هناك فصول عديدة مؤلمة في المحنة السورية، لكن اكثرها ايلاما بالنسبة الينا ان يخرج علينا بنيامين نتنياهو، ويقول في لقائه السنوي مع المراسلين الاجانب الذين يعملون في تل ابيب، ان حكومته طلبت من وزارة خارجيتها ان تبحث عن سبل لجلب مواطنين سوريين جرحى من مدينة حلب كي يتلقوا العلاج في المستشفيات الاسرائيلية، ويؤكد ان دولة الاحتلال الاسرائيلي عالجت آلاف الجرحى السوريين.
نتنياهو الذي يرأس حكومة في دولة تحتل اراضي عربية من ضمنها مرتفعات الجولان، وقتلت وذبحت، وما زالت تقتل وتذبح عشرات، ان لم يكن مئات الآلاف من العرب والمسلمين، يتباكى على الجرحى السوريين، ويريد علاجهم في مستشفياته، انها ذروة المأساة، وقمة الهوان العربي.
من المؤكد ان رئيس الوزراء الاسرائيلي الذي لم تتوقف طائراته عن قصف سورية، وقبلها قطاع غزة، وتنفذ قوات امنه اعدامات جماعية للمنتفضين الفلسطينيين ضد احتلاله في الضفة الغربية وقطاع غزة، يريد استغلال هذا الظرف السوري الصعب، وما يعيشه من انقسامات بين ابناء البلد الواحد، للمتاجرة بمأساة حلب، وما حل بأهلها من قتل وتدمير، ويجد من يشتري بضاعته هذه المغموسة بالدم السوري والمصري واللبناني والفلسطيني، والقائمة تطول.
نعم هناك الآلاف من السوريين على جانبي الحدود مع حلب، بحاجة الى الرعاية الطبية، لانقاذ حياتهم من اصاباتهم الجسمانية والنفسية ايضا، ولكن ليس من قبل نتنياهو ومستشفياته واطبائه، وانما من اهلهم العرب والمسلمين، فهناك اكثر من 56 دولة عربية واسلامية، وبعضها يملك مئات المليارات من الدولارات، ومستشفيات هي الاحدث في العالم.
من المؤسف ان الدول العربية التي مولت الحرب في سورية بالمال والسلاح، وتخلت عن اهل حلب في اللحظات الصعبة، لم تتقدم مطلقا بالعرض الذي نسمع به بارسال بعثات طبية او مستشفيات ميدانية لتقديم الرعاية الصحية لهم، دون اي تمييز يقوم على اسس طائفية وعرقية وسياسية، فإنقاذ هؤلاء الجرحى بات مسألة انسانية صرفة، وواجب وطني واخلاقي.
نفهم، ولا يمكن ان نتفهم، الاعذار التي تعذرت بها هذه الدول، لاغلاقها حدودها ومطاراتها في وجه اللاجئين السوريين، بينما فتحتها دول الجوار العربي الفقيرة ماديا، والغنية اخلاقيا، وكرامة وشرفا مثل الاردن ولبنان، ولكننا لا يمكن ان نقبل، او نتفهم ايضا، عدم التطوع لعلاج الجرحى السوريين، وهم الذين يدعون ليل نهار بأنهم حريصون على الشعب السوري، ويريدون له الديمقراطية وحقوق الانسان واسقاط النظام الديكتاتوري.
عندما يعتقد بعض العرب ان دولة الاحتلال لم تعد عدونا، بل حليفا يمكن الاعتماد عليها، ويسعون للتطبيع معها، فلما نستغرب تقدم نتنياهو بعرضه المهين والمخجل هذا، انه زمن الردة والسقوط.