لم تكن الأزمة الخطيرة التي نعيشها اليوم بين الأشقاء الخليجيين أول الأزمات التي عصفت وتعصف بمنطقتنا العربية، لكن يمكن القول إنها الأخطر على النسيج الداخلي للمسلمين السنة في مشارق الأرض ومغاربها.
ذلك أن أزمات العصر الحديث، كالنكبة والنكسة اواسط القرن الماضي، وكالجولات الدامية بين ثورات الربيع العربي والثورات المضادة لها، والتي ما زلنا نعيش تداعياتها المريرة في مصر وسوريا واليمن وليبيا، وكذا الصراع الطائفي البارد في لبنان والساخن في العراق، فضلا عن احتلال العراق وتدميره.. كل تلك الأزمات ظلت تصنف على أنها عدوان على أهل السنة من طرف جهات صهيونية أو استعمارية أو طائفية أو انقلابية.
صحيح أن السنة كانوا الضحايا في كل تلك الأزمات، لكنهم سرعان ما ينتفضون من تحت الركام وهم أكثر تماسكا واعتصاما بحبل الوفاق.. أعني جماهير السنة.
كنا مطمئنين لذلك الوفاق، ولذلك أطلقنا العنان للمشاعر الجياشة المتكئة على العواطف الصادقة، ومارسنا الاصطفاف في أعلى تجلياته، وتلك هي أسهل وأقصر الطرق للتعاطي مع الأزمة الخطيرة التي تواجهنا اليوم، لكن؛ ماذا بعد؟!.
يكفي أن نلقي نظرة خاطفة على خارطة الوطن العربي لنرى:
- مغربا عربيا متنافرا، فشل على مدى ثلث قرن في إرساء أبسط دعائم الاتحاد المغاربي
- أرض الكنانة، وقد أدارت ظهرها للتحديات الإقليمية والدولية لتدير حربا داخلية أهلكت الحرث والنسل.
- بلاد الرافدين، وقد أضحت مرتعا للمليشات الشيعية وحركات الغلو والتطرف
- بلاد الشام، وقد باتت مسرحا للصراعات الدولية والإقليمية
- السودان المقسم إلى دولتين، واليمن السائر نحو إعادة التقسيم
- فلسطين الحبيبة المحتلة، وما تشهده من تسارع عمليات تهويد القدس ومصادرة الأراضي، وإذكاء الانقسام الفلسطيني المدمر.
لم يبق سوى منطقة الخليج العربي، التي حافظت لعقود على مجلس تعاونها كتجمع عربي وحيد صمد أمام العواصف، وهي فضلا عن ذلك منطقة تضم أهم مقدسات الأمة وأهم مقدراتها.
علينا ألا نسمح للأزمة بين الأشقاء الخليجيين أن تتجذر، مهما كانت مواقفنا منها وقراءاتنا لها وتأثرنا بها وتفاعلنا معها.
على الداعمين لهذا الطرف أو ذاك أن يتخلقوا بالتغافل والتساهل تجاه بعضهم البعض.. فالإبقاء على وحدة وتماسك حكومات وشعوب منطقة الخليج خير وأبقى من إطلاق العنان للعواطف والمواقف الآنية غير المدروسة.
الأزمة الراهنة لن تعدو أن تكون سحابة صيف لا تلبث أن تنقشع، والأولى بنا ألا نؤسس لزرع بذور التوتر تحت أقدام من سيجبرهم الدين والنسب والواقع التاريخي والجغرافي والمصالح المشتركة على تجاوز الإشكال الطارئ، كما تجاوزوا إشكالات عديدة سابقة.
سيدي محمد ولد يونس