بات الاستفتاء المثير للجدل الشغل الشاغل لأطراف المشهد السياسي الموريتاني حيث واصل الوزراء أمس اندفاعهم في حملات سياسية تحسيسية لإقناع معاونيهم بالتعبئة الشاملة لإنجاح الاستفتاء المقرر يوم الخامس آب/أغسطس المقبل.
وبالنظر لصعوبة تهيئة ظروف مقبولة لإجراء الاستفتاء، عقد رئيس الوزراء يحيى ولد حدمين اجتماعاً مع أعضاء الحكومة وألزمهم بدفع موظفي قطاعاتهم نحو التسجيل في قائمة الناخبين والمشاركة النشطة في التصويت بـ «نعم» يوم الاقتراع، واجتمع وزير الداخلية كذلك بكافة عمد البلديات للغرض ذاته.
ويتوازى ذلك مع حملة سياسية واسعة يقودها منذ أيام حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم والذي دعا رئيسه سيدي محمد ولد محم أمس العمد والأمناء الاتحاديين للحزب لتعبئة أنصارهم للتسجيل على اللوائح الانتخابية.
وأكد ولد محم «أن المعارضة ثلة قليلة ومعزولة من قبل الشعب الموريتاني الذي لم يعد مقتنعا بها».
ومددت الحكومة أجل التسجيل على قائمة الناخبين بعد أن لاحظت ضعفاً كبيراً في تفاعل السكان معها.
وبعد أن نفذت حملات إعلامية وسياسية مناوئة للاستفتاء، أوقفت المعارضة نشاطاتها في شهر رمضان لكن قادتها أكدوا أنهم عائدون للساحة لاستئناف معركتهم من أجل إفشال الاستفتاء.
ويعد الشيوخ المناوئون للرئيس على مستواهم، برامج سياسية لإفشال الاستفتاء بطرق متعددة.
ودخلت موريتانيا حالة هستيرية شديدة منذ أعلن الرئيس ولد عبد العزيز في مايو/أيار من العام الماضي، عن التوجه نحو الاستفتاء بعد أن رفض مجلس الشيوخ التصويت على القانون الخاص بالاستفتاء الدستوري في مارس الماضي.
وعقدت مئات المهرجانات الشعبية تحت إشراف الوجهاء ورؤساء القبائل وضباط الجيش والموظفين الساميين وأصحاب المبادرات السياسية الداعمة للتعديلات الدستورية التي تقف وراءها السلطات العسكرية والمدنية العليا في البلد.
وساهم في هذه الحملات الداعمة للاستفتاء كبار العلماء وكبار أئمة الجوامع حيث خصصت خطب الجمعة عدة مرات لدعم الاستفتاء وتعديد الإنجازات في هذا الميدان أو ذاك.
وتواصل اللجنة المستقلة للانتخابات نشاطها المحضر للاستفتاء، بعد أن أعيدت فيها الثقة رغم حديث المعارضة عن انقضاء مأموريتها.
وتستجمع الأحزاب المحسوبة على المعارضة والمشاركة في الحوار الذي تمخض عن تعديل الدستور، قواتها هي الأخرى لإنجاح العملية.
ويستلزم الاستفتاء صرف أموال طائلة تصل لستة مليارات من الأوقية.
وإذا كان النواب قد صادقوا على قانون تسوية الميزانية الذي يشتمل على مخصصات الاستفتاء، فإن مجلس الشيوخ المناوئ للاستفتاء يرفض النظر في القانون إلى أن يدقق الخبراء النظر في القانون.
ونظراً لوجود هذه العرقلة فإن البعض يتحدث عن تأجيل محتمل آخر للاستفتاء أو عن تراجع الحكومة عن بعض التعديلات المقررة مثل تغيير العلم وتغيير النشيد الوطني.
ويجمع المراقبون على أن الاستفتاء الذي يجري التحضير له يواجه صعوبات كبيرة حيث يعزف الناخبون عن التسجيل على القائمة الانتخابية، إذ لم يسجل حتى الآن العدد المعقول في عموم التراب الوطني في تجديد القائمة الناخبة التي تقدرها الحكومة ب 1.2 مليون مسجل بينما تقدرها المعارضة ب 2.5 مليون ناخب. وتشمل التعديلات التي سيعرضها النظام على الاستفتاء الشعبي اعتماداً على المادة (38)، إلغاء مجلس الشيوخ واستبداله بمجالس تنموية جهوية إضافة لتغيير العلم والنشيد الوطنيين وإلغاء المحكمة السامية والمجلس الإسلامي الأعلى ووساطة الجمهورية.
وصادق نواب الجمعية الوطنية على هذه التعديلات يوم 9 آذار/مارس الماضي لكن مجلس الشيوخ رفضها يوم 17 من الشهر نفسه، وهو ما وضع الرئيس أمام إحراج كبير جعله يتخلى عن ترتيبات الباب الحادي عشر ويتجه لتفعيل المادة (38).
وترفض المعارضة الموريتانية تفعيل المادة (38) وتعتبرها مادة عامة غير مختصة في مراجعة الدستور الذي لا تمكن مراجعته خارج أحكام الباب الحادي عشر بمواده 99 و100 و101.
وبما أن الرئيس الموريتاني قد رفض في تصريحاته الأخيرة، العودة للحوار الوطني مع معارضيه، فالمنتظر هو أن تتجه الأوضاع في موريتانيا نحو المواجهة والتصعيد وذلك عبر معارك ينتظر اندلاعها أثناء وبعد الاستفتاء المنتظر.
القدس العربي