عاد الجدل حول مأموريات رئاسية إضافية إلى الواجهة بشدة أمس بعد تصريحات لرئيس الحزب الحاكم وأخرى لرئيس الوزراء أكدا فيها بشكل واضح بقاء الرئيس محمد ولد عبد العزيز في السلطة بعد انتهاء آخر مأموريتيه الدستوريتين منتصف عام 2019.
وكان الرئيس محمد ولد عبد العزيز قد أكد في تصريحات عدة أنه لا يرغب في الترشح لمأموريات أخرى وأنه سيحترم ترتيبات الدستور الذي ينص على مأمورية رئاسية قابلة للتجديد مرة واحدة. وقال «إنه لن يترشح لولاية ثالثة ولا ينوي البقاء في السلطة بعد 2019، لكنه شدد التأكيد على «أنه سيدعم بنفسه كمواطن له الحق في ذلك، مرشحاً للانتخابات الرئاسية المقبلة».
لكن المتداول لدى أوساط المعارضة هو أن التعديلات الدستورية التي سيجري عرضها على الاستفتاء منتصف تموز/يوليو المقبل قد تقود لفتح أقفال مواد دورات الولاية في الدستور بشكل يسمح للرئيس محمد ولد عبد العزيز بمأموريات أخرى إضافية.
ولمح سيدي محمد ولد محم رئيس حزب الاتحاد الحاكم لهذا بصورة واضحة عندما أكد في خطاب له قبل يومين «أن مشروع الرئيس متواصل»، مضيفاً قوله « ندعو الموريتانيين للتمسك بشخص الرئيس وببرنامجه، ونحن نعلم أن ذلك يزعج البعض واليوم أجدد لكم الدعوة للتمسك بشخص الرئيس وببرنامجه ونؤكد لكم أن هذا البرنامج لن ينتهي عام 2019 وسيستمر، وعلى الطرف الآخر أن يصبر لنا كما صبرنا على ادعائهم بأنهم سيأخذون السلطة في انتخابات 2019 والفيصل في ذلك هو صناديق الاقتراع»، حسب قوله.
وقال إن «الديمقراطية خيار لا رجعة فيه وبالتالي فنحن أمام خيارين لا ثالث لهما الأول أن نعزز الديمقراطية والثاني أن نعطلها ونذهب مع أناس تمت تجربتهم في السابق ولم ينجحوا في الحكم؛ فأي مكان تسيرون اليه من هذا الوطن ستجدون الناس متمسكين بفخامة رئيس الجمهورية الأخ محمد ولد عبد العزيز».
وقطع رئيس الحزب الشك باليقين عندما قال في خطابه «سنظل نكرر بأننا متمسكون بالرئيس عزيز لما بعد 2019 ومأمورياتنا ليست اثنتين ولا ثلاثاً ولا أربعاً».
وفي السياق نفسه المؤكد لبقاء الرئيس بعد انتخابات 2019، أدرج المراقبون تصريحات رئيس الوزراء يحيى ولد حدمين التي أكد فيها قبل أيام «أنه يريد أن يبلغ الموريتانيين بأن النظام الحالي لن يغادر السلطة خلال انتخابات 2019 لأنه توجد هناك ضرورة لمواصلة الإصلاحات، ولأن الشعب الموريتاني راغب في ذلك وأن ما عدا هذا مجرد إشاعات غير مهمة». وعندما سئل وزير الثقافة الناطق الرسمي باسم الحكومة عن تصريحات رئيس الحزب قال «إن الرئيس ولد عبد العزيز سبق وأن أكد بأنه سيجيب على قضية المأمورية سنة 2019»، معتبراً هو الآخر «أن الموريتانيين متمسكون بالرئيس محمد ولد عبد العزيز وقد عبروا عن ذلك في كل المواقف التي كان آخرها مهرجان مدينة جگني (شرق البلاد) تحت إشراف الوزير الأول». وجاءت هذا التصريحات كلها مفاجئة للموريتانيين، لأن الدستور الحالي ينهي آخر مأموريات الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز في الانتخابات المحددة في الدستور منتصف سنة 2019.
ويرى مراقبون عديدون أن تصريحات رئيس الحزب الحاكم ورئيس الوزراء إنما هي تهدئة لسكان المناطق الشرقية ذات الوفرة العددية في الانتخابات بعد أن استشعر النظام بأن شيوخ القبائل بدأوا يبحثون عن الرئيس المقبل وينهون ولاءهم للرئيس المنصرف.
وأكدت صحيفة «لوكلام» أعرق الصحف المحلية في تحليل خصصته لهذه النازلة «أن النظام قد فشل في تمرير المأمورية الثالثة عبر الحوار الأخير وهو يبحث حالياً عن طريقة أخرى يفرض بها البقاء على رأس السلطة»، لكنها تساءلت قائلة «هل يقبل الموريتانيون ببقاء النظام خارج ما حدده الدستور؟ وهل سيقبل بذلك نشطاء المعارضة وأعضاء مجلس الشيوخ المتمردون؟».
وأكدت الصحيفة «أن رئيس الوزراء فجر قنبلة بإعلانه استمرار النظام الحالي بعد انتخابات 2019».
«إن هذا التصريح، تضيف الصحيفة، يؤكد أطروحة البعض ممن يعتقد أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز مصمم على تولي مأمورية ثالثة، ولذا يجري الترتيب حالياً لفتح أقفال الدستور التي تمنع ولد عبد العزيز من ذلك، ولا شك أن قضية التعديلات الدستورية المثارة حالياً، هي بداية مغامرة طويلة لا يمكن لأي أحد أن يتنبأ بحجم أضرارها على موريتانيا التي تعاني من مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية عديدة».
وكل ما يمكن قوله في هذا المضمار هو أن معارك انتخابات 2019 قد بدأت الآن في وقت مبكر حتى قبل انطلاق حملة الاستفتاء على الدستور. وإذا كانت تصريحات رئيس الوزراء ورئيس الحزب الحاكم ستهدئ أنصار الرئيس ريثما يهيئون خيارات الخلافة، فإنها في الجانب الآخر، ستوحد صفوف المعارضة مع المعادين لانقلاب 2008 لتتشكل بذلك جبهة قوية قد تتفق على مرشح واحد في انتخابات 2019 وهي الطريقة التي أوصلت مرشحي المعارضة الموحدين لكرسي الحكم السنة الماضية في كل من غانا وغامبيا.
نواكشوط ـ «القدس العربي»