قال المبعوث الأممي السابق الدبلوماسي أحمد ولد عبد الله، إن إدارة دولة على أساس آني من خلال تسديد الضربات السياسية، وصيد المعارضين، واتخاذ تدابير غوغائية، مقاطعة الدول والمنظمات الدولية، ليس كافيا، ولا مقبولا اليوم، مضيفا أن هذه الممارسات لا تعزز هياكل الدولة، ولا تضمن السلام.
وقال ولد عبد الله في مقابلة مع صحيفة "بلادي" الصادرة باللغة الفرنسية، إن دولة عصرية تعيش في واقع العالم الحالي ينبغي أن تسهل من التعايش بين مواطنها، خارج الخصومة السياسية، والانتماءات الاجتماعية، والعرقية، والقبلية، والجهوية.
وأكد ولد عبد الله أن موريتانيا تعاني من الطائفية والعرقية، التي تعيش على نفس المساحة الإقليمية، مضيفا أن التنوع الذي نحظى به بدلا من أن نستثمره في أن يكون عامل إثراء، أضحى عنصر تهديد للجميع.
وجاء في نص المقابلة:
منذ أسابيع يغلب على الأحداث الوطنية النقاط المقترحة على جدول أعمال الحوار السياسي، خصوصا المتعلق منها بتغيير العلم والنشيد.. ما رأيكم أنتم في ذلك؟
في مواجهة الصعوبات التي تواجه المواطنين، وكذا التحديات الأمنية المتراكمة لدينا في المنطقة. هل يكون تغيير العلم والنشيد أولوية أو أهمية؟
إن الموريتانيين وكغيرهم من متابعي الحدث الإقليمي بمنطقة المغرب والساحل، مذهولون ويتساءلون عن ما إذا كنا نعيش على كوكب آخر.
إن على النخبة الوطنية المسؤولة أن تتفق بشأن تحديد المشاكل ذات الأولوية في البلد، إذ لا يمكنها المواصلة في تعزيز ما يتجاهل المشاكل الأساسية، ويقسم المواطنين.
وأمام الحاجيات الوطنية الضخمة، فإن الأولويات معروفة، ويجب تخصيص النفقات لبناء المؤسسات، ومحاربة البطالة خصوصا في صفوف الشباب، والتعليم الفني، والصحة العمومية، وعصرنة العاصمة التي يوجد فيها 30 بالمائة من الساكنة، ومحاربة الفساد، ودعم القدرة التنافسية لرجال أعمالنا في غرب القارة، وميناء نواكشوط، والطرق المؤدية إلى هذه البلدان من أجل ولوج أسواقها.
إن حكومة تتجاهل هذه الأولويات، لديها مشاكل ماثلة، أو عدم مسؤولية، أو غياب كفاءة.
وفي هذا الإطار فإن رموز الدولة يشكلون جزءا من هويتها وينبغي أن تحظى بالحماية، وهكذا فإن تغييرها ـ الرموز ـ لا يعتبر أولوية، وبلا معنى.
بل بالعكس من ذلك، فإن التغيير غالبا ما يؤدي إلى مصائب، وانتقام من التاريخ. وقد رأينا مع مارشال موبوتو، والقذافي أن الأعلام لم تنج في عهودهم.
يجب أن يتم تجنب السخرية والنقاشات الخاطئة، لزمن آخر: تغيير الرموز الوطنية، أسماء الأسر، إسم الدولة، تحويل رؤوس الأموال.
لا يمكنني فهم أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز قبل التضليل والوقوع في مثل هذا النمط من التمارين.
ـ هذا النمط من "الإصلاح" هل له علاقة المقترح المتعلق بإنهاء "ولد" التي اشتهرنا بها كمكونة للأسماء العائلية؟
قبل نحو سنتين أعلن أحد المسؤولين السامين ببلادنا وبكل فخر لأحد الرسميين بإحدى دول الخليج أن " ولد" ستختفي من أوراقنا الثبوتية، فأجابه محاوره أن دولته لا يمكنها حذف "آل" من باعتبارها جزءا من التراث، متسائلا: ما الذي سيبقى لكم إذا؟
الناس في مختلف أنحاء العالم يصارعون من أجل إنقاذ هوياتهم، والحفاظ على صورهم، وهذا الحرص على محو كل ما يميزنا: علم، نشيد، وولد، أقل ما يقال عنه إنه مذهل.
نحن مثلنا مثل العديد من الشعوب الأخرى التي لها خصائص مرتبطة بأسمائها مثل: آل لدى الخليجيين، أوغلو لدى الأتراك، فان لدى الهولونديين... الخ
في العام 2010ـ2011 الموريتانيون الذين اعتقلوا في الولايات المتحدة، وبلجيكا، أطلق سراحهم بفضل هويتهم "ولد" وعدم ارتباطهم بالإرهاب والجريمة.
إن ميزة "ولد" تشكل عاملا مشتركا لكل البيضان من جنوب المغرب إلى الحدود الشمالية للنيجر، مرورا بأزواد، وبعض المدن الجزائرية، بما في ذلك تيندوف. هل لدينا في موريتانيا أولويات أخرى تجعلنا ننفذ مسعى الابتعاد عن هذا الإرث الحسانوي.
يقال أحيانا إن نقص الحاصل على مستوى المنظور التاريخي إنه يجب علينا التكيف مع هذه المسلكيات الضارة لصورتنا في المنطقة وخارجها، غير أن هذا الهوس في تغيير كل شيء، بما في ذلك العاصمة إضافة إلى كونه ليس مسؤولا، فإنه صبياني وممارسة خطرة نحو سلب الهوية.
ـ في أذهان الكثير من المواطنين أن الهدف الحقيقي من الحوار الوطني هو إجراء إصلاح على الدستور، أو مراجعة بعض مواده من أجل إلغاء تحديد المأموريات الرئاسية، لكن الرئيس أكد أنه لا يريد الترشح لمأمورية جديدة.. ما رأيكم في هذا الموضوع؟
أريد أن أجيب على السؤال بطريقة أخرى: هل هناك مأمورية ثالثة أم لا؟ ولكن لماذا؟
إن النقاش الدائر بشأن المأمورية الثالثة هو نقاش خاطئ، ليس لأنه لا ينبغي أن يطرح للنقاش، بل العكس، ولكن لأنه يخفي سؤالا آخر حقيقيا، وهو مطروح منذ زمن طويل.
وهو كيف ـ مع أو بدو مأمورية ثالثة ـ نضع حدا للانجراف السياسي القائم منذ عقود، وألفى بظلال سلبية على الإدارة، والاقتصاد الوطني، واليوم ينتج وضعا مماثلا على المستويين الداخلي والخارجي، ويقسم المواطنين، ويضعف الدولة.
إن كيفية وضع البلاد على الطريق الصحيح هو الشرط الأول لإدارة المشكلة المزعجة المتعلقة بالوحدة الوطنية. وهناك سؤال آخر يتعلق بتحقيق عمل مشترك أفضل خاصة مع المغرب والساحل.
في الواقع إذا كان الرئيس الحالي، كما أقسم رسميا، وأكد ذلك مؤخرا بشأن عدم الترشح، فهل سيكون في ذلك تسوية للمشاكل البنيوية الوطنية؟
لقد قدمت الطبقة السياسية بمختلف مكوناتها وجزء من المجتمع المدني مشاريعهم بشأن المخاطر التي تحدق بالبلد.
ويتعلق الخطر الأول بإيجاد الرئيس آلية وإجراءات شرعية تضمن له البقاء في السلطة، من خلال العودة إليها بعد خمس سنوات. وهنا لن يكون كافيا اختيار نائب للرئيس، وإجراء انتخابات رئاسية.
إن الوضع الراهن قائم منذ عشرات السنين، وسوف يستمر. لقد أنسى موضوع المأمورية الثالثة في الكثير من الأشياء، مثل: صيد الأسماك، القروض التي تمنحها اسنيم لمطار نواكشوط، المشاريع الجارية..
أما الخطر الثاني فيتعلق بهشاشة وضعف الطبقة السياسية، التي انفجرت بفعل ضعف مستوى التضامن بين أعضائها.
إن التناقضات الداخلية بين مختلف مكونات الأغلبية، وكذا المعارضة، سوف يؤدي إلى تفاقم أكثر للوضع على حساب القضايا الجوهرية.
إن على الفاعلين السياسيين أخذ قسط من الراحة لتقويم أوضاع البلاد، والعمل على تنظيم حوار وطني حقيقي بهدف مساعدة القادة الحاليين والمستقبليين على خلق توافق بشأن القضايا الاستراتيجية: الديبلوماسية، الأمنية، الاقتصادية، إنشاء مجلس خاص بالأمن القومي، أو ما يعادله، ومنع خصخصة المصالح الأساسية للدولة.
وأخيرا فإن التركيز على الرئاسيات المقبلة، والمرتقبة عام 2019 ستؤخر البحث عن إيجاد حلول دائمة للمشاكل الوطنية: التعايش الصعب الآن بين مختلف مكونات المجتمع.
بناء على خبرتكم ماذا تقترحون لمختلف الفاعلين الوطنيين من أجل تجنيب البلاد للمنزلقات القاتلة؟
أولا هناك ملاحظتان. إن إدارة دولة على أساس آني من خلال تسديد الضربات السياسية، وصيد المعارضين، واتخاذ تدابير غوغائية، مقاطعة الدول والمنظمات الدولية، ليس كافيا، ولا مقبولا اليوم، وهذه الممارسات لا تعزز هياكل الدولة، ولا تضمن السلام.
لقد تم الاستيعاض عن يوغسلافيا حينما انهار زعيمها بعديد الدول الأخرى. الصومال بلد وحدوي تسكنه شعوب متجانسة، تعتنق نفس الدين وتتحدث بنفس اللغة، لكنها اليوم بلد تمزقه الصراعات القبلية.
ومنذ عام 2010 السودان المستقل سنة 1956، قسم إلى دولتين كلتاهما ذات سيادة، لكن الحرب الأهلية تتابعت في المكونتين.
إن دولة عصرية تعيش في واقع العالم الحالي ينبغي أن تسهل من التعايش بين مواطنها، خارج الخصومة السياسية، والانتماءات الاجتماعية، والعرقية، والقبلية، والجهوية. وعلى هذا النهج فإن على النخبة الحاكمة أن تكون أكثر شمولية، وتسامحا.
إن الإيديولوجيات العنصرية التي تعود للقرن الماضي باءت بالفشل في كل الأنحاء، بإفريقيا، وآسيا, وأوروبا، ودائما ما كانت تكون على حساب المروجين لها. فهل علينا نحن الاستمرار في تشجيع أبناء وطننا على نهج التقسيم والانفصال، وبعدها نتحدث عن مؤامرة دولية حيكت ضد بلدنا؟ بالتأكيد لا.
إن بلدنا ـ وكما هو الحال بالنسبة لمعظم بلدان المغرب والساحل ـ يعاني من الطائفية والعرقية، التي تعيش على نفس المساحة الإقليمية. والتنوع الذي نحظى به بدلا من أن نستثمره في أن يكون عامل إثراء، أضحى عنصر تهديد للجميع.
إن دور القيادة على وجه التحديد أن تكون منفتحة، والأولوية اليوم وفي أقرب وقت باتت وقف دوامة "الانتحارية" التي ستقودنا إلى كارثة، وعلى القادة أن يعودوا إلى العقل التقليدي، الذي هو روح التسامح الاجتماعي بطريقة عملية، ويوجد حضور لهذا المثال في منطقة المغرب والساحل.
وحول هذه النقطة على الجميع أن يعلم أنه بالفردانية لا يمكن للدولة أن تتقدم، وعلينا أن نعيش مع موقعنا الجغرافي.
وفي سياق المغرب والساحل، وحتى لا نواصل في الاستفراد هناك ثلاث حالات طوارئ يجب أن يتم حلها بشكل نهائي:
أولا: السكان الذين يعانون من آثار أحداث سنوات 1987ـ1991، فهؤلاء يجب أن يطمأنوا من خلال انتمائهم للوطن.
ثانيا: قضية الحراطين والتي تعتبر مثالا لدينا على عدم الكفاءة السياسية، يجب أن تبقى لصيقة بمشكل الحرية، وحقوق الإنسان، وإدماج اقتصادي، وليست أزمة عرقية.
ثالثا: هناك ضرورة ملحة بوقف العمل على خلق شروخ جديدة في النسيج الاجتماعي، وهكذا فإن تطبيق قوة القانون ـ عقوبة الإعدام التي أعلنت فقط ضد أحد الشباب في نواذيبو ـ يزيد من خطورة وضعيتنا، فمن مصلحة البلد إطلاق سراحه، لأن ذلك يعتبر قضية حتمية.