فجر الدكتور موسى ولد أبنو الفيلسوف والكاتب الروائي الموريتاني الشهير أمس قنبلة كبيرة في المشهد السياسي الموريتاني بعد نشره بيانا يعلن عن تأسيس مجموعة من المثقفين الموريتانيين رباطا للجهاد السلمي بغية «قلب النظام العسكري الحاكم في موريتانيا عن طريق انقلاب مدني يرجع المواطن إلى الدائرة السياسية».
وأكد البيان التأسيسي الذي نشره ولد ابنو على صفحته ليحظى بمتابعة واسعة «أن هذا الرباط وفاء لروح رباط ابن ياسين، وإيمانا بحق الموريتانيين في الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية ودعما لمقاومة شعبنا الأبي ضد طغيان الأحكام العسكرية».
إن «رباط الجهاد السلمي»، يضيف البيان، كيان يجمع موريتانيين، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية ومشاربهم الثقافية، على الإيمان بالشرعية الدستورية وعلى العمل من أجل بناء دولة القانون التي تعبر عن إرادة الشعب وعن حقه في اختيار من يحكمه، كما يجمعهم على مناهضة الانقلابات العسكرية وجميع أنواع الفساد والاستبداد وعلى رفض تدخل الجيش في السياسة».وأكد البيان «أن «رباط الجهاد السلمي» أسس بمبادرة جماعة من المثقفين تدعو إلى التضامن الوطني وإلى العمل المشترك من أجل إنقاذ الأمة وترسيخ الوحدة الوطنية والاستقرار السياسي والسلم الاجتماعي والتنمية الاقتصادية».
وأوضح رباط الجهاد السلمي «أنه ينطلق من مسلمات عدة بينها أن الانتماء إلى الوطن فوق الانتماءات القبلية والعرقية والطائفية والحزبية، وأن المصالح العليا للأمة فوق مصالح الأفراد والجماعات، وأن روح الانفتاح بين التيارات السياسية المختلفة مبدأ أساسي من مبادئ العمل السياسي».
وشدد مؤسسو الرباط «أنهم إذ يعلنون أمام الشعب الموريتاني عن تأسيس رباط الجهاد السلمي، دعما منهم لقوى المعارضة وللمقاومة الشعبية ضد طغيان الحكم العسكري الفاسد وأساليبه القمعية، فإنهم يؤكدون أنهم ليسوا بديلا عن القوى الميدانية، ولكنهم يدعمون ويساندون النشاطات التي تقوم بها هذه القوى، مؤكدين إصرار الشعب الموريتاني على استرجاع حريته وكرامته وحقه في اختيار من يحكمه».
ودعا مؤسسو الرباط «جميع الموريتانيين إلى السعي من أجل تحقيق الأهداف التي يسعون إليها وهي قلب النظام العسكري عن طريق انقلاب مدني يرجع المواطن إلى الدائرة السياسية، ودعم المقاومة الشعبية وكل قوى المعارضة، وتفكيك دعائم الفساد والقمع، وإعادة بناء الدولة على أسس المواطنة والعدالة والحرية والكرامة الإنسانية والشفافية وسيادة القانون».
وأوضح المؤسسون «أن رباط الجهاد السلمي يؤكد حق الموريتانيين في رفض قمع وظلم وإرهاب الحكم العسكري، وفي المقاومة وفي متابعة المجرمين، مشددين على أن هذه مبادرتهم وهذه دعوتهم الموجهة إلى الجميع».
هذا وأحدث نشر هذا البيان الذي وقعه الدكتور موسى باسم مؤسسي هذا الرباط الذين لم يتعرف بعد على هوياتهم، ضجة كبيرة في موريتانيا، حيث انشغل به رواد شبكات التواصل بين مرحب به لما يحظى به الدكتور موسى من مصداقية علمية، وباحث عن خلفياته وبين ناقم عليه وعلى شخص الدكتور موسى الذي أعلن تأسيسه.
وكتب الإعلامي علي عبد الله «نبارك لكم في هذه المبادرة و نتمنى لها النجاح إلا أنه سيكون من الصعب عليها أن لا تنحاز لأحد أحزاب المعارضة، ولا ضير في انحيازها إن حصل».
واهتم المدونون بمرجعية ومعنى كلمة «رجس» المختصرة لاسم الرباط حيث دعا الكثيرون لتغيير مسمى الاختصار ليكون «جرس» بدل «رجس».
وفي هذا الصدد كتب المدون أحمد بن حرمة «قرأت الاختصار «جرس» وليس «رجس»، ولعلكم تعرفون أن حركة التحرير الفلسطينية، كان اختصارها «حتف» ولكنهم قلبوها إلى «فتح».
وأضاف «أبارك الإعلان عن هذا الرباط وأدعو النخبة المثقفة والمهتمين بدولة المؤسسات، للانضمام لهذه المبادرة، فمشكلتنا الأولى هي تخلي النخبة عن القيام بدورها في التنوير واصطفافها في ذيل الحكام».
ونبه المدون مختار عالي سالم فال في تدوينة له أمس مؤسسي الرباط «إلى أن اختصار الاسم في كلمة «جرس» من أجل لفت النظر إلى هذه المبادئ السامية يحمل إيحاءات قد تحيل إلى أجراس الكنائس»، مضيفا «أخاف أن يعمد البعض سيّء النية الاختصار اسم المبادرة حسب ترتيب كلمات «رباط الجهاد السلمي» فتنقلب إلى «رجس» التي هي في مرجعيتنا الإسلامية من عمل الشيطان».
واحتج المدون حمزة المحجوب على اعتماد مؤسسي الرباط على مرجعية عبد الله بن ياسين، وأضاف «بهذا البيان وبوفائكم لابن ياسينكم فقد أقصيتم أغلب الموريتانيين من عرب وزنوج وحراطين، لأن رمزكم هذا لا يجمعنا فابحثوا عن رمز يجمعنا كلنا وإلا فلا».
أما الإعلامي مختار ولد عبد الله عضو القيادة السياسية للحزب الحاكم فقد كتب مخاطبا مؤسسي الرباط «أطمع في الحصول على إذنكم بقبول ضم رأيي المتواضع لرأي العميد «عبد الله السيد» وهو من جهابذة تفكيك ولف ونشر أساليب اللغة العربية وتعابيرها، ثم أضيف أن الانطباع الأول الذي يتركه مختصر تسمية رباطكم الجديد («رجس» ولا أخاله كذلك، أو «جرس» وما عهدنا بكم من مصدري الطنين…) لدى المتلقي الساذج مثلي منذ البداية مصنفا في دائرة مغلقة بين «الرجس» أعوذ بالله، و»الجرس» بدلالته الكنائسية، لا سمح الله، خاصة في هذه الأيام التي يسهل فيها التكفير و»التلحيد» كما يسهل فيها التضليل بين السياسي والديني والاجتماعي أحيانا».
«وعليه، يضيف المختار عبد الله، فالتسمية تلك تستدعي مراجعة « قبل فوات الأوان»…. دمتم وأعاذكم الله من رياح السياسة المختلفة تماما عن رياح المدنية التي أثارت نقعها في عوالم الأدب، روايتكم «مدينة الرياح».
ويشتهر الدكتور موسى ولد ابنو في الأروقة الأكاديمية فيلسوفا وروائيا وباحثا أكثر من شهرته في المشهد السياسي الموريتاني الذي ظل يعتزله، وهو حاصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة السوربون، وقد تبوأ مناصب مهمة في عهد الرئيس الأسبق معاوية الطايع، بينها مستشار الرئيس ومدير عام وكالة الأنباء الحكومية ورئيس قسم الفلسفة في جامعة نواكشوط.
وطوال الفترة التي قضاها موسى ولد ابنو في الغرب من 1977 إلى 1996 متجولا بين باريس ونيويورك، اقتصرت كتاباته على بعض البحوث الفلسفية، ولكن عندما عاد إلى موريتانيا عام 1997، تولى رئاسة قسم الفلسفة في جامعة نواكشوط، بدأ يفكر في كتابة موقفه من إشكاليات العصر، وأساساً تحديات مجتمع التكنولوجيا وعلاقة التراث العربي الإسلامي بمجتمع التكنولوجيا والغزو الحضاري الغربي، ومكانة المجتمع العربي الإسلامي في العالم، وبعض الإشكاليات الأخرى التي تهم المشتغلين بالفلسفة.
وقصد ولد ابنو فن الرواية ليكون وسيلته للتعبير عن هذه المواقف كلها، لأنه كما قال في تصريح سابق له «لم يعد هناك اليوم أزمة ميتافيزيقيا، ولم يعد أحد يكتب كتباً فلسفية محضة، لأنه لا يوجد قراء للفلسفة».
وهكذا اتجه الدكتور موسى لكتابة الرواية، فكتب نصين بالفرنسية، الأول صدر في باريس عام 1990 وهو في عنوان يمكن ترجمته بـ»الحب المستحيل» بحسب العنوان الذي صدر به في العربية، في دار الآداب، فيما بعد، والثاني بعنوان «البرزخ» صدر في باريس أيضاً عام 1994، لكنه عاد وكتبه بالعربية ليصدر عن دار الآداب تحت عنوان «مدينة الرياح».
عبد الله مولود
نواكشوط- «القدس العربي»