أثار التسريب الاحدث لمكالمة هاتفية بين وزير الخارجية المصري سامح شكري، واسحق مولخو، المستشار القانوني والسياسي لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، حول مسألة السيادة على جزيرتي “صنافير” و”تيران” المتنازع عليهما بين مصر والمملكة العربية السعودية، العديد من علامات الاستفهام حول كيفية وصول هذا الشريط الى محطة تلفزيونية مصرية معارضة تبث من اسطنبول “مكملين”، وحجم التنسيق الامني والسياسي بين الحكومتين المصرية والاسرائيلية في هذا الملف.
النقطة الاهم الواردة في هذه المكالمة، تلك التي اكد خلالها السيد شكري الذي ناقش بعض بنود الاتفاقية مع المستشار الاسرائيلي، ان مصر لن تقبل اي تعديلات عيلها دون موافقة مسبقة من الحكومة الاسرائيلية.
لا نفهم لماذا يتم مثل هذا التنسيق والتشاور بين الحكومتين المصرية والاسرائيلية حول جزيرتين عادتا الى السيادة المصرية بمقتضى اتفاقات كامب ديفيد، فما دخل الطرف الاسرائيلي في اي اتفاقات تتعلق بشأنهما، سواء ارادت السلطات المصرية ان تحتفظ بهما ام لا، ولماذا تكون الموافقة الاسرائيلية المسبقة على هذه الاتفاقات، او اي تعديل لها شرطا لتطبيقها واعتمادها، وبين بلدين عربيين تكرران مسألة السيادة الوطنية ليل نهار.
***
عندما تتكرر حلقات مسلسل هذه التسريبات لمكالمات هاتفية لوزير خارجية دولة بحجم مصر، سواء كانت بينه وبين رئيسه، مثلما هو الحال في مكالمة سابقة، او بينه وبين مستشار رئيس الوزراء الاسرائيلي، فإن هذا يشكل اختراقا امنيا واخلاقيا على درجة كبيرة من الخظورة، اللهم الا اذا كانت جهة استخبارية مصرية تقف خلفه من اجل ايصال رسائل الى اطراف متعددة، وهذا التصرف تقدم عليه اجهزة مخابرات عربية واجنبية اذا رأت انه يخدم مصالح حكوماتها.
ايا كانت السبب، او الجهة التي تقف خلف هذه التسريبات فانها في كل الاحوال تسيء الى مصر، وحكومتها، وسمعتها العربية والدولية، وتظهر مدى هشاشة جبهتها الداخلية الرسمة، الامنية والسياسية معا، فاذا كانت مكالمات وزير الخارجية، وقبله رئيس الجمهورية، فان هذا يعني عدم وجود اي حماية لاسرار الدولة المصرية، وان الاختراق الامني وصل الى رأس الهرم، ومكتبه الشخصي.
ومن المفارقة اننا، والشعب الصري بطبيعة الحال، لم نسمع عن اجراء تحقيقات حول كيفية حدوث هذه التسريبات، ومن يقف خلفها، حتى كتابة هذه السطور، كما لم نسمع او نقرأ عن مثيلاتها اثناء حدوث تسريبات مماثلة، معاقبة المتورطين فيها، اللهم الا اذا كانت سرية، ولكن استمرارها، وبالوتيرة نفسها ربما ينفي حصولها اصلا، سرية كانت او علنية.
فتح ملفي الجزيرتين، “تيران” و”صنافر”، وفي مثل هذا التوقيت الحق اضرارا ضخمة جدا بالبلدين اللذين يتنازعان السيادة عليهما، الامر الذي يطرح العديد من علامات الاستفهام حول هذه المسألة برمتها، ولا نعتقد ان هناك مكاسب كبيرة تعود الى مصر من جراء الاحتفاظ بهما، مادية او استراتيجية خاصة في ظل اتفاقات السلام المصرية الاسرائيلية والتنسيق العسكري بين البلدين، كما اننا نجزم بأن استعادة المملكة العربية السعودية لهما سيضيف لها الكثير، وهي التي تملك آلاف الجزر في البحر الاحمر وحده، وتدرك جيدا انها صخرية غير مأهولة، ولا يوجد في جوفها او جوارها البحري، اي نفط او غاز او معادن ثمينة او غير ثمينة.
***
مصر تواجه صداعين حاليا، “صداع″ الجزيرتين ومستقبلهما، وما ترتب عليه من توتر في العلاقات مع السعودية، و”صداع″ التسريبات الذي قدم ويقدم لمعارضي الحكومة اوراقا ثمينة للتشكيك في شرعية الحكم، والاهتراء الخطير في مؤسساته، والامنية من بينها خصوصا.
نجزم بأن معظم، ان لم يكن كل، انواع الاسبرين ومشتقاته، والادوية المماثلة له، لن تنجح في القضاء عليهما، لانهما اصبحا صداعين “مزمنين”، وبأعراض حانبية تتضخم يوما بعد يوم، وتستعصي على الاحتواء ناهيك عن العلاج.