أطلقت المعارضة الموريتانية عبر نقطة صحافية نظمتها أمس بحضور قياداتها السياسية والمرجعية والنقابية، حملة سياسية وإعلامية بأبعاد متعددة مخصصة لإفشال تمرير التعديلات الدستورية الممخضة عن حوار أكتوبر 2016.
وتتزامن هذه الحملة مع افتتاح تم يوم أمس لدورة برلمانية طارئة دعت إليها الرئاسة الموريتانية لإجازة القانون الدستوري الذي يتضمن تعديلات في الدستور أبرزها إلغاء غرفة مجلس الشيوخ وتأسيس مجالس محلية، وتغيير العلم الوطني.
ودعت المعارضة الموريتانية أمس النواب والشيوخ «لتحكيم ضمائرهم وعدم تحمل المسؤولية في المصادقة على تعديلات يرفضها شعبهم وتشوّه علمهم الوطني وتزيد الأزمة السياسية تفاقماً في بلدهم».
وذكّرت الرأي العام الوطني والدولي «بعدم شرعية تمرير التعديلات المقررة عبر برلمان تجاوزت إحدى غرفه وهي مجلس الشيوخ آجال التجديد الدستورية لمجموعاتها الثلاث، وتفتقد فيه الغرفة الأخرى للتوافقي الضروري لتعديل الدستور».
وأكدت المعارضة «أن ما تحتاجه موريتانيا اليوم ليس تعديلات دستورية تزيد المشهد السياسي تأزماً والشعب الموريتاني فرقةً، حيث أنها تعديلات هدفها التلبيس على فشل النظام وتغطية المشاكل الحقيقية التي تعاني منها البلاد، إن ما تحتاجه البلاد اليوم هو التوجه، بصورة توافقية، نحو خلق الظروف الكفيلة بحل الأزمة الراهنة عن طريق تهيئة المناخ السياسي والآليات المؤسسية لضمان تناوب ديمقراطي وسلمي على السلطة في أفق انتهاء المأمورية الأخيرة للرئيس الحالي، حتى نجنب بلادنا المطبات الخطيرة التي وقعت فيها بلدان لم تستطع أن تهيئ مثل هذه الاستحقاقات بصورة حكيمة وواقعية، وظن حكامها أنهم قادرون على البقاء أوصياء على مستقبلها».
ودعت المعارضة «كافة القوى الوطنية للتكاتف والوقوف بحزم من أجل رفض وإفشال هذه التعديلات التي لا تعدو كونها مناورة جديدة من أجل إلهاء البلد عن مشاكله الحقيقية».
وشددت على «أن التعديلات المقترحة لا تقدم أي حل للأزمة السياسية التي تعيشها موريتانيا منذ سنوات، بل تزيد أسبابها ومظاهرها تفاقماً، خاصة وأنها لا تكتسي أي طابع استعجالي يبرر الإصرار على تمريرها مهما كانت الوسيلة، كما أنها تعديلات تمس رموزاً ومقدسات وطنية تتشبث بها الأغلبية الساحقة من هذا الشعب».
وأضافت «إن الدستور ميثاق غليظ لا يمكن التلاعب به حسب الأهواء، ولا يجوز تغييره إلا في ظل ظروف سياسية طبيعية وفي جو يطبعه أدنى حد من التوافق الوطني، ومن أجل إجراء إصلاحات جوهرية أو حل مشاكل أساسية تعوق سير المؤسسات أو تقدم الأمة».
ولم تعر الحكومة الموريتانية أي اهتمام لمواقف المعارضة من التعديلات، حيث تابعت تنفيذها لمخطط تمريرها عبر البرلمان، كما أنها لم تهتم ببيانات نبّه فيها رئيسان سابقان قبل يومين، إلى خطورة تعديل الدستور خارج الإجماع وفي ظل أزمة سياسية مستفحلة.
وبعد مصادقة غرفتي البرلمان كل على حدة على القانون الدستوري، ينتظر أن يدعو الرئيس الموريتاني غرفتي البرلمان للاجتماع في مؤتمر برلماني موحد لإجازة التعديلات بصورة نهائية.
وتواجه هذه التعديلات معارضة واسعة عكسها المدوّنون على صفحاتهم أمس، وسطرت شعارات رفضها بكتابات جدرانية على مقر الجمعية الوطنية.
ونظّم نشطاء معارضون لتعديلات الدستور أمس وقفة أمام البرلمان رددوا خلالها شعارات تنتقدها وتطالب النواب برفضها وإفشالها.
وأكد موقع «زهرة شنقيط» الإخباري المستقل في تعليق له على هذا الحدث «أن وتيرة المواقف الرئاسية الرافضة للتعديلات الدستورية المقترحة من قبل الرئيس، تسارعت وسط صمت حكومي وحزبي، وارتباك داخل الأغلبية بشأن التعديلات الأكثر حساسية منذ كتابة الدستور الحالي في عهد الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع».
وأضاف «العقيد اعل ولد محمد فال خرج عن صمته، ووصف التعديلات بأنها مرفوضة جملة وتفصيلا، وبأنها تعكس مستوى الارتباك الذي يتخبط فيه البلد بفعل سياسة الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز، متهما الرئيس بأنه يحاول تعميق الأزمة السياسية التي أحدثها انقلابه العسكري سنة 2008، وبعد مرور ساعات خرج المقدم محمد خونه ولد هيداله بموقف مشابه، واصفاً الأمور في موريتانيا بأنه متأزمة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ومطالبا بوقف التلاعب بالدستور».
وزاد «تترقب الأوساط السياسية المعارضة موقفا مشابها من الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، الذي يوصف بأنه أول رئيس مدني منتخب في موريتانيا، يصل السلطة من خارجها، وهو الرئيس الذي أطاح به ولد عبد العزيز في انقلاب عسكري أبيض سنة 2008».
وذكرت «زهرة شنقيط» أن «كل هذه التصريحات والمواقف تشعل الساحة السياسية قبل انعقاد دورة البرلمان الطارئة، بينما تبدو أعين الأغلبية مشدودة باتجاه المواقف المحتملة لأعضاء مجلس الشيوخ، حيث تحتاج المعارضة إلى أربعة شيوخ فقط لإسقاط التعديل الدستوري داخل البرلمان، ورغم التطور الحاصل في العلاقة بين الرئيس والغالبية الداعمة له، إلا أن تجاهله لمطالب بعض الشيوخ وتفريطه في كتل سياسية وازنة داخل الساحة، تجعل من عرض التعديل على الشيوخ أمرا بالغ الخطورة، ومجازفة سياسية قد تكون حاسمة في مساره السياسي».
وتضيف «وفي انتظار الذهاب للتصويت، تبدو الغالبية وكأنها في استراحة سياسية وإعلامية، تاركة المجال للمعارضة من أجل حشد التعبئة لإسقاط التعديلات الدستورية شعبيا، في انتظار نتائج المعركة داخل البرلمان، والتي قد تكون مفاجئة هي الأخرى للرئيس وأعضاء الفريق العسكري والأمني الحاكم في موريتانيا».
وفي السياق نفسه، دعا المدوّن البارز والقيادي المعارض محمد الأمين الفاظل في مقال نشره أمس إلى رفض التعديلات الدستورية، مؤكداً «أنها ستزيد من استفحال الأزمة السياسية، وستزيد من انقسام المجتمع ومن تشظيه، وربما نستيقظ غدا على دولة بعلمين وبنشيدين وطنيين».
وأضاف «إلى الآن أنا لست مقتنعاً بأن السلطة ستستمر في هذه المهزلة، وحتى وإن استمرت فيها فاحتمالات الفشل ستبقى واردة سواء تم عرض التعديلات الدستورية على مؤتمر برلماني أو على استفتاء شعبي، لستُ مقتنعا بأن السلطة جادة في هذا المسار، ولكن على الرغم من ذلك فإنه يبقى من الواجب على كل رافضي التعديلات الدستورية أن يتحركوا ومن الآن، وأن يعبّروا، وبشكل قوي، عن رفضهم لهذا المسار الأحادي، وحبذا لو بدأ التعبير عن ذلك الرفض في وقت متزامن مع افتتاح الدورة البرلمانية الطارئة».
عبد الله مولود
نواكشوط – «القدس العربي»: