ألا ليت شعري هل تغير بعدنا قباء، وهل زال العقيق وحاضره وهل برحت بطحاء قبر محمد أراهط غرٌّ من قريش تباكره لهم منتهى حبي وصفو مودتي ومحض الهوى مني، وللناس سائره
تتقدم الساعات وتتهاوى، ينقص التعب بالرغم من قلة النوم والراحة ويتأبط الشوق ثنايا اللحظة، تتزاحم الذنوب عند حلق البوح وتبدأ في سرد تفاصيل ولادتها برتابة وعجز عن إيجاد زر لإيقاف خاصية تشغيل العرض البطيء. لا أعرف كيف يمكن أن يوجد شعوران لا يمُتّ أحدهما للآخر بصلة في مسرح الروح.. المهم أن ذلك حدث.
وفقني الله لأحج بيته وهداني السبيل، ثم هيأ الأسباب، والحقيقة أن الإمتحان أكبر الآن مما لو كان منعني منه أو حبسني بحابس عنه..
يشبه المشهد أن تغسل روحك دون ترك شوائب فيها، أو بصورة أخرى يشبه أن تنزع روحك مصحوبة بجزء من ذاكرتك وترتدي روحا أخرى وذاكرة ما زالت تحتفظ بتغليفها قبل الإستعمال..!
#طريق العودة..
كنت أسأل نفسي بعد كل انحراف وتيه عن دفء العودة الى الله.. يخيل إلي أن العودة تحتاج قرارا لايساعدك فيه أحد، أدواته بسيطة: سجادة صلاة وزفرة حارة إلى السماء، وأمل يزهر في دعوات لرب الدعاء... لم يكن مثل طريق التيه الذي لاتسلكه وحدك، يأخذ الشيطان فيه بيدك ويقيض لك قرين السوء يرافقك ويشحن روحك بلذة الإثم، شيء يشبه أن تتحول من ضد الى ضد، بمؤامرة تحيكها ضدك أنت والشيطان، تخيل...!!
في البداية تحس بغربة وكلما تجرأت على ذنب هرعت إلى الخلوات لتغسل روحك من درن لاتراه يعلق بها، ثم لا تلبث أن تعتاد الأمر فيخامرك احساس بقفد شيء جميل كان يسكنك.. وتظل تسأل هل سأعود؟ تتيقن أنك كبرت بمائة سنة ذنب ضوئية، وصغرت روحك، وجبنت بأكثر من هذا ويزيد..
#شغف العودة الى بداية الرحلة..
لبسوا ثياب البيض شارات الرضى = وأنا الملوع قد لبست سوادي يا رب أنت وصلتهم صلني بهم = بحقكم يا رب فك قيادي
كنت كلما بدأ موسم الحج، تبدأ روحي بالتكور على الذنب، ويعلوها حس مرهف يلامس الشغاف بشجن الرغبة في أن أكون معهم، وأفوز فوزا عظيما، أولئك الذين اختارهم الرحمن ليكونوا ضيوفه، فأي مرتقاً أن يخصك الله بأن تكون ضيفه، كان الشعور بالحرمان يسيطر علي!
ثيابهم البيضاء، ملامحهم المستبشره، نفرة الحجيج، تعلقهم بالله، وتوجههم إلى ما عنده، في هذا السمو الروحي الجماعي مشهد تحس أنك منبوذ كلما ابتعدت عنه جغرافيا، أحرى ان كانت روحك تسبح في ملكوت آخر..!
الجديد الآن أنني على مشارف الحلم عند نقطة التقاء الخوف واللهفة، حاجز رفيع لا يفسره سوى انتصار اللهفة على الخوف، وتفكيك جزيئاته على شكل لقاء من فرح. سبع سنوات عجاف التهمت فيها الذنوب بعضها وتكالبت على نفس تلجأ للكعبة، وتشتكي عند الحجرة، عندما أشاجر أختي أو عندما أريد أن أحصل على درجة متفوقة في الامتحان..
سبع مكتظة بطلبات المغفرة، وكلما اقترب الوقت تبعثرت الطلبات وتغير ترتيب الأولويات، هكذا على مدار الطيران في مدارات التوق الى المغفرة ففي أحدها كان الذنب × يتصدر اللائحة والآن يتصدر ذنب آخر، وأستشعر خطى حاجة ملحة في مدار بين الأرض والسماء، عند منعرج الروح الفاصل بين الاستحالة والحلم.. ولكن، أليست المغفرة ستر الذنب وحجبه عن العباد؟ يارب اغفر لي خطيئتي يوم الدين.
ضيوف الرحمن من ليبيريا.. لم يكونوا صغارا في السن، بل أكثر من ذلك، كانت وجوههم تشي أن كارثة ما حلت بهم جميعا، فاتجهوا بهذا الكم البشري الكبير ليغفر ذنب لهم واحد! تتشابه مسحته على وجوههم ذكرانا وإناثا.
فوج من ليبيريا أو حجاج ليببريا بوجوه إفريقية قحه، لاتعرف التعب، وبتجاعيد ليس الذنب ببعيد من رسمها كما المغفرة، بدالة زمنية مرتفعه بلغت بأحدهم أن توقفت شاخصة في عينيه محتارة ضعيفة فوقفت كنقطة نهاية السطر في انتظار أن تقلب الصفحة.
لبسو لباسا موحدا واتحدوا في الغاية والوسيلة، وشرعوا في القتال لا وقوفا في الطابور، ولا التزامًا بأرقام مقاعد الطائرة! الهدف واضح، جلي، والشوق طال، والقتال في آخره، فأي القوانين يمكنها ان تكبح جماح الروح أمام لقاء طال انتظاره وطالت غربة الروح فيه في ذلك الانتظار؟
و لم أزلْ في إشتياق ٍ لا يقرُّ على = حال ٍ سوى وصلِ أحبابي وقربهم ِ
حتى أرىَ القبة الخضراء من كثبٍ = و أشهد الحق فيها ملتقى الأمم ِ
و أبصرُ الحجرة َالزهرَاء مستلماً = شباكهُا بفؤادي لاثماً بفمي ِ
مواجهاً لرسول الله أسَـألهُ = حوَائجي كلُها في خيرِ ملتزم ِ
أثني عليهِ و أتلو لوح سؤددهِ = من الخصائصِ و الأياتِ و العصم ِ
وكنت أنا مثلهم أشتاق شوقا لا يقر، ولا أظن اللقاء سيخمده! غددُ الدمع تتأهب لإغداقٍ جماعي عند مدخل مكة، فيا الله لبيك، اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.