في ثالث أيام الحملة السياسية الممهدة لاستفتاء الخامس من أغسطس المقبل، دخلت موريتانيا بأغلبيتها الحاكمة ومعارضتها وسياسييها، في عجاج معركة ضارية بين أنصار «نعم للدستور» التي يقودها الرئيس وحكومته، ومؤيدي «لا للعبث بالدستور» التي يقودها منتدى المعارضة المقاطع للاستفتاء، وحزب اللقاء الديمقراطي الحزب المعارض الوحيد المشارك في التصويت.
وتشمل التعديلات التي ستعرض على استفتاء الشعب عدة إجراءات بينها إلغاء مجلس الشيوخ والاكتفاء بغرفة النواب، وإنشاء مجالس جهوية لتحقيق اللامركزية وتعويض جانب من تمثيل الشيوخ للمقاطعات، وتغيير العلم الوطني بإضافة خطين أحمرين في أعلاه وأسفله يرمزان للمقاومة الوطنية، وإلغاء المحكمة السامية التي تحاكم الرئيس في حالة الخيانة العظمى وإسناد مهمتها للمحكمة العليا.
ويدافع الرئيس محمد ولد عبد العزيز وأنصاره عن هذه التعديلات ويسمونها «إصلاحات» ويعتبرون في خطاباتهم وتدويناتهم أنها مجرد «عقلنة للمؤسسة البرلمانية بإلغاء مجلس الشيوخ، ومقروئية وترشيد لبعض المؤسسات الدستورية بدمج دمج مؤسسة الوسيط الجمهوري ومؤسسة الإفتاء، وتوسيع للديمقراطية المحلية بإنشاء المجالس الجهوية، وتعزيز لقيم المواطنة من خلال تحسين العلم الوطني عبر تثمين قيم التضحية من أجل الوطن، وترسيخ للديمقراطية من خلال منح ثلاثة مقاعد بالمجلس الدستوري للمعارضة».
غير أن هذا الطرح السياسي يواجه معارضة من حيثيات مختلفة كما أكد ذلك خطباء المعارضة ومدونوها، فهذا الصف يعتبر «أن الاستفتاء ينظم على أساس المادة (38) غير المخصصة لمراجعة الدستور التي تحكمها مواد الباب الحادي عشر، كما أن التعديلات المعروضة على الاستفتاء غير مجمع عليها وغير ضرورية، والأموال التي ستصرف على الاستفتاء أجدى أن تصرف في أولويات أخرى».
وعبّر الصوفي ولد الشيباني رئيس مجلس شورى حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (الإسلاميون) في خطاب افتتح به أمس الدورة السابعة للمجلس عن مآخذ المعارضة على الاستفتاء، حيث أكد أنه يجري «في ظروف حساسة من تاريخ البلد، حيث يشهد لأول مرة التحضير لاستفتاء دستوري عبر آلية مخالفة لأحكام الدستور في عملية عبث بالوثيقة الأساسية الجامعة للأمة تهدف إلى تغيير الرموز الأساسية للبلد التي تربت عليها أجيال وسقط دفاعا عنها شهداء وارتبط بها وجدان الناس».
وقال: «بكل أسف فإن هذا التلاعب بالدستور، وما رافقه من مظاهر مشينة لإقحام مسؤولي الإدارة المحلية والموظفين الحكوميين وعناصر القوات المسلحة وقوات الأمن وأجهزة الدولة ووسائلها في الانخراط في حملة بالتصويت لصالح تلك التعديلات، يتم في الوقت الذي يتفاقم فيه الاحتقان وتتكرس الأزمة السياسية وتتعمق معاناة المواطن في المجالات المختلفة، وبدل تكريس الجهود لإيجاد حلول لتلك المشاكل والسعي إلى تخفيف معاناة المواطن، يصر النظام على المضي في مسار أحادي غير آبه بالمخاطر التي يشكلها ذلك على مستقبل البلد واستقراره وتجربته الديمقراطية».
وأضاف ولد الشيباني: «لقد سعى حزبنا طيلة الفترات الماضية إلى تجنب وصول البلاد إلى هذه المرحلة الحادة من الانقسام السياسي، حيث ما فتئ يدعو للحوار الجاد بين الأطراف المختلفة بغية إيجاد توافق وطني حول القواعد والضمانات الأساسية لعملية ديمقراطية حقيقية، وهو الخط الذي رسمه لنفسه ويحرص على التمسك به بنفس القدر الذي يتشبث فيه بالدفاع عن مصالح البلد ومكتسباته الديمقراطية ويرفض النهج الإقصائي للنظام وسياساته المكرسة لأسلوب التفرد بالحكم والساعية للانقلاب على المكتسبات الدستورية للبلد وتبديد موارده في استفتاء على تعديلات دستورية غير مجدية ولا تخدم وحدة البلد وتطوره الديمقراطي، بل إنها على العكس من ذلك تفرق بين أبنائه ولا تجمع وتباعد بينهم ولا تقارب».
وزاد: «كان الأولى صرف الأموال المنفقة على هذا الاستفتاء، في توفير ماء لعطشى أو إطعام لجوعى أو علاج لمرضى أو توظيف لعاطلين… وما أكثر كل أولئك في بلادنا هذه الأيام».
وفي سياق متصل، أعلن المنتدى الوطني للمنظمات الحقوقية ويضم عشرين منظمة غير حكومية، في بيان وزعه أمس عن «تنديده بما تقوم به السلطة من محاولات لتعديل الدستور في استفتاء الخامس من أغسطس / آب المقبل».
وأكد النادي «أن نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز يواصل خرقه للحقوق الأساسية للمواطنين الموريتانيين منذ انقلاب السادس من أغسطس الذي نفذه ولد عبد العزيز ضد الرئيس المنتخب سيدي ولد الشيخ عبد الله».
وأكد المنتدى «أن نظام محمد ولد عبد العزيز امتنع عن تطبيق جميع الاتفاقيات التي أبرمت بينه مع الطبقة السياسية منذ سنة 2009 وبخاصة اتفاق داكار الذي مكن من العودة للحياة الدستورية بعد التصدع الذي نجم عن انقلاب السادس من أغسطس 2008».
وحذر «من إقبال موريتانيا على عملية استحواذ على السلطة في آفاق سياسية خطيرة»، محملا «الرئيس محمد ولد عبد العزيز كامل المسؤولية عما سيترتب على ذلك، داعيا «كافة القوى المحبة للسلام والعدالة في موريتانيا وعبر العالم للوقوف في وجه ما قد يتعرض له الشعب الموريتاني من مخاطر». وأكد المنتدى «أن الاستفتاء يعتمد في تنظيمه على المادة (38) من الدستور وهي مادة غير مختصة في المجال». وتندرج هذه المواقف ضمن معركة ما قبل استفتاء الخامس من أغسطس، كما تأتي وسط تجاذب سياسي كبير بين النظام الموريتاني ومعارضيه الذين يعتقدون بعدم شرعية تنظيم الاستفتاء، بعد أن رفض مجلس الشيوخ الموريتاني (الغرفة العليا في البرلمان) يوم 17 آذار/مارس 2017، المشروعَ الذي تقدم به الرئيس لمراجعة الدستور الموريتاني.
وشكل رفض مجلس الشيوخ الذي يتمتع الرئيس فيه بأغلبية مريحة (46 من أصل 56)، سابقة في الحياة السياسية الموريتانية.
ويعارض هذه التعديلات أعضاء مجلس الشيوخ، والمعارضة غير المشاركة في الحوار التي رفضت مبدأ تعديل النظام للدستور في الوقت الحالي، بحجة أن الدستور لا ينبغي تغييره في أجواء غير توافقية، كما تعارضه أطياف سياسية ومجتمعية رافضة لتغيير العلم لأسباب تاريخية ورمزية.
ووضعت هذه التطورات المشهد السياسي الموريتاني بشقيه الموالي والمعارض في حالة من الإرباك الشديد، وهي الحالة التي يتوقع أن تطبع المشهد خلال الفترة التي تفصل عن الانتخابات الرئاسية لعام 2019، بل إنها ستتحكم في الانتخابات المقبلة، حيث أن الصراع المشتعل حاليا إنما هو في الحقيقة صراع حول خلافة الرئيس محمد ولد عبد العزيز.
«القدس العربي»