ازدادت الأزمة السياسية التي تشهدها موريتانيا منذ بعض الوقت شدة أمس حيث واصل نشطاء المعارضة احتجاجاتهم على تعديلات الدستور أمام مقر المجلس الدستوري، بعدما أظهرت المعارضة قوتها في مسيرة السبت الماضي بما تضمنته من رسائل للسلطات التي تظهر عدم اكتراثها بكل ذلك، دافعة مجلس الشيوخ للمصادقة على التعديلات الدستورية المثيرة للجدل.
وتشمل التعديلات التي أقرتها الجمعية الوطنية الخميس الماضي بـ 121 صوتاً من أصل 147 نائباً، بين أمور أخرى، إلغاء غرفة مجلس الشيوخ وتغييراً في شكل العلم الوطني وتنقيحاً لنص النشيد الوطني ودمج مؤسسات دستورية عدة في مجلس واحد، وحماية الرئيس من المتابعة بعد مغادرته السلطة، وإلغاء محكمة العدل السامية واستبدالها بأعلى هيئة في القضاء.
ومع أن حظ الأمم المتحدة في حل الأزمات ضئيل للغاية، فقد استشعر الأمين العام الجديد للأمم المتحدة خطر اشتداد المعضلة السياسية الموريتانية، فأوفد محمد بن شمباس ممثله الخاص في غرب أفريقيا إلى نواكشوط لعرض وساطة الهيئة الدولية على الأطراف الموريتانية. وأنهى بن شمباس أمس اتصالات شملت الرئيس الموريتاني وكبار معاونيه وقيادات منتدى المعارضة.
ولم يخف الممثل الخاص أن اتصالاته تدخل ضمن وساطة من الأمم المتحدة، حيث صرح بعد خروجه من مقابلة الرئيس الموريتاني «أنه ناقش معه ضرورة حوار مباشر يمكن الموريتانيين أنفسهم من إيجاد حلول دائمة للتحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية في البلد». والتقى محمد بن شمباس وفدا من المنتدى المعارض موسى فال الرئيس بالنيابة، ومحمد ولد مولود رئيس لجنة العلاقات الخارجية، ومحمد جميل منصور رئيس اللجنة السياسية. وأكد بيان لمنتدى المعارضة «أن اللقاء كان فرصة عرض فيها قادة المنتدى أمام المسؤولين الأمميين وجهة نظر المعارضة حول الأزمة السياسية الراهنة وسبل الخروج منها».
وفي تصريح لوكالة «الأخبار» الموريتانية المستقلة، «أكد جميل ولد منصور القيادي بالمنتدى المعارض «أن المندوب الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة المكلف بغرب إفريقيا والساحل تفهم موقف المنتدى من الحوار الذي تقترحه الأمم المتحدة». وأضاف الذي يرأس حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (مصنف محلياً بأنه حزب إخوان موريتانيا)، «أن قادة المنتدى كانوا صريحين مع المندوب باعتبار المنتدى يضم مجموعة هامة جدا من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والهيئات النقابية والشخصيات المرجعية التي تعمل كلها، حسب قوله، من أجل الوحدة الوطنية والديمقراطية في البلد».
وأوضح ولد منصور «أن قادة المنتدى أكدوا لمندوب الأمين العام للأمم المتحدة أنه «لا مشكلة لدينا مع الحوار، وقد أعلناها عدة مرات»، مشيراً «إلى أنهم إنما ينشدون حواراً جاداً ومسؤولاً يفضي إلى نتائج حقيقية لصالح التناوب السلمي على السلطة ولصالح الديمقراطية».
كما أشار «إلى أن المنتدى المعارض يشترط الشراكة في التحضير للحوار ووضوح النتائج المفترضة له، مؤكدا «أن ما يرفضه المنتدى إنما هي الحوارات ذات الأجندة الأحادية والحوارات ذات الأجندة المسبقة والحوارات التي تهدف لحل أزمات النظام لا أزمات البلاد». وفيما تتفاعل بضعف ملحوظ، الوساطة الأممية التي يعتقد بعض المراقبين أنها طوق نجاة للسلطات في هذه الأزمة، تعول المعارضة الموريتانية في معركتها مع السلطات، على حجم مسيرة رفض التعديلات التي نظمتها السبت الماضي وعلى الرسائل التي تضمنتها هذه المسيرة.
وأكد بيان للمعارضة حول المسيرة «أن جماهير نواكشوط، برهنت من خلال مسيرة 11 آذار/مارس 2017، على وفائها وتصميمها على النضال من أجل إسقاط التعديلات العبثية التي يحاول النظام فرضها من أجل تفريق كلمة الشعب الموريتاني وتشويه الرمز الذي يوحده ويجد فيه ذاته والذي استشهد ضباطه وجنوده خدمة له وظل يميز بلده في جميع أقطار المعمورة وفي المحافل الدولية، كما يحاول من خلالها تضييق دائرة التمثيل الشعبي بإلغاء مجلس الشيوخ الذي يشكل غرفة تشريعية لا تعوضها المجالس الجهوية التي هي أدوات للتنمية». «وبالطبع، تضيف المعارضة، فإن دسترة المجالس الجهوية، على أهميتها، لن تضفي عليها أي قيمة في ظل النظام الحالي الذي أفرغ كل مؤسسات الدولة من محتواها واختزل صلاحياتها في شخص واحد يتصرف بها حسب رغباته وأهوائه الشخصية».
ثم تساءلت المعارضة في بيانها قائلة «أوليس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبلديات ووسيط الجمهورية والمجلس الإسلامي الأعلى ومحكمة الحسابات وغيرها كلها هيئات «مدسترة»؟، فماذا أغنت عنها «دسترتها» في ظل نظام لا يقيم أي وزن للمؤسسات ولا للدستور ولا للقانون؟».
«لقد برهنت جماهير نواكشوط من خلال هذه المسيرة كذلك، تقول المعارضة المور0يتانية، على تصميمها على مواصلة النضال من أجل إفشال مخطط النظام المتمثل في اختلاق الأزمات ومحاولة إلهاء البلد عن مشاكله الحقيقية وأولوياته الملحة حتى يتسنى له استنساخ نفسه في ثوب جديد يضمن له الاستمرار في اختطاف البلد ومقدراته وكأنه غنيمة خالصة له يتصرف فيها كما يشاء ويورثها من يشاء».
وتابع البيان «لقد جسدت مسيرة 11 آذار/مارس 2017 تلاحماً رائعا بين مختلف قوى المعارضة من أحزاب وشباب وشخصيات ومجتمع مدني، مما يبشر بمرحلة جديدة تتكاتف فيها جهود الجميع من أجل أفشال الاجندة الأحادية للنظام».
ووجه المنتدى المعارض في آخر بيانه «نداءً صادقاً الى كافة القوى الغيورة على مستقبل الوطن، مها تكن مواقعها، لتكاتف الجهود من أجل التوجه نحو البحث عن حلول توافقية تجنب البلاد من الوقوع في المنزلقات التي يقودها نحوها تعنت النظام الحالي وتماديه في تنفيذ أجندته الأحادية».
وتحت عنوان «رسائل المسيرة»، أكد القيادي المعارض والمدون النشط محمد الأمين ولد الفاضل «أن مسيرة السبت حملت رسائل عديدة وواضحة وغير مشفرة أبرقتها الجماهير الغفيرة التي خرجت في الحادي عشر من مارس في واحدة من أضخم المسيرات التي نظمتها المعارضة الموريتانية في السنوات الأخيرة». ووجهت أولى رسائل المسيرة إلى صندوق بريد الرئيس مفادها، حسب الكاتب، «أن الشعب الموريتاني يرفض العبث بدستوره، ويرفض، وبكل مكوناته وأعراقه، تغيير علمه الوطني».
ووجهت الرسالة الثانية إلى صندوق بريد الجمعية الوطنية وكان مفادها، حسب المدون، «أن «النوائب» (أي النواب) في واد وأن الشعب الموريتاني في واد آخر، وأن الفجوة بينهما قد اتسعت كثيراً».
وكانت الرسالة الأهم تلك التي وجهتها المسيرة، حسب الكاتب، لمجلس الشيوخ، ومفاد هذه الرسالة «أن هناك ظهيرا شعبيا قويا لمجلس الشيوخ، إن قرر هذا المجلس، رفض التعديلات الدستورية، فإنه بذلك سيكون قد حقق مصالح وطنية كبرى، هذا بالإضافة إلى المصالح الخاصة التي سيحققها لهيئته». وتساءل الكاتب في آخر مقاله قائلاً «هل سيتم تجاهل هذه الرسائل أم أنها في هذه المرة ستحظى بالقراءة وبالرد المناسب؟».
وفي مقال آخر، بعنوان «مَشْرُوعُ التًعْدِيلاَتِ الدُسْتُورِيًةِ.. المَسَارُ والآفَاقُ»، أكد السفير المختار ولد داهي القيادي في الحزب الحاكم والأمين العام لوزارة العلاقات مع البرلمان، «أن المصادقة على التعديل الدستوري وفق إحدى» الطريقتين إما المؤتمر البرلماني، أو الاستفتاء الشعبي، سليمة دستورياً وسياسياً وتتمتع مخرجاتهما بالقوة والحجية والمشروعية نفسها، كما أن لكل منهما سلبيات وإيجابيات وإذا كان من سلبيات المؤتمر البرلماني أنه يحرم بعض المواطنين من التعبير الانتخابي عن مواقفهم فإن من سلبيات الاستفتاء الشعبي طول المساطر التنظيمية والإجرائية وارتفاع الكلفة المالية».
وذكر السفير داهي «أن الاتفاق السياسي بين الموالاة الموسعة والمعارضة المحاورة ينص على الشروع في المسلسل الانتخابي بعد المصادقة على التعديلات الدستورية»، متوقعاً «تبدأ في أسرع الأوقات الاستعدادات الفنية لانطلاق المسلسل الانتخابي الذي يتوقع الكثير من المراقبين والمحللين أن يشمل انتخابات بلدية وجهوية 2017 وانتخابات برلمانية 2018 وانتخابات رئاسية 2019».
وتوقع السفير «أن تشهد الانتخابات القابلة مشاركة واسعة من الطيف السياسي الوطني يؤسس لمشهد بلدي وجهوي وبرلماني تعددي تعددية ترسخ وتجذر أكثر فأكثر النموذج الديمقراطي الوطني الذي من الجائز الأملُ والحلمُ والدعاءُ بأن ينتج انتخابات محلية وبرلمانية ورئاسية «بيضاء من غير سوء انتخابي»، نقية طاهرة يهنئ المغلوب راضياً الغالب بنتائجها؛ ساعتئذ، يقول السفير داهي، سيكون نموذجنا الديمقراطي مثلاً يحتذى ودرساً يدرس في المنطقتين العربية والإفريقية».
عبد الله مولود
نواكشوط – «القدس العربي»: