"الإزدواجية"

أحد, 03/08/2015 - 10:08

 

يحكى أن مفتشا في قطاع التعليم كان في مأمورية إلى إحدى المؤسسات أواخر السبعينيات، وخلال اجتماعه مع طاقمها الإداري والتعليمي، بدأ المدير في تقديم الطاقم واحدا بعد آخر للسيد المفتش، وحين وصل أحدهم قال: "فلان ابن فلان معلم مزدوج في اللغتين العربية والفرنسية"، فقام المفتش لتحية المعلم وتشجيعه، قبل أن يتفاجأ بأن الازدواجية التي ذكرها السيد المدير تعني انه لا يعرف أيا من اللغتين..!!

تذكر هذه القصة بواقع الأحزاب والنقابات المستقلة في موريتانيا، واقع يكشف التداخل ما بين هؤلاء وأولئك، حين يتعلق الأمر بحدث وطني هنا أوهناك..

فالنقابات المهنية ومنظمات المجتمع المدني تمارس السياسة بلا حدود، رغم أن أنظمتها الداخلية والقوانين المنظمة لها تضع حدا كبيرا بين العمل السياسي والنقابي، وفي موريتانيا- الاستثناء الوحيد في العالم- تسمع يوميا بانخراط هذه المنظمة أوتلك النقابة في المعارضة تارة وفي الاغلبية تارات أخرى، وقد لا تتفاجأ إذا صادفت بيانا ينتقد أو يشيد بالانتخابات الرئاسية يحمل توقيع "منظمة تعنى بمحاربة ختان الإناث"، أو نقابة وطنية للتعليم العالي.. والأمثلة أكثر من أن تحصى..

على الجانب الآخر كشفت أزمة "اسنيم" عمق انغماس الأحزاب السياسية في العمل النقابي، ومحاولاتها التي لا تهدأ لاستقطاب العمال، واستغلال حراكهم وكفاحهم المشروع من أجل انتزاع بعض الحقوق المستحقة بجدارة من رب العمل "سنيم".

تسابقت الأحزاب في إصدار البيانات المحرضة في الغالب، لحاجة في نفوس "اليعاقيب" من المؤكد أنها لا تصب في مصلحة العمال، في استغلال سيئ لحدث لم يكن لهذه الأحزاب دور في بدايته، ولن يكون لها آخر في نهايته.

هو منطق أعرج خارج عن المألوف ذلك التي يحكم الساسة والمتسيسين، وليس ذلك بغريب على مجتمع تجد فيه كوخا صغيرا في زقاق ضيق يحمل عبارة "مجمع نواكشوط للتجارة والحدادة والطب النبوي والتعليم الحر" أو تصادف "كاتبا" نكرة غير مقصودة يحمل ألقاب "الكاتب والأديب والمفكر والمحلل السياسي والخبير الاجتماعي". 

هي "ازدواجية" من نوع آخر، كازدواجية "المعلم" الآنف الذكر، أصحابها يجهلون كل شيئ عن العمل الحزبي، والنقابي،  وإلا فما الذي يربط النقابي بالسياسي إن لم يكن هذا المنطق الأعرج؟

لا أحد يزايد على عمال الشركة الوطنية للصناعة والمناجم الذين امتصت دماءهم لعقود طويلة، ومن حقهم أن يدخلوا في إضراب شامل، لانتزاع ما هو مشروع من حقوق يكفلها القانون والدستور،  بطريقة حضارية وقانونية.

وينبغي لهؤلاء العمال أن يقفوا سدا منيعا بين نضالهم المشروع، وبين استغلاله سياسيا، من طرف بعض الأحزاب التي اعتادت امتطاء صهوات الآخرين لتحقيق مكاسب عجزت عنها عبر الوسائل الديمقراطية المتعارف عليها.

سيدي محمد ولد ابه

[email protected]