قال الأديب والشاعر الموريتاني، المختار السالم، إن الثقافة العربية عامة “تعيش محنة شديدة وسنوات عجاف”؛ بسب انتشار “الثقافة الظلامية والتغريبية”، فيما يعاني المثقفون في موريتانيا “عزلة محكمة إلى حد مخيف”؛ فهم “بلا وسائل ولا محفزات”؛ ما أدى إلى تراجع إنتاجهم كثيرا.
ففي مقابلة مع وكالة الأناضول، علق السالم (48 عاما) على حال الساحة الثقافية والأدبية في الوطن العربي، معتبرا أنها “مخيبة للآمال.. وعلامة خيبة الأمل هو هذا الكم من الثقافة الظلامية والتغريبية، التي تغزو بلاد النصف مليار مواطن عربي في هذا العالم”.
وبأسى، مضى قائلا: “الثقافة العربية في محنة شديدة؛ بعد سقوط عواصم الضاد الكبرى في يد مليشيات تعمل خادمة للمحتل أو الطامع أو الغازي.. مليشيات تتقاسم الدم والظلام والجهل”.
لكن رغم كل ذلك، لا يبدو متشائما، فوفقا له: “لا بدّ أن تشرق الشمس.. ومن هذه المحنة لا بدّ أن تنطلق قاطرة الإحياء”.
ولا يختلف المشهد في موريتانيا، فهو أيضا بحسب السالم، الملقب برائد كلمات الأغنية الحديثة في موريتانيا، “مخيب للآمال في بلد لا ينتج سوى خمسة كتب سنويا؛ بسبب انعدام وسائل الطباعة، وبواعث التأليف”.
راصدا الوضع أكثر في بلده، تابع الشاعر الموريتاني: “توجد نخبة ثقافية قوية، لكنها بلا وسائل، وبلا محفزات، بل العكس هو الصحيح.. المثقف الموريتاني يعيش عزلة شديدة ومحكمة إلى حد مخيف”.
ووفق السالم، وهو من أبرز الشعراء الموريتانيين المعاصرين، “هذا هو حال الثقافة في موريتانيا، رغم أن الفقه (الإسلامي) العالمي مثلا يقوده اليوم دون منازع عالمان موريتانيان، هما الشيخ عبد الله بن بي، والشيخ محمد الحسن ولد الددو.. ولا أحد اليوم يمكنه مقارعة علماء موريتانيا في لغة الضاد. ولا أبالغ إذا قلت إن شاعرين موريتانيين (لم يحددهما) يتربعان اليوم على قمة الشعر العربي إبداعا.. أقول إبداعا، لا إعلاما ولا شهرة ولا مالا”.
وحول دور مؤسسة بيت الشعر الموريتاني (أسستها إمارة الشارقة الإماراتية عام 2015) في محاولة إنعاش الثقافة في موريتانيا، قال إن “بيت الشعر في (العاصمة) نواكشوط هبة منّ الله بها على الشعراء الموريتانيين في هذه السنين العجاف سياسيا وثقافيا في أكثر من بلد عربي.. إنه واحة وملتقى للشعراء والمثقفين، حيث ينتجون، ويتبادلون البوح الحر، ويتعاطون السحر الحلال (الشعر) في نهاريات شعرية باذخة إنسانيا”.
تحت اسم “البافور” (من أقدم الشعوب التي سكنت موريتانيا)، صدر للسالم حديثا ديوان نثري قال إنه “كُتب على مساحة جغرافية أوسع، هي الوطن العربي، من (مدينة) بابل (جنوبي العراق) إلى (مدينة) روصو (جنوبي موريتانيا)، وفترة زمنية طويلة نسبيا من ثمانينات القرن الماضي وحتى العام الجاري”.
الجديد في هذا الديوان، بحسب كاتبه، أنه “أول ديوان من الشعر النثري يصدر في موريتانيا، وهذا شيء جيد؛ فأولا هي تجربة إبحار حرة في مساحة كانت محجوزة للنثر فقط، وثانيا هم ديوان لشاعر معروف بقدرته على قرض الشعر العربي الكلاسيكي وشعر التفعيلة، إذ لدي أربعة دواوين”.
كل هذا، وفق السالم، “يؤكد أن هذه التجربة تنطلق من أساس راسخ ومتين ومتجذر شعريا، فلست عاجزا عن الشعر الخليلي الموروث.. هذا الديوان هو إبحار في تجربة تتوخى جرف أنساق وقيم شعرية تقليدية نحو شعر يخلق بيئته الوزنية وحاضنته البلاغية”.
وعن التجاوب مع هذا الديوان النثري غير المسبوق في موريتانيا، أوضح أنه: “سبق أن نشرت بعض نصوص هذا الديوان في وسائل الإعلام، وأنشدت في ملتقيات الشعراء وصالونات الثقافة على قلتها في بلدي.. وكان التجاوب معها جيدا، بل ومثيرا ومدهشا عند شعراء موريتانيين معروفين بولائهم الصوفي للشعر العمودي”.
لكن السالم، الذي ولد عام 1968 في “واد الناقه” (غرب)، استدرك بقوله: “هذا لا يعني أن طريقي مفروشة بالورود في شعر النثر، ففي موريتانيا تتركز كل جبهات القتال ضد هذا الشعر وضد شعرائه.. الشعراء لا يمكنهم العيش في سلام مطلقا، خاصة في ظلّ الحرس القديم، الذي يشحذ سكاكينه لتطبيق الحدود الشعرية في كل من يعتبرهم مهرطقين شعريين”.
وحول إن كان لشعر النثر جمهور في بلده أم أن ديوانه الجديد موجه إلى القارئ العربي عامة، أجاب السالم بأن “البافور شعر يتوخى الكونية، وإن كان كتب ليكون ابن بيئته ولغته وقيمه الثقافية.. مع ذلك فكل مفردة فيه أنشدتْ بوعي شعري يحيل إلى ثقافات تبعد عنا ألف شفق، كما وصفه متنبي موريتانيا، الشاعر الكبير ناجي محمد الإمام ذات يوم”.
ولا يبدو السالم واثقا من قدرة القصيدة النثرية الحديثة على منافسة نظيرتها القديمة في بلد مثل موريتانيا معروف بتعلقه بالشعر القديم،ويعرق ببلد المليون شاعر.
فعلى هذه القدرة علق بقوله: “إلى حد ما نعم.. إلى حد ما لا.. فالقصيدة الحديثة وحدة مشاعر إنسانية ضوئية معقدة جدا حتى على المثقفين وعلى القارئ المتعلم الواعي، وبالتالي هي ليست قصيدة استهلاك عام. ومع ذلك فإن الشعر هو الشعر.. ذلك الذي يرفض الانتماء الحيزي للنخبة وللعامة… ويختط رسالته نحوَ الجمهور الاستثنائي”.
وحول إن كان لديه مؤلفات في طور الإنتاج، قال الشاعر الموريتاني: “نعم.. لدي ديوان شعر (يأتون غدا) سيصدر قريبا من باريس، كما لدي روايتان جاهزتان للنشر.. وطبعا مجموعة شعرية أخرى تتنزل قصائدها يوما بعد آخر”.
وللسالم، الذي ترأس تحرير صحف عدة بين عامي 1988 و2003، الكثير من القصائد المغناة، وهو لا يريد أن يحصر قصائده في فنانة موريتانية واحدة تغنيها، فكما قال: “كل فنانة مفضلة لدي.. ثم إن لدي عشرين قصيدة فصيحة مغناة من طرف كبار الفنانين الموريتانيين”.
وختم الشاعر الموريتاني بأن “ديوان (هذا هو النهدُ الذي اعترفت له)، الصادر مؤخرا عن داريْ “مالارمي” و”لارمتان” في باريس، يعطي صورة عن هذه القصائد، وعن أجواء كتابتها والفضاء العام، الذي حزت بسببه صفة رائد كتابة كلمات الأغنية الموريتانية الحديثة”.
ومن بين أعمال السالم، الذي يعتبره بعض النقاد “رائد أدب ما بعد الحداثة في موريتانيا”: “سراديب في ظلال النسيان” (مجموعة شعرية – 1999)، و”موسم الذاكرة (رواية- 2006)، و”القيعان الدامية” (شعر- 2009)، و”وجع السراب” (رواية- 2015)، إضافة إلى قصص قصيرة نشرها في صحف محلية وعربية.