ان “ينصح” الأمير تركي الفيصل رئيس جهاز الاستخبارات السعودي الأسبق، والمسؤول عن ملف العلاقات السرية السعودية الإسرائيلية، الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بعدم المضي قدما في تعهداته بإلغاء الاتفاق النووي مع ايران، لما يمكن ان يترتب على هذا الالغاء من تداعيات خطيرة، فإن هذه النصيحة “العقلانية” تشكل انقلابا في السياسة السعودية التي عارضت هذا الاتفاق بقوة، وبذلت جهودا كبيرة لمنعه، ووصل الامر الى درجة فتح قنوات حوار مع تل ابيب.
لا بد ان الأمير الفيصل ادرك ان هذا الاتفاق يشكل ضمانة، لاكثر من عشر سنوات على الاقل، لمنع ايران من انتاج أسلحة نووية، ولذلك لا بد من الحفاظ عليه في الوقت الراهن في ظل الازمة المالية السعودية، وتعثر “الحروب” السعودية في تحقيق أهدافها في اليمن وسورية، وتدهور علاقاتها مع معظم دول الجوار خاصة مصر والعراق، وانسحابها من لبنان، وبما لا يناسب الدخول في سباق نووي، او التورط في حروب جديدة مباشرة او غير مباشرة.
ترامب وصف الاتفاق النووي اثناء حملته الانتخابية بأنه كارثي، وتعهد بأن الغاءه سيكون على قمة أولوياته عندما يستلم الحكم في 20 يناير (كانون ثاني) المقبل ربما استجابة لضغوط إسرائيلية، ولكن هذا الإلغاء قد يكون اجمل هدية يقدمها لإيران، ومرشدها الأعلى، الذي ابدى في الأشهر الأخيرة تململا من عدم تحقيق هذا الاتفاق النتائج المأمولة منه في رفع الحصار الاقتصادي المفروض على ايران الا بشكل جزئي.
***
ايران التزمت بكل بنود هذا الاتفاق، ووكالة الطاقة الذرية التي تشرف على اعمال مراقبته اكدت اليوم في بيان رسمي ان ايران تفي بكل التزاماتها بالشكل المطلوب، وهو بيان تحذيري للرئيس الأمريكي الجديد جاء في التوقيت الملائم، ولكن خطوات رفع الحصار الاقتصادي عنها ما زالت تتسم بالبطء، وباتت أصوات داخل الإدارة الامريكية الحالية تطالب بتشديده، وفرض عقوبات اقتصادية جديدة بسبب البرنامج الإيراني لانتاج صواريخ باليستية اكثر تطورا وخطورة.
البديل لالغاء الاتفاق قد يكون خطيرا جدا، وقد يعني بكل بساطة استئناف ايران لتخصيب اليورانيوم بدرجة عالية جدا، والمضي قدما في تحقيق طموحاتها النووية، وعلى اساس المثل الذي يقول “بركة يا جامع جاءت منك وليس مني”.
رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بهروز كمالوندي وجه اليوم الاثنين تحذيرا قويا لترامب قال فيه “ان بلاده مستعدة لكل السيناريوهات المحتلة بعد تولي الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب.. كما اننا مستعدون أيضا للسيناريو الأسوأ”.. وأوضح “ان ايران قادرة من الناحية التقنية على عملية تخصيب اليورانيوم بشكل سريع وسنصل الى مستوى التخصيب الذي كنا عليه قبل الاتفاقية، وربما يمكن تجاوزه”.
السيد كمالوندي يعني ما يقول، فإيران ما زالت تملك آلاف أجهزة التخصيب، مثلما تملك مئات العلماء، والعقول التي يمكن ان تشرف على تشغيلها، أي انها حافظت على هذه الأجهزة، وعارضت أي تدمير لها في المفاوضات الماراثونية، وحمت أرواح علمائها من عمليات الاغتيال الإسرائيلية.
***
الغاء الاتفاق، وعودة ايران الى التخصيب مجددا، يعني عودة التوتر، وربما الحرب، ولا نعتقد ان الرئيس الأمريكي الجديد الذي يتصرف بعقلية التاجر (البزنس مان) يريد ان يتوصل وادارته الى هذه المصيدة الكارثية، كما اننا لا نعتقد أيضا ان حلفاء أمريكا القدامى في منطقة الخليج يستطيعون انفاق المليارات لشراء صفقات أسلحة جديدة.
نتفق، وللمرة الأولى، ونأمل ان لا تكون الأخيرة، مع الأمير الفيصل في نصيحته هذه للرئيس الأمريكي الجديد بالحفاظ على الاتفاق النووي الإيراني على حاله، وتكون هذه النصيحة مقدمة لمراجعة سياسات سعودية منفعلة ومتعجلة، وابرزها التقرب من إسرائيل والتفكير في تحالف معها، لمواجهة ما تسميه بـ”الخطر الإيراني” المشترك.