فجّر تخصيص دورة برلمانية تتواصل جلساتها حالياً، لإجازة مشروع القانون الدستوري الذي قدمته الحكومة للبرلمان بوصفه حصيلة لحوار أكتوبر/ تشرين الأول 2016، أزمة سياسية جديدة انضافت للتجاذب السياسي الذي لم يهدأ في موريتانيا منذ سنوات.
وتشمل التعديلات المقترحة عدة أمور بينها إلغاء غرفة الشيوخ واستبدالها بمجالس جهوية، وتغيير العلم والنشيد الوطنيين.
وتظاهر أنصار الرئيس أمس ورفعوا صوره المكبرة ورددوا شعارات مؤيدة للتعديلات أمام البرلمان، بينما تظاهر بالقرب منهم نشطاء حراك «تغيير الدستور محال» الذي يعارض المساس بالدستور، والذي يضم خليطاً من نشطاء المعارضة ونادي المدونين.
ورفع مناهضو تعديل الدستور شعارات مناوئة، ووصفوا تعديل الدستور بالخطوة الخطأ غير التوافقية، ودعوا أعضاء البرلمان إلى رفضه، بينما طالب أنصار الرئيس النواب بالإسراع بإقرار التعديلات، التي اعتبروها منسجمة مع مصلحة الشعب الموريتاني في حاضره ومستقبله، وترسيخاً لتجربة موريتانيا الديموقراطية.
ودخل الحسن ولد محمد الزعيم الرئيس لمؤسسة المعارضة الديمقراطية في لجة هذا الصراع حيث وجّه رسالة للبرلمانيين ذكّرهم فيها بعدة نقاط بينها «أن الدساتير يحتاج وضعها وتعديلها لمستوى من التوافق، إن لم يكن الإجماع، يمنحها بعد إجازتها مستوى من الثبات، والاستقرار والمصداقية لأنها أسس القوانين، وأهم النصوص في البلاد».
وأكد «أول تعديل لهذا الدستور منذ الإعلان عنه سنة 1991، كان في عام 2005 أي بعد ربع قرن من الزمن، وفي ظرف توافقي من غالبية الموريتانيين»، مضيفاً «أن تعديله شمل إضافات وإصلاحات كبيرة بررت تعديله، ونال شبه إجماع في الاستفتاء الذي أجري لإقراره».
وأوضح زعيم المعارضة «أن عدم ثبات هذه الوثيقة الأساسية يؤثر على صورتها الرمزية، ويطعن في مصداقيتها، وخصوصا إذا كانت هذه الخطوة تتم من دون مبررات واضحة أو دوافع مقنعة».
وطرح زعيم مؤسسة المعارضة مجموعة من الأسئلة على النواب تساءل فيها عن الذي تغير بعد التعديل غير التوافقي للدستور الذي جرى في عام 2012 حتى نحتاج لتعديل من جديد؟، وهل يقبل أن يتم تعديل الدستور كل أربع سنوات؟، وما الذي استجد في موضوع العلم والنشيد بعد 2012 حتى يُفرض تعديلهما اليوم ووفق إجراءات الاستعجال؟، وما الذي ستقدمه هذه التعديلات للمواطن المقهور المتطلع لإجراءات تخفف عنه غلاء الأسعار وتوفر له تعليماً لائقاً وصحة رائقة؟، وما الذي تغيّر في وضعية مجلس الشيوخ بين العامين 2012 و2017 حتى يكون إلغاء هذا المجلس ضربة لا مفر منها؟».
وخاطب النواب قائلاً: «إنني وأنا أضع هذه النقاط بين أيديكم، لأعول على إدراككم لقيمة المرحلة التي تمر بها البلاد، واستثنائيتها، ومحوريتها في دخول مرحلة جديدة من تاريخها بأقل تكلفة، وأكبر مكاسب، وهو ما يستدعي منكم موقفاً لله ثم للتاريخ برفض التلاعب بأهم وثيقة قانونية في البلاد وأذكركم أن حاضر موريتانيا ومستقبلها رهين، في جزء معتبر منه، بما ستقررونه حول هذه الوثيقة المرجعية لكل الموريتانيين، وأملي كبير في أن تكونوا على مستوى طموحات وآمال الشعب الموريتاني الطامح لمستقبل يضع فيه قواعد موريتانيا الجميع بشكل توافقي لا إقصاء فيه، ولا استعجال، ولا انشغال بالشكليات على حساب الجوهر».
وفي بيان آخر، أعلن منتدى المعارضة الذي يضم أحزاباً ونقابات وشخصيات مرجعية هامة من جديد أمس عن «رفضه الحازم للتعديلات الدستورية العبثية التي يصر النظام على تمريرها ضد إرادة الغالبية الساحقة من الشعب ومن الطبقة السياسية». وأكد المنتدى «عزمه القوي على القيام بكل ما من شأنه إفشال هذه المناورة التي يراد منها إلهاء البلد عن مشاكله الحقيقية ليستمر النظام في تنفيذ أجندته الأحادية»، مطالباً جميع البرلمانيين، من شيوخ ونواب، «بعدم تمرير هذه التعديلات التي ستبقى آثارها المعنوية والسياسية بينما سيذهب الحكم الحالي الذي هو في آخر مأموريته الأخيرة».
واستنهض المنتدى السياسي المعارض «جميع القوى الحية الموريتانية من أحزاب سياسية ومجتمع مدني وشخصيات وطنية وشباب ونساء ومدونين من أجل التوحد في سبيل إحداث هبة واسعة وقوية لإفشال هذه المناورة وإسقاط الأجندة الأحادية للسلطة».
وأكد المنتدى في بيانه «أن إصرار النظام على تمرير تعديلاته الدستورية العبثية، مناورة جديدة للقفز على الأزمة السياسية التي تعيشها موريتانيا منذ سنوات، وللتلبيس على الفضائح التي تتكشف يوما بعد يوم، وإشغال الرأي العام عن المشاكل الخانقة التي يعيشها المواطنون من غلاء وبطالة وتسريح للعمال وإهانة أمام مكاتب الحالة المدنية وتهميش وظلم، كما يعكس تعنت النظام وتماديه في الهروب الى الأمام ورفض التحديات الحقيقية التي تفرضها المرحلة، وهو بذلك يجر البلاد نحو المنزلقات الخطيرة التي عصفت باستقرار بلدان عديدة ارتهن مستقبلها من طرف من نصبوا أنفسهم أوصياء عليها». وأضاف: «إن موريتانيا تقف اليوم على مفترق طريقين لا ثالث لهما، فإما أن تقبل الطبقة السياسية والقوى الحية بأن تظل البلاد مختطفة من طرف حاكم يعتبر البلد وأهله غنيمة مستباحة يتصرف فيها كما يشاء ويورثها لمن يشاء، وإما أن تتغلب إرادة الحكمة والمسؤولية، ويأخذ الموريتانيون الغيورون على وطنهم مسؤولياتهم لرفع التحديات وفرض إرادتهم الحرة من أجل حماية وطنهم وحتى لا يذهب مستقبلهم ومستقبل أبنائهم ضحية لأهواء من لا يهمه سوى السلطة والتسلط».
وأضاف بيان المنتدى المعارض «إن ما تحتاجه موريتانيا اليوم ليس قطعاً تعديلات دستورية لا تكتسي أي طابع استعجالي، ولا تقدم حلاً لأي من المشاكل الكثيرة والملحة، ولا تعدو كونها مصدراً لتعميق الخلافات بين الموريتانيين وتأزيم الوضعية السياسية، في ظرف تطبعه حدة الأزمة بين الفرقاء وبطرق مشكوك في شرعيتها، فما تحتاجه موريتانيا اليوم أجل وأسمى من تعديلات دستورية عبثية تؤخر أكثر مما تقدم، تفرق أكثر مما تجمع، وتطرح من المشاكل أكثر مما تحل ذلك أن القضية المطروحة علينا جميعا قضية مستقبل ومصير وبقاء».
وتابع المنتدى تبرير رفضه لتعديلات الدستور قائلاً: «إن ما تحتاجه موريتانيا اليوم هو التوجه نحو المستقبل والعمل، بصورة توافقية، على حل الأزمة الراهنة وخلق المناخ السياسي والظروف الطبيعية والآليات المؤسسية التي تضمن التناوب السلمي على السلطة في أفق نهاية آخر مأمورية للرئيس الحالي، مما يشكل الضمانة الوحيدة لتجنيب البلاد المطبات الخطيرة، وما تحتاجه موريتانيا اليوم هو حل المشاكل الحقيقية التي تعاني منها ويعاني منها مواطنوها، وهو ما يجمع شعبها ويوطد لحمته ووحدته، وهو ما يرفع الظلم والتهميش عن فئات واسعة منه، وهو ما يخفف من معاناة المواطنين الذين يرزحون تحت وطأة الفقر وغلاء المعيشة، وهو ما يوفر العمل لعشرات آلاف الشباب الضائعين بين البطالة واليأس، وهو مع كل ذلك الرفع من مستوى الخدمات المتردية في جميع المجالات».
عبد الله مولود نواكشوط – «القدس العربي»