حالة من التوتر والقلق داخل بلاط المملكة السعودية، بسبب تفاقم أزمات ونشوب آخرى، ما يهدد المملكة اقتصاديا وأمنيا في ظل ترقب إيراني، فبالاضافة إلى أزمة الحرب في اليمن والتي تزداد تكلفتها يوما تلو الأخر، تأتي الأزمة الاقتصادية ومن ثم تهديد الكونجرس الأميركي الذي يجهز لأهالي قلتى أحداث الحادي عشر من سبتمبر هدية بمقاضاة المملكة.
قانون جاستا
رفض الكونجرس الأميركي، الأربعاء الماضي، فيتو الرئيس باراك أوباما بشأن قانون (جاستا) "العدالة ضد رعاة الإرهاب"، والذي يسمح لأهالي ضحايا تفجيرات 11 سبتمبر 2001 بمقاضاة السعودية ومسؤوليها.
ووافق مجلس الشيوخ بإجماع شبه كامل على تعطيل الفيتو، بتأييد 97 سيناتورًا ورفض سيناتور واحد، ثم جاء الدور على مجلس النواب الذي وافق بأغلبية كبيرة على تعطيل الفيتو الرئاسي، بتأييد 348 نائبًا، ورفض 76، وبعد تأييد الكونجرس الأميركي تعطيل الفيتو بأغلبية الثلثين، يُصبح قانون "جاستا" ساريًا.
وكان الكونجرس الأميركي قد أقر قانون "جاستا" في وقت سابق، ولكن أوباما نقض القانون باستخدام حق الفيتو، يوم الجمعة 23 سبتمبر الجاري، ويستلزم تعطيل الفيتو الرئاسي في القانون الأميركي، موافقة أغلبية الثلثين في الكونجرس بغرفتيه (مجلس النواب ومجلس الشيوخ) على تعطيل الفيتو.
ويقصد من قانون جاستا هو "العدالة ضد رعاة الإرهاب" ويعرف بـ جاستا، يبدو أنها بداية أزمة أميركية سعودية تلوح بالأفق، حيث يتيح هذا القانون مقاضاة المملكة العربية السعودية، من أسر ضحايا هجوم 11 سبتمبر وايضا طلب تعويضات تقدر بمليارات الدولارات ، بالرغم من عدم وجود أدلة تدين السعودية أو تثبت تورط حكومتها، وقد إستخدم باراك أوباما حق الفيتو ضد جاستا، قائلاً "أن هذا القانون سوف يضر بمصالح الولايات المتحدة الأميركية، ولكن مجلس الشيوخ قام برفض فيتو أوباما ليزيد حدة الصراع والخطر في المنطقة.
ولم تُظهر نتائج التحقيقات الأميركية الرسمية أي تورط لمسؤولين سعوديين فيها، ولكن 15 شخصًا من أصل 19 نفذوا العملية كانوا سعوديين، وهو ما يُثير المخاوف السعودية بشأن مقاضاة أهالي الضحايا لهم، فعقب إقرار القانون الجديد، مخاوف تزداد جديتها بعد أشهر قليلة من الإفراج عن تقرير أصدره الكونجرس في 2002، وظل سِريًا حتى يوليو الماضي، يتكون من 28 صفحة ويكشف علاقات محتملة بين مسؤولين سعوديين ومنفذي هجمات 11 سبتمبر2001.
ارتكبوا خطأ
وفي أول رد فعل للرئيس الأميركي، قال أوباما إن المشرعين ارتكبوا "خطأ" ، واصفًا رفضهم للفيتو بـ"السابقة الخطيرة"، واعتبر القرار "مُسيسًا يتجاهل عواقب وخيمة" من إصدار القانون، وتجدر الإشارة إلى أن هذا أول فيتو يعترض عليه الكونجرس، بعد عدم اعتراضه على تسعة قرارات بالفيتو استخدمهم أوباما منذ وصوله إلى الحكم.
وأوضح أوباما، أن القانون قد "يعرض الشركات والمسؤولين والقوات الأميركية إلى دعاوى قضائية محتملة خارج البلاد"، لافتًا في الوقت ذاته إلى أن هذا القانون غير موجّه لدولة بعينها، وإنما يفتح الباب أمام خصومات مع دول عدة، من بينها حلفاء تاريخيون للولايات المتحدة. .
تحذير رسمي
وحذر عادل الجبير -وزير الخارجية السعودي- مرارًا وتكرارًا من تمرير هذا القانون، وقال في تصريحات صحافية سابقة، إن إقرار القانون وتعطيل الكونجرس لـفيتو أوباما "سيضر بالعلاقات طويلة الأمد بين واشنطن والرياض"، وأضاف "إن أعضاء الكونغرس الأميركي يسيرون في اتجاه تحويل عالم القانون الدولي إلى قانون الغاب"، وتأتي تلك التصريحات لتوضح أكثر ما قد يكون قصده أوباما، بأن إقرار القانون "يفتح الباب أمام خصومات تاريخية للولايات المتحدة".
أزمة اقتصادية وتقشف
وعلى الفور تراجع الريال السعودي أمام الدولار الأميركي، فيما يبدو أنه هبوطًا له علاق بتصويت الكونجرس، ومنذ طرح ذلك القانون من الكونجرس وبدء الحديث عنه، والسعودية تعارضه بشدة.
وهناك أزمة اقتصادية في سماء السعودية، تواجهها المملكة بالتقشف، حيث أصدر الملك سلمان بن عبد العزيز، الاثنين الماضي، عددا من الأوامر تقضي بخفض رواتب ومزايا الوزراء وأعضاء مجلس الشورى وخفض مكافآت الموظفين في القطاع الحكومي، ضمن الجهود الرامية لضبط الإنفاق بعد تراجع عائدات النفط.
وتنص الأوامر الملكية التي نشرتها وكالة الأنباء السعودية على خفض راتب الوزير ومن في مرتبته بنسبة 20%، وخفض مكافأة أعضاء مجلس الشورى بنسبة 15%، وخفض الإعانة السنوية لأعضاء مجلس الشورى لأغراض السكن والتأثيث بنسبة 15% أيضا.
وتقضي الأوامر أيضا بخفض بنسبة 15% للمبلغ الذي يصرف لأعضاء مجلس الشورى عن قيمة السيارة وما تتطلبه من قيادة وصيانة في فترة العضوية البالغة أربع سنوات، وخفض عدد من المكافآت والمزايا لجميع العاملين بالقطاع الحكومي من السعوديين وغير السعوديين.
وشملت القرارات الملكية وقف العلاوة السنوية في العام الهجري 1438، ويطبق ذلك على كل العاملين بالقطاع الحكومي من السعوديين والوافدين، وعلى العاملين بالقطاع العسكري باستثناء الجنود المشاركين في العمليات قرب الحدود الجنوبية وخارج البلاد، وأمر الملك أيضا بخفض الحد الأعلى لبدل ساعات العمل الإضافي إلى 25% من الراتب الأساسي في الأيام العادية، وإلى 50% في أيام العطلات الرسمية والأعياد.
وسيتم خفض إجمالي فترات الانتداب لموظفي الدولة ليصبح ثلاثين يوما في السنة المالية الواحدة، مع وقف صرف بدل الانتقال الشهري للموظف خلال فترة الإجازة، ويعمل بهذه القرارات من نهاية العام الهجري الحالي الذي سيوافق أول أكتوبر المقبل.
تراجع ايرادات السعودية
تراجعت إيرادات السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، جراء انخفاض أسعار النفط بأكثر من 50% منذ عام 2014، وسجلت عجزا في الموازنة قدره 98 مليار دولار عن العام الماضي، كما أظهرت البيانات الرسمية في يوليو الماضي أن المملكة سقطت في هوة الركود للمرة الأولى في الثمانينيات، وخفضت الإنفاق الحكومي الذي جاء نتيجة انخفاض أسعار النفط.
و تواجه السعودية أزمة اقتصادية، خاصة في قطاع البناء والتشييد، الذي يعتمد على مشاريع البنية التحتية التي تمولها الدولة، ما أدى إلى تدهور أوضاع العمال الأجانب، وتقطعت بهم السبل بعدم وجود أجور، لم يحصلوا عليها منذ ثمانية أشهر، وأفاد الملحق في سفارة باكستان في الرياض أول أمس، أن مئات العمال الباكستانيين سيغادرون السعودية هذا الأسبوع من دون أن يقبضوا رواتبهم، وهؤلاء جزء من أكثر من 6500 باكستاني يعملون في "سعودي أوجيه" ولم يتلقوا رواتبهم منذ تسعة أشهر على الأقل.
وكان آلاف من الهنود والفلبينيين يعملون لحساب هذه المجموعة غادروا المملكة في الأشهر الأخيرة من دون قبض رواتبهم.
السعودية ستكشر أنيابها
وتوقع الدكتور باسم عالم أستاذ القانون السعودي، أن الولايات المتحدة الأميركية لن تتمكن من التخلي عن التحالف مع السعودية، وما يحدث محاولة بلطجة أميركية لكن وجود الحرمين في المملكة العربية السعودية يشكل مركزا ومحورا رئيسيا لالتفاف العالم العربي والإسلامي حول الحرمين.
وقال عالم في تصريح لرصد:" في حالة العداء الكامل سيجد الغرب محاط بقوة غير قابلة للهزيمة والممثلة في العالم الإسلامي، ولن يقبل المسلمين بنشوب مخاطر تهدد بلاد الحرمين، فالولايات المتحدة ستفكر مليون مرة قبل العداء مع أمريكا.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة مركز لقوة العالم الإسلامي وأن السعودية بها الحرمين الشرفين وهي الدولة الرئيسية للأمة الإسلامية في العالم، وأرى أن موقف الكونجرس لن يكون في صالح دولتهم.