بعد سنوات من ازدهار الوجهة الموريتانية الأكثر استقبالاً للسياح، تعاني ولاية «آدرار» (شمال) من تراجع حاد في القطاع السياحي، حتى أصبحت الولاية الأكثر فقراً؛ بسبب تصنيف دول أوروبية لموريتانيا كـ«منطقة حمراء»، أي تمثل خطراً على الرعايا الغربيين، إضافة إلى ضعف الاستثمار الحكومي.
لسنوات ممتدة ارتبط اقتصاد هذه الولاية بعائدات السياحة؛ بفضل احتضانها معظم وأقدم المدن والمواقع الأثرية في موريتانيا، ومنها: شنقيط، وادان آزوكي، تينيكي، وهي مدن ذات رمزية تاريخية وعلمية كبيرة في المنطقة، وبها مخطوطات تاريخية عربية وإسلامية.
تلك الولاية تتمتع أيضاً بمناظر طبيعية خلابة ومتنوعة، منها كثبان رملية، وواحات نخيل، وهضاب، وجبال بها منابع مياه، فضلاً عن صناعات يدوية تقليدية كان السياح يقبلون على شرائها في الولاية البالغ عدد سكانها نحو 62658 نسمة (من أصل قرابة 3.7 ملايين نسمة سكان موريتانيا).
لكن تحت وطأة هجمات مسلحة شهدها الشمال الموريتاني، جرى تصنيف موريتانيا كـ«منطقة حمراء»، أي غير آمنة، ومن ثم تحذير الرعايا الغربيين من زيارتها؛ ما أدى مع ضعف الإستثمار الحكومي في الولاية إلى تراجع عد السياح بشكل حاد.
ومن بين الهجمات التي شهدها البلد العربي الواقع شمال غربي إفريقيا، مقتل أربعة سياح فرنسيين وجرح خامس، يوم 24 ديسمبر/كانون أول 2007، في مدينة «ألاك» (250 شرق نواكشوط).
وكذلك اختطاف رعايا إسبان شمال نواكشوط، في 2 ديسمبر/كانون أول 2009، إضافة إلى هجمات نفذها مسلحون من «تنظم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، واستهدفت ثكنات للجيش وسط موريتانيا، وقتل خلالها حوالي 20 جنديا بين عامي 2005 و2008.
تراجع حاد
دول أوروبية، على رأسها فرنسا، سارعت في ظل تلك الهجمات، إلى تصنيف موريتانيا «منطقة حمراء» (غير آمنة)، وتم إلغاء الدورة الثلاثين من سباق باريس/داكار للسيارات لعام 2008، الذي يعبر موريتانيا من الشمال، قادما من أوروبا، ومتجها إلى الجنوب نحو السنغال.
مع تلك المستجدات، وفي عام 2014، بلغ عدد السياح الذين زاروا موريتانيا 400 فقط؛ بينهم 103 استقدمتهم وزارة الثقافة مطلع ذلك العام، لحضور مهرجان المدن القديمة في مدينة ولاتة (شرق)، و190 من المشاركين في السباق الرياضي «آفريكا رايس».
ولا تتوافر تقديرات رسمية ولا غير رسمية بشأن عدد السياح بعد 2014، إذ يندر وجودهم. هذا التراجع جاء بعد فترة يعتبرها الموريتانيون ذهبية للسياحة في بلدهم، حيث سجل عام 2007 مثلاً وصول 12000 سائح عبر مطار «أطار» الدولي (480 كم شمال العاصمة نواكشوط) في «آدرار» . وعامة، موريتانيا من أقل دول المنطقة جلبا للسياح؛ لأسباب يتصدرها الجانب الأمني وغياب البنى التحية، ولا تتوافر إحصائيات رسمية بشأن مستوى مساهمة قطاع السياحة في الاقتصاد الموريتاني.
كل شئ توقف في المنطقة
رئيس «هيئة آزوكي للثقافة والتراث» (غير حكومية) في «آدرار»، عينيا ولد أييه، قال إن «السياحة لم تعد موجودة في الولاية»، البالغ مساحتها 233478 كيلومترا مربعا، أي نحو 22.6% من مساحة البلد.
وبحزن، تابع ولد أييه، في تصريح لـ «الأناضول» أن «الرحلات الجوية بين مدينتي أطار ومرسيليا (الفرنسية) توقفت نهائيا بعد أن كانت شبه يومية.. قد توقف كل شيء».
أحد شباب «آدرار»، ويدعى الهيبة ولد مايمتس، قال إن «عائدات السياحة كانت توفر دخلاً معتبراً لسكان الولاية، الذين كانوا يعملون في مهن مختلفة توفر خدمات سياحية.. إقبال السياح على آدرار أعطى دفعا قويا للاقتصاد الوطني، قبل التراجع الأخير».
توافد السياح على الولاية، بحسب ما ولد مايمتس: «أنعش صناعات يدوية تقليدية حرص السياح الغربيين على اقتناء منتجاتها، ووفر دخلاً لأصحاب مهن، منها: الترجمة، السياقة، والخبرة في المعالم والطرق (مرشدون)، وركوب الإبل ومحاكاة القوافل القديمة في الصحراء».
و أكد قائلا: «أستطيع القول إنه لم يكن بين سكان ولاية آدرار، سواء المتعلمين أو الأميين، أي عاطل عن العمل في السنوات التي عرفت ازدهار السياحة حتى منتصف العقد الماضي، وبالضبط حدود عام 2007».
ووفق التصنيف الرسمي، وصل متوسط نسبة الفقر في «آدرار»، بعد تراجع النشاط السياحي، إلى حدود 65%، فيما تبلغ أكثر من 85% في بعض مناطق الولاية، ما يعني أنها أكثر ولايات موريتانيا الـ12 فقرا.
استثمار حكومي ضعيف
ورغم حالة الاستقرار الأمني في السنوات الخمس الأخيرة، وعدم استهداف أي رعايا غربيين، فإن أعداد السياح الوافدين سنويا إلى موريتانيا عامة، وولاية «آدرار» تحديدا، تراجعت؛ ما آثار تساؤلات بشأن العوامل التي منعت عودة الازدهار إلى القطاع السياحي.
وبحسب رئيس «رابطة آزوكي للثفافة والتراث» فإن «الاستثمار الحكومي في القطاع السياحي في آدرار ضعيف للغاية»، مشيراً إلى عدم وجود فنادق ولا أي إقامات بالمعايير المقبولة في المدن التاريخية والمواقع السياحية.
ولد أييه اعتبر أنه «بإمكان موريتانيا أن تجتذب أعداداً أكبر من السياح إذا اهتمت بإقامة منشآت سياحية وبنى تحتية في النقاط الأكثر استقطابا للسياح في ولاية آدرار».
وقال«آزوكي تحديدا تعاني من عدم إضافتها إلى قائمة المدن التي تستضيف إحداها سنويا مهرجان المدن القديمة (تظاهرة سنوية)، رغم أنها كانت عاصمة للمرابطين في القرن الخامس الهجري». متفقا مع ولد أييه، قال «ولد مايمتس» إن «موريتانيا ضيعت العديد من الفرص بسبب ضعف الإستثمار في القطاع السياحي، بينما عائدات السياحة تعد المصدر الاقتصادي الأول بالنسبة لسكان الولاية، وأحد الروافد المهمة للاقتصاد الوطني».
وأضاف إن «جهود السكان المحليين والمستثمرين غير الحكوميين هي التي أوجدت بنية تحتية لجذب السياح على مدى العقود الماضية، بينما غابت الاستثمارات الحكومية عن الولاية» .
التصنيف الفرنسي
أما النائب البرلماني عن مدينة «أطار»، عاصمة ولاية «آدرار»، محفوظ ولد الجيد، فاعتبر أن «تراجع السياحة في الولاية يعود إلى تأثيرات التصنيف الفرنسي لموريتانيا بأنها منطقة حمراء وذات خطر كبير على حياة السياح الغربيين». ولد الجيد وفي تصريح لـ»الأناضول»، لفت إلى أن «التصنيف الفرنسي صار مرجعية لكل الدول الغربية، باعتبار فرنسا مستعمِرة سابقة لموريتانيا، وعلى دراية بواقعها أكثر من أي دولة غربية أخرى» . لكن النائب الموريتاني وصف دوافع التصنيف الفرنسي بـ»السياسية»، معتبراً أن «المناطق الحمراء أكثر الآن في فرنسا منها في موريتانيا، بحكم حدوث اختراقات أمنية وعمليات إرهابية في مدن عدة»، منها تلك الهجمات الدموية التي شنها تنظيم «داعش» عام 2015.
آدرار (موريتانيا) ـ من محمد البكاي