شهدت فترة حكم معاوية ولد سيدي أحمد الطائع، الكثير من الأحداث، التي ما زالت آثار بعضها السلبية، تشكل عوائق منيعة في وجه تقدم ونمو موريتانيا وإرساء قواعد الحكم الرشيد فيها وتحقيق العدالة لجميع المواطنين، على اساس المواطنة، بغض النظر عن اللون والنسب والجهة.
وان كانت الآراء تختلف، حول سلبيات وايجابيات حكم دام 20 سنة وسبعة اشهر و23 يوما، مما جعل ولد الطائع، الرئيس الذي حكم البلاد لأطول فترة حتى الآن ، إلا أن هناك اجماع لا نشاز عنه بين جميع الموريتانيين، علي أن اسوأ ما أنتجته الحقبة الطائعية من بين مساوئها الكثيرة، هو كتيبة الحرس الرئاسي (BASEP)، التي أنشأها ولد الطائع وسخر لها كافة وسائل الدولة المادية والمعنوية والعسكرية وكتتب لها مئات الضباط وضباط الصف وآلاف الجنود وأنفق لتقويتها مئات المليارات من المال العام وذلك من أجل ضمان حماية نظامه، قبل أن ينقلب السحر علي الساحر، حيث كانت هذه القوي العسكرية، هي من استخدمها قائدها محمد ولد عبد العزيز في الانقلاب علي ولد الطائع نفسه في الثالث أغسطس 2005 وأجبر علي العيش في المنفي منذ ذلك التاريخ إلي اليوم وكما يقول المثل: "سمن كلبك يوكلك".
وإن كان استخدام " BASEP" في ذلك الانقلاب، قد قوبل بتأييد واسع لدي الرأي العام الوطني والدولي ومن لم يؤيده علنا، أجازه، كـ"خمر لغصة" وذلك نظرا للاحتقان الذي كانت تشهد البلاد بسبب ظلم سياسات ولد الطائع وانسداد الأفق للتغيير السلمي، إلا أن انقلاب السادس أغسطس 2008، الذي أعاد فيه نفس القائد محمد ولد عبد العزيز، سيناريو استخدامه ل" BASEP" في انقلابه علي سيدي ولد الشيخ عبد الله، كأول رئيس مدني منتخب ونصب نفسه مكانه، فقد قوبل بالرفض محليا ودوليا ورأي فيه الجميع أنه توظيف لقوة الحرس الرئاسي في تقويض خيارات الشعب الموريتاني في الديمقراطية والحكم الرشيد ووأد لأي أمل في التناوب السلمي علي السلطة بواسطة صناديق الاقتراع في انتخابات شفافة، لا قوة للعسكر فيها.
وهذا ما جعل المعارضة منذ أول يوم للانقلاب علي ولد الشيخ عبد الله، تطالب بحل كتيبة الحرس الرئاسي ودمج عناصرها في مكونات الجيش الوطني الخاضعة للقيادات العسكرية، كما تطالب المعارضة بإبعاد الجيش عن الاستخدام السياسي من طرف السلطة الحاكمة.
وهي المطالب الذي ظل ولد عبد العزيز يرفضها، بل يعمل جاهدا علي الدوام علي تعزيز دور كتيبة الحرس الرئاسي الذي اصبحت تحت امرته المباشرة في كل ما يتعلق بالاكتتاب والتكوين والترقية والامتيازات، لا دخل لوزير الدفاع ولا لقيادات الاركان الثالثة (الجيش، الدرك والحرس) في ذلك.
ويجمع العارفون بدهاليز العسكر، أن كتيبة الحرس الرئاسي، هي اليوم القوي الاولي في البلاد من حيث التسليح والامتيازات والتكوين، مع أن مهام وحداتها وأفرادها تنحصر في تلك التي يحددها رئيس الجمهورية واحده والتي كلها تدخل في اطار حماية الرئيس وسلطته وفي هذا الاطار اصبح من مهامها متابعة تحركات جميع المنتسبين لكافة فصائل القوات المسلحة وقوات الامن، وكذلك المسؤولين والمواطنين العادين، كما يتحدث البعض عن مهام أخري وسخة يكلف بها بعض عناصرها، داخل وخارج موريتانيا.
وإذا كان غرض ولد الطائع من إنشاء "بازب"، اصلا، غرض وقائي لحماية نظامه من أي فعل يستهدفه، فقد سخرها ولد عبد العزيز كأداة للاستيلاء علي السلطة والبقاء فيها وسد جميع الطرق امام التناوب الديمقراطي السلمي.
وقد استفاد ولد عبد العزيز من أخطاء ولد الطائع في اختياره لقادة "بازب"، لذلك احتفظ بقيادتها لنفسه وأعاد هيكلتها وتحديد طبيعة مهامها، إضافة إلي الامتيازات الكبيرة التي يوزع علي جميع عناصرها من ضباط وجنود بسطاء وذلك لضمان ولائهم لحماية نظامه وسد كافة الطرق أمام محاولات الانقلاب عليه.
ومن هنا يمكن تشبيه "بازب": ب"شجرة ملعونة" غرسها ولد الطائع ليحتمي بظلها ودفئها من طموحات العسكر للسلطة وعهد لولد عبد العزيز بسقايتها، فسقاها بعناية، لحاجة في نفسه، إلي أن كبر جذعها واستقوي بها للوصول للسلطة وواصل سقايتها حتي كبرت وتمددت أغصانها واستحلي المقام تحت ظلها ودفئها وصار لا يساوم مطلقا علي إزالة ورقة واحدة من أوراقها، أحري قطعها.
وهذا ما جعل المعارضة (المنتدي والتكتل) ، تصر علي المطالبة بحل "بازب"، كأسوأ منتوج في الحقبة الطائعية وأخطر سلاح في يد ولد عبد العزيز لوأد الديمقراطية وترسيخ حكمه الفردي وتقوي قناعتها بأنه، ما لم تقتطع هذه "الشجرة الملعونة" وتجتث عروقها من الأرض وتشتت أغصانها، فلن تتقدم موريتانيا قيد أنملة نحو البناء والتقدم ولا نحو تحقيق العدالة وإرساء دعائم الحكم الرشيد والتعايش السليمي بين مكونات شعبها ولن تنظم فيها انتخابات شفافة.
وبين تمسك ولد عبد العزيز بـكتيبة "بازب" وإصرار المعارضة علي تفكيكها، تسير موريتانيا نحو المجهول. ماموني ولد مختار
—