تتجه موريتانيا، على ما يبدو، نحو شتاء سياسي ساخن بعد أن انسد الأفق أمام إيجاد صيغة تجعل النظام يوقف أجندته السياسية ويفتح الباب أمام التحاق المعارضة المتشددة بحوار توافقي آخر يخرج البلد من حالة التجاذب.
فقد حرص الرئيس الموريتاني في خطابه بمناسبة عيد الاستقلال قبل يومين على التأكيد بأنه ماض في تنفيذ أجندته القائمة على تطبيق مخرجات الحوار الذي قاطعته المعارضة الراديكالية، مشددا قوله « أن موريتانيا شهدت حوارا سياسيا شاملا، ستساهم مخرجاته في تعزيز الديمقراطية وإرساء دولة القانون والحكم الرشيد».
وقال «لقد عملنا جاهدين خلال السنوات الأخيرة على ترسيخ القيم الديموقراطية في موريتانيا وترقية الحريات الجماعية والفردية واعتماد آلية الحوار نهجا للتعامل مع الطيف السياسي الوطني، وقد شكلت النتائج الإيجابية للحوار الوطني الأخير دفعا جديدا لمسيرة موريتانيا نحو عصرنة مؤسسات الدولة».
ولم يفوت الرئيس الموريتاني فرصة جولته التي أنهاها أمس للمناطق الشمالية، فجدد تمسكه بأجندة الحوار حيث قال «قمنا بتنظيم حوار وطني شامل بمشاركة الأغلبية وجل أحزاب المعارضة، وذلك بعد سنوات من التحضير والإعداد، وهو ما توج بتوقيع اتفاق سياسي ينظم قضايا أساسية تتعلق بالمستقبل السياسي للبلاد وتنص مخرجاته على تنظيم استفتاء وطني سيشارك فيه الجميع بكل حرية». وقال «أعتقد أن الجميع اطلع على مضامين هذه المخرجات، التي ستؤول في النهاية إلى المواطنين لتقديم آرائهم بشأنها في استفتاء ينظم مطلع العام المقبل». وكانت المعارضة الموريتانية قاسية في ردها على الرئيس حيث اعتبر قادتها في مؤتمرهم الصحافي الأخير الذي حرصوا فيه على إظهار وحدتهم أن «الأجندة الحكومية مجرد مناورة من مناورات الجنرال محمد ولد عبد العزيز الرامية الى إثارة الفتنة، والعبث بالدستور ورموز الوطن، والاستمرار في اختطاف الدولة». وأكد أحمد ولد داداه «أن التعديلات الدستورية المقترحة ليست مخرجات حوار وطني حقيقي لأنها تقتصر على الاقتراحات التي أعلن عنها ولد عبد العزيز في النعمة وتلك التي أضافها حزبه أثناء حوار أحادي، أصر النظام على إجرائه «بمن حضر» في أجواء كرنفالية لا تمتُّ بأي صلة للنقاش السياسي البنّاء». وأوضح بيان مشترك بين أقطاب المعارضة الثلاثة وهي منتدى الديموقراطية وحزب التناوب الديموقراطي وتكتل القوى الديموقراطية» أن التعديلات المقترحة من طرف الحكومة لا تقدم أي حل للقضايا المجتمعية المُلحة مثل العبودية ومخلفاتها والوحدة الوطنية ومتطلباتها بدءا بتصفية الإرث الإنساني، وتسكت على سوء الحكامة المتمثل في استشراء الفساد والنهب والرشوة وانهيار الإدارة».
وتحدثت المعارضة في بيانها عن تغيير العلم وتمجيد المقاومة، فأكدت أنها «مجرد مناورة ديماغوجية جديدة يحاول النظام ركوبها بعد أن أفلس شعار «مكافحة الفساد» وتبين للجميع مدى فساد هذا النظام الذي يرفض رأسه التصريح بالثروة التي كدسها منذ استلامه السلطة في خرق سافر للقانون، وبعد سقوط شعار «رئيس الفقراء» حيث أصبح المواطنون يزدادون فقرا ورأس النظام وذووه يزدادون ثراء وبطرا يوما بعد يوم، وبعد أن تعرى شعار «الشباب هو الأمل» وأصبح مئات الآلاف من الشياب فريسة للبطالة وانسداد الآفاق وضياع الأمل». وجزمت المعارضة بأنه «لا يجوز تعديل الدستور الاّ في ظل وضع سياسي طبيعي ومن أجل حل قضايا أساسية تعوق سير المؤسسات أو تعرقل تقدم الامة؛ بينما التعديل المقترح لا يحمل سوى الخلافات ويتم في غياب تام لحياد الدولة، وفي ظل أزمة سياسية حادة، ومؤسسات دستورية بعضها منتهي الصلاحية وبعضها منتخب في ظروف غير توافقية».
وأضاف البيان «لا يمكن تنظيم أي استفتاء أو انتخابات ذات مصداقية في الظروف الراهنة إلا بوجود آليات وضمانات حقيقية للشفافية وحياد تام للدولة وهيئات تنظيم وإشراف غير مشكوك في قدرتها ونزاهتها واستقلاليتها، كما لا يمكن إجراء أي استحقاق حر ونزيه قبل مراجعة عميقة للسجل الانتخابي تُمكن من استيفائه للمستوى المطلوب، ورفع العراقيل التي تحرم أعدادا كبيرة من المواطنين من الحصول على أوراقهم المدنية».
وأكدت المعارضة «أنه لا يوجد أي مبرر لتغيير العلم الوطني الذي أصبح رمزا لموريتانيا منذ استقلالها، حيث عرفت به في كل المحافل الدولية واستشهد العديد من أفراد قواتها المسلحة دفاعا عنه، وتربى الأطفال والجنود والضباط وكل الموريتانيين على تحيته واحترامه، وأصبح جزءا من وجدان هذا الشعب وتاريخه وتراثه وذاكرته الجمعية، فقد تعاقب على هذا البلد، منذ الاستقلال، تضيف المعارضة، العديد من الأحكام المدنية والعسكرية، كما احتضن العديد من الحركات السياسية التي لا يمكن لأي أحد أن يشكك في وطنيتها، ولم يطالب أي من هذه الأحكام أو الحركات بتغيير رموز الوطن ولم يطعن فيها؛ فلماذا هذا التغيير الآن بالذات، وما هي دوافعه الحقيقية ؟». وبخصوص دسترة المجالس الجهوية، التي ستحل محل مجلس الشيوخ أكدت المعارضة «أنه رغم أهمية هذه المجالس المبدئية وقيمتها التنموية فإن دسترتها ليست ضرورية، لأن ذلك لن يجعلها أحسن حظا من المؤسسات الدستورية الموجودة والتي أفرغها النظام من محتواها وجردها من كل الصلاحيات التي يمنحها لها القانون والتي تتمتع بها نظيراتها في البلدان الشبيهة».
وفيما يتعلق بإلغاء مجلس الشيوخ أكدت المعارضة «أن إلغاءه لا يستساغ خارج التوافق الغائب في حالة هذا الاستفتاء، وبخاصة أن هذا المجلس، الذي يُحمل ما لا يحتمل، إذا ما قورن مع غيره من المؤسسات والهيئات، لم يعرقل طيلة العشرين سنة الماضية سير الدولة ولا مؤسساتها، أما العلاقة المزعومة بينه وبين المجالس الجهوية حيث تعوضه في حالة إقرارها فتفتقد كل أساس حيث أنها لا تتقاطع ولا تتعارض معه، لا في طبيعتها ولا في وظائفها؛ فمجلس الشيوخ هيئة تشريعية وطنية والمجالس الجهوية أدوات للتنمية الجهوية».
وخلصت المعارضة في الأخير لتأكيد «أن المشكلة لا تكمن في إلغاء مؤسسة أو إضافة أخرى، بل في طريقة تسيير الدولة، ففي ظل النظام الحالي لا يوجد تحديد ولا فصل للسلطات، بل لا توجد سلطات أصلا غير تلك المتمركزة في يد رأس السلطة، يتصرف بها حسب الأهواء والنزعات في خرق سافر للنظم والقوانين، وبالتالي لن تكون هناك فائدة لأي هيئة ما لم تستعد الدولة سيرها الطبيعي وتستعيد المؤسسات وظائفها التقليدية».
وتؤكد هذه المواقف المتباينة والمرارة التي طبعت تصريحات وبيانات المعارضة أن موريتانيا مقبلة بالفعل على شتاء سياسي ساخن.
وفيما تواصل الحكومة تهيئة التعديلات الدستورية المقررة والتحضير لتنظيم الاستفتاء، تعد المعارضة عدتها لإفشال الأجندة الحكومية عبر مسيرات وتظاهرات على مستوى العاصمة وفي مناطق الداخل، وهو ما سيؤدي لصدامات وتجاذبات في ساحة بالغة الحساسية.
عبد الله مولود
نواكشوط – القدس العربي