. ولن يفيد كثيرا من يعنون اليوم بالشأن العام بموريتانيا في اعتقادي تلك الصورة المفعمة بالألوان التي يعيش عليها البعض ويقدمها ممن يمكن أن ندعوهم محامو الشيطان والسدنة المحنطون بكل عهد وأوان.
محمد ولد أماه (عبدالودود)