تراجع إنتاج النفط في موريتانيا بشكل كبير وسط مخاوف من تأثير ذلك على إقبال الشركات الأجنبية التي تستثمر في حقول الذهب ألأسود بموريتانيا، خاصة بعد الوعود الكبيرة التي أطلقتها الحكومة مستندة إلى دراسات أولية، أكدت خلالها أن البلاد ستصبح سادس أكبر منتج للنفط في أفريقيا.
وكانت الدراسات تؤكد أن إنتاج النفط الموريتاني الذي بدأ عام 2006 سيصل إلى 75 ألف برميل يومياً في العام الأول، لكن الإنتاج لم يصل إلى هذا المستوى وظل في حدود 50 و60 ألف برميل.
وبعد ثلاث سنوات تراجع إلى قرابة 35 ألف برميل، ثم سجل تراجعاً بشكل متزايد ولم يعد يتعدى حالياً نسبة 10% من الكمية الأصلية التي انطلق إنتاج النفط بها قبل عشرة أعوام.
وتكشف تقارير حديثة أن الإنتاج اليومي لحقل "شنقيط" الرئيسي الواقع في مياه المحيط الأطلسي على بعد 65 كيلومترا قبالة العاصمة نواكشوط، سجل في الأشهر الأخيرة من عام 2016 إنتاجاً يتراوح بين 6 آلاف و 4.8 آلاف برميل يومياً، وذلك مقابل توقعات كانت بنحو 75 ألف برميل يومياً من هذا الحقل فقط.
ووصل الإنتاج النفطي في حقل شنقيط في السنتين الأخيرتين إلى حدود 8.1 ملايين برميل، وفّرت للخزينة العامة نحو 12 مليون دولار.
ويشمل هذا المبلغ العائدات من الشراكات إضافة إلى الضرائب على الفوائد الصناعية والتجارية وعلى الرواتب والأجور.
وفي ظل انخفاض الإنتاج وجهت موريتانيا انتباهها إلى حقول الغاز بعد الاكتشافات الواعدة في المياه البحرية على الحدود بين السنغال وموريتانيا، وإقبال شركتي "كوسموس" الأميركية و"بي بي" البريطانية على الاستثمار فيها.
كما أجرت الحكومة تعديلات للتشريعات المطبقة في مجال المحروقات الخام، للسماح بمنح رخص التنقيب في مناطق واعدة بالمقدرات النفطية لتعويض انخفاض إنتاج النفط في حقل شنقيط.
تقديرات خاطئة
علّلت الشركات المستثمرة في مجال النفط تراجع الإنتاج النفطي في موريتانيا بالمشاكل الكثيرة التي واجهت عملية الاستخراج.
ومع فشلها في الوصول إلى إنتاج يقارب التوقعات، كشفت الشركات أن الانخفاض يرجع إلى أسباب فنية وأخطاء في نموذج الخزان النفطي، وسوء تحديد مواقع بعض الآبار.
في المقابل، تدافع السلطات الموريتانية عن ثروتها النفطية، مؤكدة أن أسباب تراجع الإنتاج النفطي لا تعود لانخفاض احتياط الحقل المقدر بحدود 120 مليون برميل، وإنما لأخطاء في حفر الآبار، وذلك بسبب ضعف الشركات التي تولت الاستخراج، إضافة إلى وجود صعوبات هيكلية مازالت تشكل عائقاً في وجه وتيرة الإنتاج النفطي.
غير أن خبراء يعتبرون أن الطاقة الإنتاجية لحقل شنقيط البحري التي أعلن عنها، كانت للاستهلاك الإعلامي وأنها كانت جد متفائلة، وأن الطاقة الحقيقية هي أقل بكثير مما أعلن عنه، فبيانات الإنتاج التي سجلت تراجعاً كبيراً عن السقف الأصلي، وفشل مخطط التطوير الأصلي وخطط حفر الآبار التصحيحية، يؤكد أن النقص الممتد زمنياً في مستوى إنتاج النفط ليس وليد صدفة، بل هو نتيجة سوء تقدير وعدم توفر الخبرات الفنية الكافية، إضافة إلى وجود مشاكل تقنية وتزايد كمية الغاز في حقل شنقيط.
وأثّر تراجع إنتاج النفط سلبا على نشاط حقول النفط والغاز الموريتانية القابلة للاستغلال التجاري، حيث تسببت هذه الوضعية في تراجع الاستثمار في مجال النفط بموريتانيا.
وأحجمت الشركات النفطية الكبرى التي تطمح لاكتشاف حقول ضخمة قابلة للاستغلال على المدى الطويل، عن الاستثمار في موريتانيا، وبدأت أخرى في مغادرة البلاد.
تضارب الأرقام
يعتبر مراقبون أن تناقض المعطيات حول الإنتاج النفطي يؤثر سلباً على مصداقية تسيير الحكومة لهذه الثروة، ففي حين كانت التوقعات تشير إلى إنتاج يناهز 75 ألف برميل يومياً ثم يرتفع تدريجياً إلى 250 ألف برميل، تراجع الإنتاج بشكل مستمر وسجل 15 ألف برميل في 2007 وارتفع إلى 16.5 ألف برميل في 2008، ثم تراجع إلى 11.6 ألف برميل يومياً في 2010، حتى وصل إلى 8 آلاف برميل عام 2011.
وبينما تبيّن تقارير إنتاج حقل "شنقيط" أن الإنتاج لا يتجاوز في بعض الأحيان 4800 برميل يوميا في الأشهر الأخيرة، تعود تصريحات المسؤولين الحكوميين لتؤكد ان الإنتاج النفطي تجاوز 8 ملايين برميل العام الماضي، مما يعني أن الإنتاج اليومي تجاوز 22 ألف برميل.
ودفعت وضعية حقل شنقيط الشركات التي تولت تسييره إلى التخلي عن حصتها، حيث باعت شركة وودسايد الأسترالية جميع أسهمها وأعمالها في موريتانيا لشركة بتروناس الماليزية، في صفقة بقيمة 418 مليون دولار.
وتسعى حالياً شركة بتروناس الماليزية إلى الانسحاب من حقل شنقيط بسبب عدم وجود ربحية للحقل النفطي الذي يتراجع إنتاجه بشكل دائم، حيث أبلغت الحكومة بقرارها لكن يبدو أنها لا تزال تنتظر المزيد من الوقت لإيجاد مشتر، حيث لم تنجح العديد من جولات المفاوضات مع مشترين.
وتعول الحكومة الموريتانية على الحوض الساحلي المكتشف حديثا على الحدود بين موريتانيا والسنغال، إضافة إلى حوض "تاودني" الذي يمتد على مساحة تقارب نصف مليون كيلومتر مربع وسط وشمال البلاد، حيث تشير التقديرات المتوفرة إلى أن هذين الحوضين سيشكلان منطقة نفطية بالغة الأهمية، وسيعوضان خسائر بئر شنقيط. %B6%D8%A8-1#sthash.A9atWtKc.dpuf