يتوزع اليوم، لمدة عشرة أيام على ورشات خامس حوار سياسي تشهده موريتانيا، أربعمئة وخمسون ناشطا سياسيا من الأغلبية الحاكمة في موريتانيا ومن معارضة الوسط ومن المجتمع المدني والموريتانيين في الخارج.
وفضلت الأحزاب السياسية والنقابات والشخصيات المرجعية المنتظمة في منتدى الديمقراطية والوحدة المعارض، مقاطعة هذا الاستحقاق السياسي الذي افتتح مساء أمس، رغم أن الحكومة حاورتها على مدى أشهر لإقناعها بالمشاركة، ووجهت لها الدعوة الرسمية للحضور، حسب مصدر في لجنة التنظيم.
ويتضمن جدول أعمال هذا الملتقى التشاوري، أربعة محاور أولها المحور السياسي والانتخابي، ويشمل نقاطا عدة، منها تعزيز وتنفيذ مكاسب الحوار السياسي 2011، وهو آخر حوار سياسي يجريه النظام الموريتاني مع معارضة الوسط وقد قاطعته المعارضة الجادة.
ويشمل هذا المحور كذلك الاتفاق على منظومة انتخابية جديدة، وإقرار انتخابات برلمانية مبكرة، ومراجعة وتوسيع نظام النسبية، وتشكيل اللجنة المستقلة للانتخابات، وإقرار المجالس الجهوية التي ستعوض عن مجلس الشيوخ الذي سينظر في إلغائه.
ويتضمن المحور الأول كذلك، النظر في مؤسسة المعارضة الديمقراطية، ومراجعة القانون المنظم للأحزاب، ودعم الأحزاب السياسية، والنظر في قضية المال السياسي والشفافية في العمل السياسي.
ويشمل المحور الثاني وهو محور الإصلاحات الدستورية، مراجعة صلاحيات الهيئات الدستورية، واستحداث منصب نائب الرئيس، ومراجعة المادة 26 (جديدة) من الدستور المتعلقة بسقف عمر المترشح للانتخابات الرئاسية.
وإضافة لإعادة النظر في شعارات الدولة ورموزها (النشيد، العلم)، سينظر المتحاورون في تشكيلة المجلس الدستوري، وتمثيل الولايات في البرلمان، كما سيتدارسوا جدوى مجلس الشيوخ والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، والمجلس الإسلامي الأعلى، ووسيط الجمهورية.
ويتضمن محور دولة القانون والعدالة الاجتماعية، نقاطا عدة بينها فصل السلطات، واستقلالية القضاء وإصلاح العدالة، وحياد الإدارة، والولوج إلى وسائل الإعلام العمومي، والأمن ومكافحة الإرهاب، والقضاء على مخلفات الاسترقاق وتصفية المظالم والإرث الإنساني، ودعم الجيش في مهمته الجمهورية.
ويشمل المحور الرابع وهو محور الحكامة الاقتصادية، نقاطا بينها تحقيق التنمية الاقتصادية، والتوزيع العادل للثروة، والشفافية في تسيير الموارد، ومراجعة نظام الأجور، وإنشاء مرصد وطني للشفافية ومراقبة الصفقات.
ومن أبرز المشاركين في الحوار، حزب التحالف الشعبي التقدمي بقيادة مسعود ولد بلخير، وحزب الوئام بقيادة بيجل ولد حميد، وحزب التحالف الديمقراطي بقيادة يعقوب ولد أمين، وحزب الصواب بقيادة عبد السلام ولد حرمه، ومجموعة وازنة من حركة المشعل الأفريقي (حرجة «أفلام» حاملة هم الزنوج)، وبعض القياديين المنشقين عن أحزاب المنتدى المعارض»، وعشرات الممثلين للنقابات ومنظمات المجتمع المدني، ومندوبون عن الجاليات الموريتانية في الخارج.
وتقاطع هذا الحوار نقابات وازنة وشخصيات مرجعية، كما تقاطعه أطراف سياسية مهمة بينها مؤسسة المعارضة وهي مؤسسة رسمية يرأسها حزب التجمع (الإسلاميون)، وحزب تكتل القوى الديموقراطية بزعامة أحمد ولد داداه، وحزب «عادل» برئاسة رئىس الوزراء الأسبق يحيا ولد الوقف، وحزب «تواصل» (إخوان موريتانيا)، وحزب اتحاد قوى التقدم برئاسة محمد ولد مولود، وحزب حاتم برئاسة صالح ولد حننه.
وقابلت المعارضة الموريتانية الجادة الحوار السياسي بعدم الاهتمام، وأكد الشيخ سيدي أحمد ولد بابامين رئيسها الدوري «أن منتدى المعارضة غير معني بالحوار الذي تطلقه السلطات اليوم».
وأوضح في تصريحات صحافية «أن الحكومة اختارت المضي في الحوارات الشكلية وأن منتدى المعارضة حاول بشتى الصور التفاهم معها إلا أنها أصرت على تنظيم حوار أحادي».
وتتهم أوساط المعارضة الموريتانية نظام الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز بالتحضير لحوار على مقاسه يمرر فيه أجندة سياسية تضمن له ولاية إضافية أو التهيئة لمن يخلفه في السلطة التي ينص الدستور على مغادرته لها في انتخابات 2019 الرئاسية.
ومع أن منتدى المعارضة قابل انعقاد الحوار السياسي بعدم الاكتراث، فقد كتب محمد الأمين الفاظل وهو أحد قيادييه البارزين تعليقا على دوافعه ومراميه تحت عنوان «طلاسم الحوار».
وتحدث عن الدوافع التي جعلت الرئيس عزيز يتقدم بعروض الحوار الملح قبل أن يكتمل عام على الانتخابات الرئاسية، وقبل اكتمال عامين على الانتخابات التشريعية، مشيرا إلى «أن هناك خمس فرضيات يمكن تقديمها لتفسير هذه الأسباب بينها أن الرئيس عزيز كان يفكر في ولاية ثالثة، وكان يريد أن يشرعها من خلال تنظيم حوار جديد مع المعارضة، والفرضية الثانية أن يكون الرئيس لا يفكر في ولاية ثالثة، وإنما يفكر في طريقة ما تمكنه من ربح سنتين أو ثلاث على ولايتيه الاثنتين وذلك من خلال الترشح في انتخابات رئاسية سابقة لأوانها، والفرضية الثالثة أن يكون الرئيس عزيز قد أصبح يفكر بشكل جاد فيما بعد العام 2019 وأنه يعد العدة لتهيئة الظروف المناسبة لتوريث السلطة لمن يثق به، وأنه يريد أن يقوم بذلك التوريث في ظل جو توافقي يأتي بعد حوار مع المعارضة، والفرضية الرابعة أن يكون الرئيس عزيز قد أصبح يفكر بشكل جاد فيما بعد العام 2019، ولكنه غير مهتم بتوريث الرئاسة، وأن كل ما يهمه هو توفير الضمانات اللازمة لعدم متابعته من بعد مغادرة السلطة، والفرضية الخامسة أن يكون الرئيس عزيز لم يفكر يوما في أي فرضية من تلك الفرضيات السابقة، وأن يكون غرضه من تقديم تلك الوثيقة والتلويح بالحوار وما تبع ذلك أن يكون كل ذلك لا يُراد منه إلا إشغال الرأي العام عن أمور أخرى، وعن الأزمات التي تتخبط فيها البلاد».
«إن الشيء الذي يمكن أن نؤكده هنا، يضيف الفاظل، هو أن الرئيس عزيز يعمل، بوعي أو بغير وعي، لجعل مثل هذه الحوارات حوارات بلا مصداقية، والدليل على ذلك رفض الرئيس عزيز لتوجيه أي دعوة لمؤسسة المعارضة، ورفض الرئيس عزيز لتقديم أي رد مكتوب على وثيقة الممهدات التي تقدمت بها المعارضة».
وقال «إن ما سيتم تنظيمه اليوم لن يختلف عما تم تنظيمه في السابع من هذا الشهر من العام الماضي، ومن المؤكد بأن مهزلة 29 ايلول/سبتمبر 2016 لن تأتي بنتائج أفضل من تلك التي أتت بها مهزلة السابع من ايلول/سبتمبر 2015، إن تكرار الأساليب نفسها سيؤدي حتما إلى الحصول على النتائج نفسها «.
يذكر أن نظام الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز نظم منذ انقلاب 2008 أربع حوارات أولها حوار حزيران/ يونيو 2009 الخاص بحل أزمة الإنقلاب والثاني حوار 2011 مع معارضة الوسط الذي تمخض عن إصلاحات دستورية قانونية وقاطعته المعارضة الجادة، والثالث حوار 2013 الذي أسفر عن انتخابات تشريعية قاطعتها المعارضة وشارك فيها الإسلاميون، والرابع حوار 2014 الخاص بالانتخابات الرئاسية وقاطعته المعارضة. وشهدت السنة الماضية ومستهل السنة الجارية اتصالات متقطعة بين الحكومة والمعارضة للتحضير للحوار الحالي حيث لم يتفق الطرفان على أي شيء.
عبد الله مولود/ نواكشوط – «القدس العربي»