انشغلت أوساط إعلامية مستقلة ومدونون متابعون أمس بتصريحات نسب فيها لرئيس الوزراء الموريتاني يحيى ولد حدمين تأكيده في خطاب أمام سكان قرى «فم لخذيرات» وسط البلاد، «أن النظام الذي يحكم موريتانيا حالياً سيستمر حتى بعد انتخابات 2019 الرئاسية».
ونقلت هذه التصريحات صحيفة «لوكلام» وموقع «الصحراء» الإخباري دون أن تنقله وسائط الإعلام الرسمية.
واعتبر المهتمون بأن هذا التصريح، إن صح، مستغرب ما دام الرئيس ولد عبد العزيز قد تبرأ من المأموريات، وما دام الدستور الموريتاني ينص على أن الرئيس لا يمكن أن يحكم أكثر من مأموريتين، وهو ما يجعل مغادرة الرئيس ولد العزيز للسلطة لازمة في انتخابات 2019.
وأكدت الصحيفة في تعليقها على الخبر أمس «أن الوزير الأول فجر قنبلة بإعلانه استمرار النظام الحالي بعد انتخابات 2019». «إن هذا التصريح، تضيف الصحيفة، يؤكد أطروحة البعض ممن يعتقد أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز مصمم على تولي مأمورية ثالثة، ولذا يجري الترتيب حالياً لفتح أقفال الدستور التي تمنع ولد عبد العزيز من ذلك، ولا شك أن قضية التعديلات الدستورية المثارة حالياً، هي بداية مغامرة طويلة لا يمكن لأي أحد أن يتنبأ بحجم أضرارها على موريتانيا التي تعاني من مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية عديدة».
وأكد موقع «الصحراء» الإخباري «أن تصريحات الوزير الأول ولد حدّمين تغذّي التكهنات الخاصّة برغبة الرئيس ولد عبد العزيز في الترشح لولاية ثالثة وعدم الالتزام بالترتيبات الدستورية التي تمنعه من الترشح من خلال تعديل الدستور وإلغاء القيود على المأموريات».
وفي تعليق على تصريحات الوزير الأول، أكد المدون محمد الأمين سيدي مولود «أن موالاة النظام انفرط عقدها بعد تأكيد الرئيس عدم نيته البقاء في السلطة بعد 2019 وذلك في خطابه في قصر المؤتمرات عند انتهاء الحوار، وكان ذلك هو الخطاب الأكثر وضوحاً في هذا المضمار بعد جدل كبير في الساحة، وتلته تصدعات كبيرة داخل صف الولاء كان أبرزها ضرب مجلس الشيوخ لمشروع تعديل الدستور».
«لكن في الأيام الأخيرة، يضيف المدون ولد سيديد مولود، بدأت بعض الإشارات من بعض أركان النظام (رئيس الوزراء مثلاً ورئيس الحزب الحاكم)، تصب في التلميح بإمكانية بقاء النظام أي الرئيس، لأنه لا يوجد نظام وإنما كشكول يدور حول شخص الحاكم».
وأكد «أن هذه التصريحات من الصعب أن تقيل عثرة العقد المنفرط لأن السقف الزمني على انقضاء فترة حكم عزيز أصبح قليلاً، والنظام في لحظة ضعف واضحة، والواقع الوطني والدولي لا يسمح بتغيير المواد الجامدة في الدستور والتي تمنع بقاء عزيز في السلطة، فما يحصل الآن هو فقط من أجل تدارك ما يمكن تداركه من صف الموالاة حتى يتم ترتيب البديل المنتظر، وهي مهمة صعبة للغاية».
أما المدون محمد محفوظ ولد أحمد فيقول لم اشك لحظة في أن النظام الحالي سيبقي نفسه… وهو الآن عاكف على الأسلوب والطريقة».
وأضاف «على كل حال سيكون ذلك من خلال استمرار سيطرة ولد عبد العزيز المباشرة والكاملة على كتيبة «بازب» (الحرس الرئاسي)، وأجهزة الأمن والمخابرات العسكرية والأمنية، والشؤون المالية (البنك المركزي واسنيم)، وعدم اقتراب الشخص الآخر (المحلل!) من كل ذلك، كائنًا من كان!».
وعلق المدون السياسي المعارض أحمدو الوديعة على تصريحات الوزير الأول «تصريحات ولد حد امين وقبله ولد محم عن بقاء النظام بعد 2019، تمثل محاولة يائسة من النظام لاستعادة المتقافزين من السفينة الجانحة للغرق».
وفي العدوة الأخرى يرى أحمد ولد محمدو الإعلامي الناشط في الموالاة «أنه عندما تحدث معالي الوزير الأول ورئيس الحزب الحاكم عن استمرارية النظام ما بعد 2019 إنما يؤكدان مؤكداً، فالمشروع المجتمعي الذي بشر به رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز سنة 2008 وحجم الإنجاز واكمال ما لم يتحقق بفعل عامل ضيق الوقت ومحدودية الموارد قياسا بضخامة المشروع.. وأن مأمورية ثالثة ورابعة كما صرح وزير الاقتصاد والمالية قبل أكثر من سنة أو سنتين خلال احدى جلسات البرلمان لا تكفي لاستئصال الفساد، كلها عوامل تجعل من استمرارية النهج أمراً مفروغاً منه.. فلا الشعب سيقبل التخلي عما تحقق.. ولا الطبقة السياسية التي دفعت ثمناً غالياً لتجسيد هذه الاصلاحات واقعاً معاشاً في حياتنا اليومية ستتخلى عن حصد ما زرعته بشق الأنفس».
وكانت تأكيدات أدلى بها الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز مؤخراً لقناة «فرانس 24» بأنه سيدعم بنفسه مرشحًا للانتخابات الرئاسية المقبلة، قد دفعت الموريتانيين من سياسيين ومدونين للانشغال بمن سيخلف رئيسهم الحالي وبالظروف التي ستكتنف الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وجاءت التصريحات التي أكدت أن الرئيس ولد عبد العزيز سيدعم الشخص الذي سيخلفه في انتخابات 2019 لتبدد أمل المعارضة الموريتانية في تنظيم الانتخابات المقبلة بصورة حرة وشفافة وبعيدة عن تأثير الجيش.
وجزم المحلل السياسي إسماعيل يعقوب الشيخ سيديا في تدوينة له حول الموضوع بأن «حال الديمقراطية في موريتانيا مرهون بعام 2019، حيث تنتهي الولاية الثانية للرئيس محمد ولد عبد العزيز فلأول مرة في تاريخ البلد يعلن رئيس عن تخليه عن الرئاسة ويحدد تاريخ ذلك».
وأضاف «بعد عامين سيكون الرئيس عزيز قد قضى عقدًا من الزمن رئيساً للجمهورية؛ وسيكون بذلك ثالث أطول الرؤساء مكوثاً على كرسي الحكم بعد الرئيسين معاوية (عشرين عاماً) والمختار ولد داداه (18 عاماً)، وليس الأمر سهلاً بالمرة على بلد لم يتعود الانتقال الدستوري للسلطة سوى مرة واحدة؛ ولم يودع فيه رئيس سلفه عبر تاريخه سوى مرة واحدة؛ وكان ذلك الوداع من رئيس عسكري لرئيس مدني».
وزاد «.. إذا غادر الرئيس عزيز الرئاسة وتسلم رئاسة الحزب الذي أسسه، فهو عائد للرئاسة على الطريقة الروسية؛ فالرجل ستيني بالكاد وقوي العزيمة والشخصية وعصي على التوقعات؛ أما إذا غادر السلطة وخرج من البلاد أو آوى إلى تقاعد مبكر، فتلك استقالته الأبدية».
وتابع المدون إسماعيل تحليله قائلاً «إما أن يكون رئيس موريتانيا ما بعد عزيز من الأغلبية أو من المعارضة؛ مدنياً لم يتعسكر أو عسكرياً تمدن حديثاً؛ فإذا كان الجنرال غزواني قائد الجيش هو الخليفة المنتظر وهو ما يحلو لمعظم كتاب الرأي ذكره، فإن الرجل الثاني في حكم عزيز لن يؤكد الأمر أو ينفيه إلا همساً، بحكم واجب التحفظ، ما لم يحن تقاعده المفترض أن يتزامن مع رئاسيات 2019؛ وهو لا يحتاج لنقاهة برزخية لخوض حملة انتخابية فهو سيد العارفين بأجوائها المرسومة سلفًا».
وأضاف «الجنرال الغزواني يحمل أعلى رتبة في الجيش، وقد أثبت ولاءه لعزيز بشكل أسطوري في مرض الرئيس عزيز بعد ما يعرف بحادثة «اطويله»؛ وتتحدث مصادر مقربة من الرجل عن ذكائه الحاد وطموحه الوقاد، والزمالة الطويلة بين الرجلين تجعل الخلافة أو الاستخلاف أكثر من وارد».
وبعد أن ذكر عجز المعارضة عن الفعل في هذا الموقف، أكد المدون «أن هامش المفاجآت محصور في رجلين، شاب يخطف الأضواء وينجح في جمع حراك شبابي انتخابي جامح في فترة وجيزة، وشخص قادم من الخارج في مواجهة «ميدفيديف موريتاني ضعيف».
وختم المدون تحليله قائلاً «في انتظار الإعلان عن سيد القصر الرئاسي نهاية 2019، تبقى الاحتمالات مفتوحة والتكهنات متتالية، على أن يبقى ثالوث المحمدين في القصر والجيش والأمن، هو صانع الحدث بامتياز في مأمورية الوداع هذه».
نواكشوط – «القدس العربي»