تتواصل اليوم في نواكشوط جلسات الحوار السياسي للاتفاق على صيغة نهائية لمخرجاته بعد أن توقفت النقاشات لإتاحة الفرصة أمام لجنة الصياغة للاتفاق على نص يقبله الجميع في ظل تشدد معارضة الوسط التي يعول عليها في صدقية الحوار، ورفضها لأي مساس بالدستور وبخاصة مواده المتعقلة بولايات الرئاسة التي يعتبرها الكثيرون «مواد محصنة لا يمكن المساس بها خارج الإجماع».
وتؤكد مصادر في لجنة الصياغة «أن جميع المقترحات التي تقدم بها ممثلو الأغلبية ومعارضة الوسط تمت غربلتها ويجري إدراجها في تقرير سيعلن عنه في الجلسة الختامية المقررة يوم الثلاثاء المقبل».
وفي هذه الأثناء قررت المعارضة المتشددة توحيد صفوف أجنحتها لتنظيم تظاهرات احتجاجية مضادة لما تسميه المعارضة «العبث بالدستور».
وأكدت في بيان أخير لها على «استمرار موقفها الداعي إلى الحوار الجدي واستعدادها له ما إن توفرت أجواؤه»، داعية «كافة القوى الوطنية الرافضة للحوار ـ الكرنفال، للتشاور والتنسيق في وجه مسار يحق للجميع كل الشك في النوايا منه وفيما يُراد منه».
ودعت المعارضة في بيانها جميع فعاليات وأقطاب المنتدى المعارض «لليقظة والتعبئة فالفترة المقبلة تستلزم العمل الجاد، تضيف المعارضة، فبلادنا تحتاجنا والديمقراطية والاستقرار في خطر من هذا السلوك الأحادي المستفز».
وأضاف البيان «أن نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز، أقدم، وفاء منه لطبيعته وتكذيباً للذين ظنوا به خيراً، على إطلاق «حواره» في جو بدا للموريتانيين عملاً مكرراً رديء الإخراج، مقدماته تنبئ عن مخرجاته، وبداياته مؤشر على نهاياته».
«لقد أعلناها في المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، يضيف البيان، أكثر من مرة أن الأزمة التي تعيشها موريتانيا، والمشاكل الجمة التي تعرفها مختلف قطاعات الدولة، والأفق المسدود أمام الأجيال، والفساد والتخبط اللذين يطبعان السلوك العمومي، وأوضاع ساكنة يجتمع عليها ارتفاع الأسعار واستفحال البطالة ورداءة الخدمات العامة، أن كل ذلك وغيره يحتاج مسؤولية يتعالى أصحابها عن الكثير ويقدرون الحال والمآل».
وخلص البيان إلى التأكيد على «أن هذا الوضع يحتاج حواراً جدياً تتداعى له مختلف الأطراف وفق منهجية تفضي إلى نتائج على مستوى التحديات ومخرجات ترسي الديمقراطية وتفتح الباب أمام التداول السلمي على السلطة».
وبالعكس مما تقوله المعارضة، أكد الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في خطاب ألقاه الاثنين الماضي في الجسلة الختامية للحوار الوطني السوداني «أن موريتانيا قدمت نموذجاً ملهماً خلال السنوات الأخيرة عندما نجحت تجربتها في إطلاق حوارات سياسية ودينية واجتماعية شارك فيها جل أطياف المجتمع الموريتاني».
وقال «وقد كان من أبرز نتائج هذه الحوارات، تعزيز اللحمة الوطنية وترسيخ الديمقراطية ومحاربة الغلو والتطرف وإنصاف الشباب والنساء».
ومواصلة لهذا النهج، يضيف الرئيس الموريتاني، أطلقنا مؤخراً بالتشاور مع كافة الأطياف السياسية والمجتمعية، حواراً شاملاً، إيماناً منا بأن الحوار يجمع الشمل الوطني ويكرس السلم الأهلي ويدرأ جميع الأخطار الداخلية والخارجية ويعزز القيم الوطنية ويحفظ هوية الشعوب».
وبالتوازي مع هذا الحراك، تتواصل بشكل شبه مستمر في القنوات التفزيونية المحلية، النقاشات حول الأمور المعروضة على الحوار وبخاصة موضوع ولايات الرئاسة وتعديل الدستور من أجل فتح المواد المتعلقة بها. كما يتواصل في صفحات التواصل، التدوين والتغريد بين كتاب ومفكري المعارضة وخصومهم في الموالاة.
وفي مقال تحت عنوان «إلى أين نسير؟»، توقع المدون الموريتاني المعارض محمد الأمين الفاظل «أن تعمل السلطة على اعتماد وثيقة الحزب الحاكم كوثيقة صادرة عن الحوار الحالي بعد أن تضاف لها بعض مقترحات الأحزاب الأخرى، بشرط أن لا يكون من بين تلك المقترحات أي مقترح يتضمن نصاً صريحاً بتحديد المأموريات باثنتين».
«بعد ذلك، يضيف المدون، سيتم عرض هذه الوثيقة على استفتاء شعبي ستستخدم فيه الدولة كل ما تملك من وسائل الترغيب والترهيب من أجل الرفع من نسبتي المشاركة والتصويت بنعم، وهنا يكون الرئيس قد تخلص من الدستور الحالي والذي كان يحول دون أي زيادة في عدد المأموريات».
وقال «إن العمل وفقاً لهذا المسار سيزيد من تعقيد الأمور وسيقود ذلك البلد أكثر إلى تغيير غير آمن قد يتم بواحدة من طريقتين، أولهما انقلاب عسكري، ومن الراجح بأن الانقلاب العسكري المقبل سيأتي من قيادات عسكرية في الصف الثاني، وهو ما سيزيد من احتمال حصول مواجهات داخل الجيش، وسيكون من الصعب إيقاف تلك المواجهات في وقت مبكر كما حصل في المحاولة الانقلابية في الثامن من حزيران/يونيو 2003، وعندما تستمر المواجهات بين أطراف الجيش لفترة غير قصيرة فإن ذلك سيعني بأن موريتانيا قد دخلت في نادي الدول الفاشلة».
أما السيناريو الثاني فهو، حسب المدون، تغيير الأوضاع عبر ثورة شعبية، وعندما تنفجر ثورة شعبية في بلد كبلدنا قد فخخت لحمته الوطنية، ويعاني من الكثير من التشظي الاجتماعي، ولا توجد به زعامات محل إجماع للمعارضة كما كان حاصلاً في بداية التسعينيات، وذلك في الوقت الذي تحيط به دول بعضها له أطماع وبعضها غير مستقر ويعاني من فتن داخلية، فأن تنفجر ثورة شعبية في بلد كبلدنا وفي ظرفية كهذه فإن ذلك سيعني بأن موريتانيا ستتحول ـ لا قدر الله ـ إلى دولة فاشلة أيضاً».
«المقلق في الأمر، يقول المدون المعارض، هو أن زمان هذه الثورة أو ذاك الانقلاب قد ظللنا، ولن يحول بيننا وبينه إلا تنظيم حوار جدي يمهد لتناوب سلمي على السلطة، والمقلق أكثر أن احتمالات تنظيم مثل ذلك الحوار قد أصبحت ضعيفة جداً، هذا إن لم أقل بأنها قد أصبحت منعدمة تماماً».
عبد الله مولود-نواكشوط – «القدس العربي»