دعت المعارضة الموريتانية المتشددة في بيان صدر أمس بشكل موحد بين جناح تكتل القوى بزعامة أحمد ولد داداه ومنتدى الديمقراطية والوحدة «الشعب الموريتاني وكل القوى الوطنية من أحزاب سياسية ومنظمات مدنية وتجمعات ومبادرات شبابية لتنسيق الجهود ووحدة العمل وتصعيد النضال، من أجل الوقوف في وجه» ما أسمته «مناورات الجنرال محمد ولد عبد العزيز وإفشال مخططاته، الرامية الى إثارة الفتنة، والعبث بالدستور ورموز الوطن، والاستمرار في اختطاف الدولة».
وأكدت المعارضة في أول رد فعل موحد لها على مخرجات الحوار الذي نظمته الحكومة «أن التعديلات الدستورية المقترحة ليست مخرجات حوار وطني حقيقي لأنها تقتصر على الاقتراحات التي أعلن عنها ولد عبد العزيز في النعمة وتلك التي أضافها حزبه أثناء حوار أحادي، أصر النظام على إجرائه «بمن حضر» في أجواء كرنفالية لا تمتُّ بأي صلة للنقاش السياسي البنّاء، إضافة الى ذلك، فهي لا تكتسي أي طابع استعجالي ولا تحمل أي حل للمشاكل العميقة التي تعاني منها موريتانيا وبخاصة الأزمة السياسية المتمثلة في عدم حياد الدولة واختطافها لصالح النظام ضد الفرقاء السياسيين الآخرين».
وشددت المعارضة على «أن التعديلات المقترحة من طرف الحكومة لا تقدم أي حل للقضايا المجتمعية المُلحة مثل العبودية ومخلفاتها والوحدة الوطنية ومتطلباتها بدءا بتصفية الإرث الإنساني، وتسكت على سوء الحكامة المتمثل في استشراء الفساد والنهب والرشوة وانهيار الإدارة».
وتحدثت في بيانها عن تغيير العلم وتمجيد المقاومة، فأكدت أنها «مجرد مناورة ديماغوجية جديدة يحاول النظام ركوبها بعد أن أفلس شعار «مكافحة الفساد» وتبين للجميع مدى فساد هذا النظام الذي يرفض رأسه التصريح بالثروة التي كدسها منذ استلامه السلطة في خرق سافر للقانون، وبعد سقوط شعار «رئيس الفقراء» حيث أصبح المواطنون يزدادون فقرا ورأس النظام وذووه يزدادون ثراء وبطرا يوما بعد يوم، وبعد أن تعرى شعار «الشباب هو الأمل» وأصبح مئات الآلاف منهم فريسة للبطالة وانسداد الآفاق وضياع الأمل».
«إنها محاولة جديدة، يضيف البيان، لحجب إخفاقات النظام وإلهاء الشعب من خلال مهاترات وخلافات عقيمة عن مشاكله الحقيقية كالفقر، وغلاء المعيشة، وارتفاع الأسعار، وتفشي البطالة، وضياع الشباب، وفساد التعليم، وقصور الصحة، وضعف النفاذ للعدالة والخدمات العامة».
وتابعت المعارضة في بيانها قائلة «لقد فجر النهج الكارثي لولد عبد العزيز كل النعرات داخل هذا الشعب، وأصبح المجتمع الموريتاني يعاني أكثر من أي وقت مضى العديد من التناقضات الحادة، العرقية والشرائحية والجهوية والقبلية، التي تذكيها يوميا تصرفات وسياسات النظام الحالي، مما يشكل تهديدا حقيقيا للمجتمع في تعايشه وللبلد في كيانه».
«إن موريتانيا أحوج اليوم، تضيف المعارضة، لمن يتدارك وحدتها ويرمم لحمة شعبها ويحل المشاكل التي تعوق انسجامه، بدل طرح قضايا خلافية جديدة تزيده اصطفافا وتنافرا، وذلك بإثارة الفتنة وتفكيك المجتمع عن قصد وإصرار».
وجزمت بأنه «لا يجوز تعديل الدستور الاّ في ظل وضع سياسي طبيعي ومن أجل حل قضايا أساسية تعوق سير المؤسسات أو تعرقل تقدم الامة، بينما التعديل المقترح لا يحمل سوى الخلافات ويتم في غياب تام لحياد الدولة، وفي ظل أزمة سياسية حادة، ومؤسسات دستورية بعضها مُنتهي الصلاحية وبعضها مُنتخب في ظروف غير توافقية».
وأضاف البيان «لا يمكن تنظيم أي استفتاء أو انتخابات ذات مصداقية في الظروف الراهنة إلا بوجود آليات وضمانات حقيقية للشفافية وحياد تام للدولة وهيئات تنظيم وإشراف غير مشكوك في قدرتها ونزاهتها واستقلاليتها، كما لا يمكن إجراء أي استحقاق حر ونزيه قبل مراجعة عميقة للسجل الانتخابي تُمكن من استيفائه للمستوى المطلوب، ورفع العراقيل التي تحرم أعدادا كبيرة من المواطنين من الحصول على أوراقهم المدنية».
وأكدت المعارضة «أنه لا يوجد أي مبرر لتغيير العلم الوطني الذي أصبح رمزا لموريتانيا منذ استقلالها، حيث عرفت به في كل المحافل الدولية واستشهد العديد من أفراد قواتها المسلحة دفاعا عنه، وتربى الأطفال والجنود والضباط وكل الموريتانيين على تحيته واحترامه، وأصبح جزءا من وجدان هذا الشعب وتاريخه وتراثه وذاكرته الجمعية، فقد تعاقب على هذا البلد، منذ الاستقلال، تضيف المعارضة، العديد من الأحكام المدنية والعسكرية، كما احتضن العديد من الحركات السياسية التي لا يمكن لأي أحد أن يشكك في وطنيتها، ولم يطالب أي من هذه الأحكام أو الحركات بتغيير رموز الوطن ولم يطعن فيها، فلماذا هذا التغيير الآن بالذات، وما هي دوافعه الحقيقية ؟».
وتوقف البيان أمام مسألة إعادة الاعتبار للمقاومة، فأكدت أنه «يتطلب قبل كل شيء إعادة الاعتبار للقيم التي قامت عليها والتي من ضمنها صونُ حرية المواطن واحترام حقوقه وكرامته، تلك القيم التي لا تلقى من النظام الحالي سوى الاستهتار والاحتقار، إذ يعمل بشتى الوسائل للقضاء عليها». «يجب أن تتم إعادة الاعتبار للمقاومة، تضيف المعارضة، دون المساس بالثوابت والرموز الأخرى، وذلك عبر كتابتها بعيدا عن الديماغوجية، ودمجها في المناهج الدراسية، وبناء النصب التذكارية، وتسمية الشوارع والثكنات والدفعات العسكرية والجامعية والمدارس وغيرها من المؤسسات بأسماء المقاومين وترميم أضرحتهم وتعهدها».
وبخصوص دسترة المجالس الجهوية، التي ستحل محل مجلس الشيوخ أكدت المعارضة «أنه رغم أهمية هذه المجالس المبدئية وقيمتها التنموية فإن دسترتها ليست ضرورية، لأن ذلك لن يجعلها أحسن حظا من المؤسسات الدستورية الموجودة والتي أفرغها النظام من محتواها وجردها من كل الصلاحيات التي يمنحها لها القانون والتي تتمتع بها نظيراتها في البلدان الشبيهة».
وفيما يتعلق بإلغاء مجلس الشيوخ أكدت المعارضة «أن إلغاءه لا يستساغ خارج التوافق الغائب في حالة هذا الاستفتاء، وبخاصة أن هذا المجلس، الذي يُحمل ما لا يحتمل، إذا ما قورن مع غيره من المؤسسات والهيئات، لم يعرقل طيلة العشرين سنة الماضية سير الدولة ولا مؤسساتها، أما العلاقة المزعومة بينه وبين المجالس الجهوية حيث تعوضه في حالة إقرارها فتفتقد كل أساس حيث أنها لا تتقاطع ولا تتعارض معه، لا في طبيعتها ولا في وظائفها، فمجلس الشيوخ هيئة تشريعية وطنية والمجالس الجهوية أدوات للتنمية الجهوية».
وخلصت المعارضة في الأخير لتأكيد «أن المشكلة لا تكمن في إلغاء مؤسسة أو إضافة أخرى، بل في طريقة تسيير الدولة، ففي ظل النظام الحالي لا يوجد تحديد ولا فصل للسلطات، بل لا توجد سلطات أصلا غير تلك المتمركزة في يد رأس السلطة، يتصرف بها حسب الأهواء والنزعات في خرق سافر للنظم والقوانين، وبالتالي لن تكون هناك فائدة لأي هيئة ما لم تستعد الدولة سيرها الطبيعي وتستعيد المؤسسات وظائفها التقليدية».
يذكر أن المعارضة الموريتانية المتشددة أصدرت بيانها هذا في مؤتمر صحافي يجمع بين كل أطيافها وهي خطوة تؤكد المعارضة من خلالها أنها بصدد التوجه نحو عمل سياسي موحد لإفشال الأجندة التي رسمها الرئيس محمد ولد عبد العزيز وأغلبيته، ومعارضة الوسط والتي تشمل بين أمور أخرى تنظيم استفتاء شعبي مطلع السنة المقبلة لإقرار تعديلات دستورية تلغي مجلس الشيوخ وهيئات دستورية أخرى وتعيد تشكلة المجلس الدستوري.
نواكشوط – «القدس العربي»