تتواصل «الطنطنة» رمزاً للاحتجاجات الشعبية في منطقة الريف، لكن «طنطنة» اول امس الثلاثاء، كان لونها اسود، بلون يوم عيد الفطر، الذي شهد دماً أسالته عصي قوات الامن واقدامها في اجساد المحتجين، وشهد اعتقالات عشوائية لتزيد من عدد المعتقلين الذين بات اطلاق سراحهم المطلب الرئيسي للحراك الشعبي المندلع في الريف منذ ثمانية اشهر.
وأصر «نشطاء الريف» في الحسيمة على مواصلة الاحتجاج بشتى الطرق لإيصال صوتهم والترافع من أجل تلبية مطالبهم، التي يتصدرها مطلب إطلاق سراح المعتقلين بسجون الدار البيضاء والحسيمة والناظور وشهدت ليلة اول من أمس الثلاثاء، كما الاحتجاجات منذ أكثر من اسبوع، الاحتجاج بـ»الطنطنة»، أي قرع الأواني من فوق أسطح المنازل والنوافذ، مع حمل الشموع وترديد الشعارات، رداً على التدخل العنيف ضد المحتجين يوم عيد الفطر، الذي اطلق عليه «العيد الاسود».
وواصل المحتجون «الطنطنة» لوقت طويل، مرددين شعارات مطالبة بوقف العسكرة، وإطلاق سراح المعتقلين، وإلغاء المتابعات القضائية الجارية، وتلبية المطالب وشهدت مدينة الحسيمة يوم عيد الفطر تدخلاً أمنياً عنيفاً في حق المحتجين، قوبل برشق القوات العمومية بالحجارة، إذ تم تسجيل إصابات في صفوف الطرفين.
اعتقال العشرات في الحسيمة
وأورد عدد من النشطاء والمحامين أن عناصر الشرطة في المدينة قامت باعتقال العشرات، وأطلقت سراح بعضهم، في حين تم وضع آخرين رهن تدابير الحراسة النظرية بتعليمات من النيابة العامة.
ويؤكد «نشطاء الحراك» أنهم لن يتراجعوا عن الاحتجاج بكل الأساليب المتاحة إلى غاية تحقيق المطالب وإطلاق سراح كل المتواجدين خلف القضبان والاستجابة للمطالب الاجتماعية والاقتصادية.
وفضَّ الأمن المغربي، المسيرة في مدينة الحسيمة والمدن الاخرى القريبة، وحدثت بالموازاة مواجهات بين بعض المحتجين الملثمين وبين رجال الأمن، عبر تبادل الرشق بالحجارة وإطلاق الغازات المسيلة للدموع.
وقالت السلطات ان حوالي 29 عنصرًا من أفراد الامن تعرضوا لإصابات متفاوتة الخطورة، خلال أعمال عنف شهدتها مدينة إمزورن مساء اول أمس الثلاثاء، واوضحت ان العشرات من الأشخاص التجمهر في الحي السكني أيت موسى واعمر بامزورن قبل أن تنطلق شرارة العنف، والتي استمرت إلى غاية الساعة الخامسة من صباح (امس) الأربعاء وأن عدداً من سيارات الإسعاف قامت بنقل عدد من عناصر الشرطة وأفراد القوات المساعدة نحو المستشفى بالحسيمة بعد رشقهم بالحجارة، أحدهم كانت إصابته على مستوى الرأس وتظهر الصور التي وزعتها السلطات إصابات مختلفة لعناصر أمنية بعدما تم نقلها الى المستشفى.
وقال الناشط الحقوقي في الحسيمة عبد الصادق الشتاوي أن عدد المتظاهرين الذين تم اعتقالهم يوم العيد يقارب 150، أفرج على البعض منهم وتم الاحتفاظ بالبقية ومن بينهم متضامنون قدموا إلى الحسيمة من بركان وتمسمان ونقل موقع الايام 24 عن البوشتاوي ان ما شهدته الحسيمة يوم العيد بـ ”القمع والترويع الذي خلق نوعاً من الاستياء في صفوف جميع المواطنين في منطقة الريف».
ووصف البوشتاوي التدخل الأمني لمنع التظاهر يوم العيد بــ”العنف المفرط” والاعتقالات بــ”الاختطافات المهينة» التي لا تحترم الكرامة الانسانية وعبر عن استيائه واستنكاره من تعرض النساء ”للرفس والضرب بشكل مهين أمام عائلاتهن وأزواجهن وأبنائهن» من قبل رجال الأمن.
وقال «إن ما حدث ويحدث في منطقة الريف بصفة عامة وإقليم الحسيمة بصفة خاصة يكشف زيف شعارات الدولة من قبيل دولة الحق والقانون والعهد الجديد”، وأن هذا يتنافى مع التزامات المغرب المحلية والدولية في مجال حقوق الإنسان خاصة من خلال مقتضيات دستور 2011 والمواثيق الدولية المصادق عليها والبروتوكولات الملحقة بها.
الأمن يرشق منازل المواطنين بالحجارة
وتداول عدد من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي شريط فيديو جديد يظهر عناصر أمن وهم يقومون برشق منازل مواطنين بالحجارة مساء يوم الثلاثاء في مدينة امزورن اثر تدخل أمني لتفريق احتجاحات في المدينة ويظهر في الشريط عناصر الأمن من قوات التدخل السريع والقوات المساعدة وهم يرشقون منازل مواطنين ونوافدها بالحجارة، مع وابل من السب والشتم بكلام نابٍ.
وأعرب وزير الداخلية المغربي عبد الوافي لفتيت اول امس الثلاثاء في الرباط عن ارتياحه «تجاه التعاطي الإيجابي والاحترافي الذي يواجه به رجال السلطة ،وممثلو السلطات الأمنية، مختلف مظاهر المس بالأمن والنظام العام»، مستحضراً «الصعوبات والإكراهات الميدانية المرتبطة بظروف اشتغالهم»، ومؤكداً على أن «الإخلاص التام والتفاني في أداء الواجب يبقى السبيل الأمثل لتعزيز الثقة لدى المواطنين في قدرة السلطات العمومية على حمايتهم وحماية ممتلكاتهم».
وأكد لفتيت أن التجربة الميدانية أبانت أن عدم الإنصات للمواطنين وعدم التفاعل مع انشغالاتهم كيف ما كانت طبيعتها «تغذي وضعية الاحتقان وبؤر التوثر وتساهم في نشر الخطاب العدمي في صفوف المواطنين» وان مهمة المحافظة على النظام العام والسهر على أمن المواطنين، إحدى أولويات الإدارة الترابية والأمنية، و»إسهام رجل السلطة في فرض احترام القانون والابتعاد عن كل الممارسات والسلوكات التي تمس بمصداقيته، كفيل بتعزيز هيبة الدولة وزرع الثقة بمؤسساتها»، وأن «ذلك لن يتأتى إلا بالتحلي بالانضباط وحسن الخلق، والالتزام الصارم والدقيق بتطبيق القانون وبالشفافية والمصداقية».
مظاهرة تأييد في بروكسل
وفي الخارج نظم العشرات من النشطاء المغاربة، الثلاثاء، وقفة قرب وزارة الخارجية البلجيكية بالعاصمة بروكسل، احتجاجاً على أحداث العيد الأسود، وللمطالبة بإطلاق سراح معتقلي حراك الريف وذلك بدعوة من لجنة متابعة ملف محسن فكري، رُدّدت خلالها شعارات «محسن مات مقتول.. والنظام هو المسؤول»، و«الشهيد خلّى وصية.. لا تنازل عن القضية»، و«اعتقالات اعتقالات.. تؤجج النضالات»، و«من أجلنا اعتقلوا.. من أجلهم نناضلُ».
وحمل المتظاهرون لافتات كُتبت بالأمازيغية، والفلمانية والفرنسية، إضافة إلى صور رافضة لاعتقال نشطاء الحراك، ولحادثة «طحن» الرّاحل محسن فكري أيضاً.
وقال أحد المشاركين في الاحتجاج «تأتي هذه الوقفة احتجاجًا على استمرار الاعتقال السياسي، وكذا للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين فوراً دون قيد أو شرط. نحن نتشبث بحقنا في العيش الكريم، في التعليم، في الصحة، لكن للأسف هم قرروا تخريب مدينتنا وتكسير عزيمتنا، ويحاولون جاهدين إطفاء شمعة الأمل لدى الريفيين وعموم المغاربة الأحرار».
واوضح «ان هذه المظاهرات، التي تقع لأول مرة بهذه السرعة وبهذا الشكل، تؤكد أننا في الطريق الصحيح وأن ريفنا هذه المرة سينتصر؛ لأننا كشفنا أن النظام ظالم وقمعي، ولا يحترم حتى الدستور الذي دونه لنفسه».
عودة سنوات الجمر والرصاص
وقال الناشط المرتضى إعمراشا في تدوينة على الفيسبوك ان «ما حدث يوم العيد في إقليم الحسيمة من قمع وتنكيل بالمواطنين وما حدث أمس بإمزورن وغيرها وما عانيناه ونعانيه ورفاقي في السجون وعند أجهزة المخزن يؤكد أن سنوات الرصاص لم تنته بعد، وأننا مقبلون على مزيد من الكوارث ما لم يتدخل عاجلاً العقلاء لنجنب بلادنا ما يطمح إليه أعداء الوطن».
واضاف الذي اعتقل، بخلاف بقية المعتقلين على خلفية حراك الريف، بتهم تتعلق بالارهاب واحيل على المحكمة المختصة بمتابعة ملفات الارهاب، لكن اطلق سراحه اثر وفاة والده نهاية الاسبوع الماضي «أناشدكم بالثبات على وصية ناصر الزفزافي (قائد حراك الريف) التي أكدها والدي قبل استشهاده، فإن هذه الأجهزة بهمجيتها لا تريد إلا مزيداً من الضحايا الذين بمجرد سقوطهم جرحى أو معتقلين لا تقل معاناتهم عن معاناة عائلاتهم، مدوا اليد لوحدة الصف والثقة المتبادلة إلا فيمن يتبنى العنف الذي لا يخدم سوى مصالح من يديرون هذه الأزمة».
وبدأت أولى جلسات التحقيق التفصيلي مع ناصر الزفزافي وباقي المعتقلين من النشطاء بـ»حراك الريف»، بالسجن في الدار البيضاء امس الأربعاء بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء وقال سعيد بنحماني المحامي وعضو هيئة الدفاع عن معتقلي الحراك «انطلقت اليوم الأربعاء أولى جلسات التحقيق التفصيلي بغرفة التحقيق الأولى بمحكمة الاستئناف بالدارالبيضاء لمعتقلي «حراك الريف» الشعبي ويشمل أربعة معتقلين» وسيتم افتتاح جلسات التحقيق التفصيلي مع كل من المعتقلين محمود بهنوش -وسيم البوستاتي – زكرياء اظهشور – رشيد المساوي ابتداءا من الساعة العاشرة صباحاً مؤازرين من طرف هيئة الدفاع.
وأكد حسن طارق أستاذ العلوم السياسية، والبرلماني السابق ان إطلاق سراح المعتقلين وتفعيل تدابير إعادة الثقة، يشكل مدخلاً اساسياً لحلحلة الازمة وقال إن مطالب حراك الريف لم تعد مطالب سياسات فقط بل أصبحت مطالب «كرامة» و»الجواب يجب أن يكون سياسياً وحقوقياً بالأساس». واذا كان السبب المباشر للحراك يرجع إلى (الوفاة الأليمة للشاب محسن فكري)، فان «دينامية الوقائع واستمرار الظاهرة الاحتجاجية ارتبطت بمجموع عوامل متداخلة (ذاكرة المدينة ورمزيتها /سوء الفهم التاريخي مع السلطة المركزية / قيادة الاحتجاج / قوة خطاب و«إيديولوجية» الاحتجاج التي استثمرت المشترك الرمزي والهوياتي والثقافي لصياغة موقف مناهض للسياسات وللسلطة» «ولا شك أنه وقعت تحولات في هوية «الحراك» ولغته ومواقفه، تبعاً لسلوك الدولة والنخب وتبعاً كذلك لتفاعل المواطنين».
الاحتجاجات مرشحة للتصاعد
وقال أحمد الزفزافي، والد «أيقونة حراك الريف» المعتقل ناصر الزفزافي، إن ابنه اعتقل فقط لأنه طالب بالعمل وببناء مدارس ومستشفى وجامعة، مضيفاً أن «السلطات المغربية نصبت له فخًا من أجل اعتقاله، حيث أن إمام المسجد لم يتحدث في ذلك اليوم عن الله ورسوله كما كان يفعل، وإنما وصف ما يقوم به شباب الحسيمة من مظاهرات بالفتنة».
وأضاف أحمد الزفزافي، في مقابلة مع صحيفة إسبانية، أن ابنه المعتقل تدخل وطالب الإمام بعدم إقحام حراك الريف في خطبة الجمعة، كون المتظاهرين ليسوا متمردين ولا يريدون الفتنة، وأن «وتيرة الاحتجاجات في المنطقة مرشحة للارتفاع في حال عدم إطلاق سراح المعتقلين، خاصة أن محتجين في مدن مغربية أخرى، مثل الرباط، خرجوا للتعبير عن دعمهم لمطالب ساكنة الريف».
وحول ما إذا كانت مطالب الريفيين تتجاوز ما هو اجتماعي إلى ما هو سياسي، قال الزفزافي إن «السياسة توجد في الدول الديمقراطية وليس في المغرب حيث يسجن كل من طالب بحقه»، وأن «المغاربة مقسمون، كما هو الحال قديماً، بين نبلاء وعبيد»، موضحاً أن «ابنه لم يكن أبداً زعيماً للحراك في الريف، وإنما هو شخص يعرف كيف يعبر بشكل صريح عن ما تحتاجه المنطقة».
وقال إن «الحكومة المغربية تعاملت بسوء مع ساكن منطقة الريف، وفي عهد الحماية الإسبانية كان هناك 122 من معامل تصبير السمك ومعامل صناعة الأحذية وإنتاج المواد الغذائية ومحطات للغاز، والآن لم يبق شيء من هذا كله» و»لا أحد يستطيع التساؤل عن مصير هذه المعامل خوفًا من الزج به خلف القضبان». واضاف «لا وجود للقانون في المملكة المغربية وإنما ما تمليه القرارات السياسية والأوامر التي تعطى عبر الهاتف»، لذا فان «مفاتيح حل هذا المشكل، في ظرف خمس دقائق، توجد بيد الملك محمد السادس الذي نطالب بتدخله بهدف إعادة المياه إلى مجاريها.. أما الوزراء فيأتون إلى الحسيمة للتجوّل».
محمود معروف
الرباط ـ «القدس العربي»