في يوم الثامن والعشرين من شهر نوفمبر سيتم ـ وكما ما جرت به العادة ـ توشيح عدد من الموظفين الذين لا يُعرف من أين جيء بهم، ولا كيف تم اختيارهم، ولا بِمَ تميزوا عن غيرهم من الموظفين حتى يوشحوا، فالتوشيحات والتكريمات في هذه البلاد لا تخضع لأي منطق، ولا تمنح وفق معايير ومقاييس محددة،
وكدليل على ذلك فيكفي أن نعلم بأنه في العام الماضي قد تم توشيح رجل الأعمال "محمد ولد انويكظ" بوسام فارس في نظام الاستحقاق الوطني، وذلك على الرغم من أن رجل الأعمال الموشح بوسام فارس هو سجين سابق بتهمة الفساد، وكان الرئيس الحالي قد سجنه في شهر دجمبر من العام 2009 بتهمة نهب المليارات فيما عُرف حينها بملف البنك المركزي.
إن التوشيحات والتكريمات التي كان من المفترض أن تخصص للذين تميزوا وأبدعوا في تخصصاتهم قد تم تمييعها مثل كل الأشياء الأخرى، وأصبحت تمنح لكل من هب ودب ولا يُحرم منها في الغالب إلا من يستحقها فعلا.
ومساهمة مني في إعادة الاعتبار لهذه التوشيحات والتكريمات، فإني اقترح على الرئيس أن يدرج في توشيحات هذا العام بعض الأسماء التي تركت بصمة خاصة في قطاعاتها، والتي استطاعت ـ وبكل جدارة ـ أن تتميز عن غيرها. وفي هذا الإطار فإني أقترح على الرئيس أن يوشح وزيرا استطاع أن يتميز عن غيره من الوزراء، وذلك على الرغم من أن الحكومة الحالية تضم عددا من الوزراء المتميزين الذين استطاعوا أن يحققوا ـ وبفضل التوجيهات السامية والتعليمات النيرة ـ انجازات كبرى وقفزات نوعية في قطاعاتهم، ولكن، وعلى الرغم مما حققه أولئك الوزراء من إنجازات هامة إلا أنها تبقى في مجملها إنجازات تافهة إذا ما قورنت بإنجازات الوزير المقترح توشيحه في هذا العام بوسام خاص لم يمنح لوزير من قبله، ويجب أن لا يمنح لوزير من بعده.
هذا الوزير يستحق أعلى وسام في نظام الاستحقاق الوطني، وذلك تقديرا لما بذل من جهود في قطاعه، فهذا الوزير قد استطاع بفضل جهوده الجبارة أن يضر بكل طالب، فهو الذي قطع المنح، وهو الذي حرم المتفوقين في بعض الشعب من الدراسة في الخارج، وهو الذي قرر أن يضيع مستقبل 91 من الطلاب المهندسين.
هذا الوزير رفض تطبيق قرار الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا (أعلى هيئة قضائية)، والقاضي بتمكين الطلاب من التسجيل في السنة الأولى من سلك المهندسين بالمدرسة العليا متعددة التقنيات، وذلك على الرغم من إلزامية تنفيذ القرار بعد تبليغه، هذا القرار أكدته المحكمة للمرة الثانية، ورفضه الوزير للمرة الثانية.
يصر الوزير على أن لا ينفذ أحكام القضاء الموريتاني وذلك على الرغم من تأكيد الحكم من طرف أعلى هيئة قضائية في البلاد.
ويصر الوزير على أن يلغي بكل شعارات الرئيس في سلة المهملات. ألم يرفع الرئيس شعار الاهتمام بالتخصصات العلمية وذلك بعد أن أعلن ازدراءه للشعر والشعراء؟ فإذا كان الرئيس قد أعلن عن اهتمامه بالتخصصات العلمية فها هو الوزير يضيع مستقبل 91 طالبا من أصحاب التخصصات العلمية.
وإذا كان الرئيس قد أعلن عن اهتمامه بالشباب، فها هو الوزير يضيع مستقبل 91 شابا من خيرة شباب البلد.
وإذا كان الرئيس قد أعلن عن اهتمامه بالتعليم وخصص سنة غير كاملة للتعليم وسماها بسنة التعليم، فها هو الوزير يصيب التعليم العالي في مقتل، وها هو يحرم 91 طالبا من مواصلة تعليمهم بشكل طبيعي، ويجبرهم على أن يضيعوا سنة كاملة إذا ما أرادوا أن يواصلوا تعليمهم.
وإذا كان الرئيس قد صرح أكثر من مرة بأنه يعمل على استقلالية القضاء وعلى احترامه، فها هو الوزير يرمي بأحكام أعلى هيئة قضائية في مكب النفايات.
ألا يستحق هذا الوزير بعد كل هذه الانجازات العملاقة أعلى وسام في نظام الاستحقاق الوطني وذلك لاستهزائه بالعلم وبالقضاء وبالشباب؟
بلى، إنه يستحق التوشيح، أما الطلاب فلهم الخيار في أن يتحولوا إلى إرهابيين في القاعدة، أو إلى عصابة من المجرمين، أو أن ينتحر أحدهم عند أسوار القصر الرئاسي فربما لو فعلوا شيئا من ذلك لوجدوا تعاطفا من السلطة، ولكنه سيبقى ـ في كل الأحوال ـ تعاطفا من بعد فوات الأوان.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل
[email protected]