اليوم العالمي لمنع العنف ضد المرأة، الذي صادف أمس الجمعة، هو مناسبة سنوية لتذكيرنا بالوضع الكارثيّ ليس للنساء فحسب، بل بالمعضلة التي تواجه الجنس البشري بأكمله، فالعلاقة بين الجنسين ليست علاقة بين عدوّين يحاول الواحد إفناء الآخر (أو أن هذا ما تقوله البداهة الإنسانية) بل علاقة بين جنسين لا يمكن للواحد أن يستمر من دون وجود الآخر.
وعلى الرغم من كل أطوار التحضر والمدنية ومن ظهور الشرائع الأممية للدفاع عن حقوق البشر والمرأة والطفل واللاجئين والفقراء والأقليات الإثنية والدينية فإننا ما نزال نشهد وقائع مذهلة وأرقاما لا تصدّق للعنف الذي تتعرض له المرأة، فثلث النساء في العالم تعرضن لعنف جسدي أو جنسي ـ سبعون بالمئة من هذا العنف يمارسه الزوج أو الشريك. أكثر من 120 مليون فتاة (أي أكثر بقليل من 1 من كل عشر فتيات في العالم) أجبرن على ممارسات جنسية. هناك 200 مليون امرأة وفتاة على الأقل تعرّضن لعملية «الختان الفرعوني» أو لتشويه أعضائهن الجنسية، وآلاف يقتلن بدعاوى الدفاع عن الشرف.
تعرض المرأة والفتاة للعنف يهشم كرامتها ويجعلها تعيش في خوف وألم وفي أحيان كثيرة يكلّفها حياتها نفسها. يحفر العنف في أعماق الحريات التي يُفترض لكل البشر أن يتمتعوا بها: الحق بحياة آمنة في بيتها، والحق بالسير بأمان في الشوارع، وبالذهاب إلى المدارس والعمل والأسواق.
الحفاظ على هذه الحقوق، في بلدان تحترم مواطنيها، تفترض إصدار قوانين تحمي هذه الحرّيات وتقدّم العناية الصحّية والنفسية والملجأ للضعفاء والمضطهدين، وهو أمر لا يبدو من مشاغل السلطات التشريعية والتنفيذية العربية، فالحصول على حماية القانون أمر مكلف وصعب، هذا إن لم يكن القانون أصلاً مكتوباً لحماية أسس التمييز والاضطهاد والتحيّز ضد النساء (هناك دولتان عربيتان فقط هما المغرب والأردن تجرمان العنف ضد المرأة).
التقارير التي تنشرها «القدس العربي» اليوم حول النساء العربيات مفزعة، فحسب وزيرة المرأة والأسرة والطفولة التونسية نزيهة العبيدي فإن أكثر من نصف نساء تونس يتعرضن للعنف في الوسط الأسري، و90 في المئة من النساء يتعرضن للعنف في الحياة العامة، فيما تقول بسيمة الحقاوي، وزيرة التضامن والمرأة والأسرة المغربية إن أكثر من 66 في المئة من حالات العنف الجنسي المسجلة ضد النساء يجري في الأماكن العامة. وفي مصر، بحسب دراسة للأمم المتحدة، فإن أكثر من 99 في المئة من النساء المصريات يتعرضن للتعنيف، وكلّها أرقام مهولة وتضعنا أمام سؤال كبير: لماذا؟
الأجوبة المعتادة من المؤسسات الأممية تشير إلى عناصر كضعف التعليم، والعنف خلال فترة الطفولة، والإدمان والمواقف المسبقة ضد المرأة، كما يتعرض البعض لدور الفقر، وبعض المحللين الأكثر تعمّقاً يربطون الأمر بالأزمات والحروب وطبيعة الأنظمة السياسية التي تكرّس التمايزات الاجتماعية وتؤسس للعنف ضد المجتمع بشكل ممنهج، وكل هذه الأجوبة تتمتع بدرجة كبيرة من المنطق.
غير أن الأمر الذي لا يخضع للمنطق هو استمرار العنف ضد النساء بشكل يفيض عن الحروب والأنظمة السياسية والفقر وقلة العلم، فمستوى العنف ضد المرأة في الأنظمة الديمقراطية الغنيّة أقلّ من نظيراتها في العالم لكنّه موجود ولم ينحسر (43 بالمئة من النساء في الـ28 دولة التي تنتمي للاتحاد الأوروبي تعرضن لشكل من العنف من قبل شركائهن).
«البقع الحمراء» التي يزداد فيها العنف ضد المرأة تشمل كل القارات والنظم السياسية والحضارات والأديان، بما فيها أوروبا وأمريكا وأوقيانوسيا، وهو أمر يشير إلى تجذّر عقلية الإساءة للنساء لدى الرجال من كل الثقافات، وأن المشكلة أكثر صعوبة مما نظن، وأن الطريق للخروج من هذا النفق المظلم في تاريخ البشرية ما زال طويلا.
رأي القدس