اتخذت الحملة السياسية والإعلامية الممهدة للاستفتاء الدستوري المنتظر يوم الخامس من أغسطس/ آب المقبل منحى جديدا أمس حيث انغمست في أوحال تسريبات وتسريبات مضادة لرسائل «الواتساب» الصوتية التي ضبطها الدرك الموريتاني مؤخرا محفوظة في هاتف السيناتور محمد ولد غده أحد أبرز معارضي الرئيس الموريتاني اليوم.
وأكدت هذه التسجيلات أن السيناتور غده كان المنسق الأساس للحراك الذي أسقط مشروع القانون الدستوري داخل مجلس الشيوخ، كما كشفت عن علاقاته الخاصة مع الرئيس الراحل علي ولد محمد فال ومع رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو وكلاهما معارض شرس للرئيس ولد عبد العزيز.
ولمّح الرئيس الموريتاني، حسب مدونين مؤولين لكلامه، لهذه التسجيلات في خطاب ألقاه أمس بمدينة كيهيدي جنوب البلاد.
وقد أعطى السيناتور ولد غده تفصيلات كثيرة عن هذه التسجيلات التي تشغل الرأي العام منذ يومين، في برنامج «المشهد الدستوري» في قناة «المرابطون»، كاشفا «عن الوعود والامتيازات التي قدمها نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز، حسب قوله، للشيوخ مقابل تصويتهم لتمرير التعديلات الدستورية». وفيما يلاحظ غياب لصوت المعارضة في هذا التجاذب، دافع الرئيس الموريتاني بشدة في خطاب ألقاه أمس بولاية غورغول عن نظامه وإنجازاته، كما قدم تعليلات وشروحا للنقاط التي تتضمنها التعديلات الدستورية المقترحة.
وشدد الرئيس الموريتاني على «أن الوطن الموريتاني بخير وعلى أن المكاسب تتعزز عكسا لما يروج له المشوشون».
وأوضح «أن التعديلات المعروضة على الاستفتاء تشمل 57 نقطة مكرسة كلها لخدمة الشعب الموريتاني والدولة الموريتانية وتطوير المؤسسات وترشيد النفقات وتبني نهج التوافق تعزيزاً للديمقراطية وتوطيداً لأواصر الوحدة».
وقال: «إن الحوار الذي نظم عام 2016 والذي تمخض عن هذه التعديلات، لم يتخلف عنه إلا الممانعون الذين دأبوا على اختطاف موريتانيا وتوجيه ثرواتها لفائدة مصالحهم الشخصية»، في إشارة منه لمعارضيه.
وقال في أحد تهجماته على معارضيه «إن دعاة الفتنة ومروجي الأكاذيب يعرفهم الشعب الموريتاني بسيماهم وهم الذين سعوا لجر البلاد نحو أتون الحرب ونحو الدمار كما حصل في دول أخرى شهد العالم للأسف تشريد شعوبها وخراب مؤسساتها وانهيار مقدراتها».
وأكد «أن تحسين العلم الوطني بخطين أحمرين ليس أمراً نشازاً، لأن 125 دولة في العالم من بينها أكثر الدول تقدما، أضافت إشارات حمراً لأعلامها، وما تم اقتراحه في هذا الصدد إنما يهدف لتخليد ذكرى المقاومة الوطنية وتضحياتها العظيمة وهو يمثل اعترافا من المجموعة الوطنية بالجميل للشهداء الأبرار».
وتؤكد المعارضة «أن تغيير العلم تغيير لرمز توحد حوله الموريتانيون منذ الاستقلال، وأن تغييره لا يستلزم عرضه على الاستفتاء بل يمكن تغييره بمرسوم».
وشدد الرئيس ولد عبد العزيز تأكيده على «أن الإصلاحات الدستورية تدخل في إطار تعزيز المكاسب الوطنية وترسيخ الديمقراطية من خلال إلغاء مجلس الشيوخ ومواءمة الهيئات الدستورية مع الحياة السياسية وتوسيع تشكيلة المجلس الدستوري ليصبح 9 أعضاء ينتخب ثلثهم من طرف المعارضة، واستحداث المجلس الإسلامي الأعلى للفتوى والمظالم وتكليفه بصلاحيات مجلسي الفتوى والمظالم والإسلامي الأعلى ووسيط الجمهورية».
وقال: «إن إلغاء غرفة مجلس الشيوخ ضرورة وطنية لأنه كلف الدولة منذ نشأته 16 مليار اوقية، كما أن المعارضة تعتبره غير شرعي وبأنه يعمل خارج القانون، وذلك قبل أن يتم توظيفه سياسيا من طرف البعض خدمة لأغراضهم الشخصية وتنفيذا لأجندات خاصة».
وترى المعارضة الموريتانية أن إلغاء مجلس الشيوخ الذي هو الهيئة الوحيدة التي لا يمكن للرئيس حلها سيزيل كابحا ومنظما دستوريا لسلطات الرئيس، كما أنه سيخل بالتوازن بين المؤسسات.
وتحدث الرئيس الموريتاني عن المجالس الجهوية المقترحة في تعديل الدستور بديلا عن مجلس الشيوخ، فأوضح «أن هذه المجالس ستعزز نهج اللامركزية وستمكن من تقريب الخدمة من المواطن وضمان مشاركته في تشخيص المشاكل المحلية وإيجاد حلول لها تنطلق من واقع الناس وتوزيع الثروة وفق مقاربة تتيح خلق أقطاب جهوية وتثبت الناس في مواطنهم الأصلية وتخفف الضغط على العاصمة نواكشوط. إن التعديلات المقترحة تتضمن أيضا معالجة حالة شغور منصب الرئيس، حيث سيتولى رئيس الجمعية الوطنية في هذه الحالة النيابة عن الرئيس (بدل رئيس مجلس الشيوخ المقترح حله)، وإذا تعذر ذلك يتولى رئيس المجلس الدستوري تلك المهام».
وفي إشارة لمن يتهمه بتعديل الدستور لفتح باب الدورات الرئاسية، قال الرئيس ولد عبد العزيز: «إن هذه التعديلات لا تنطوي على أي مصالح شخصية أياً كانت طبيعتها، بل تصب كلها في مصلحة الشعب الموريتاني واستمرار نهج البناء والتشييد».
وضمن تفاعلات الساحة السياسية الموريتانية، أكد السيناتور محمد ولد غده عضو مجلس الشيوخ «أن الشيوخ المعارضون لتعديل الدستور رافضون لنتائج الاستفتاء المقبل، وسيواصلون العمل كمجلس شيوخ كامل الصلاحية عبر تأجير مقر يحتضن أنشطتهم إذا ما أقر الاستفتاء المنتظر حل غرفتهم».وقال: «إنهم سيركزون على نشاطات الرقابة على الحكومة وكشف الفساد». ومقابل عشرات المبادرات المهنية والشبابية الداعمة لتعديلات الدستور، أعلنت عدة منظمات شبابية معارضتها أمس لتشكيل جبهة شبابية مناوئة للتعديلات الدستورية المقرر إجراؤها في الخامس من أغسطس/آب.
وتضم هذه الجبهة منظمات شبابية تابعة للمنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، والمنظمة الشبابية لحزب تكتل القوى الديمقراطية، والمنظمة الشبابية لحزب الصواب، وحركتي «25 فبراير»، و»محال تغير الدستور»، وحركة» إيرا»، حركة «رفاق التغيير»، وحراك «موريتانيا الغد».
وأكدت الجبهة في بيان لها أن «تحالف مكوناتها الشبابية يأتي ردا على استمرار النظام الحالي في سياسته العشوائية وتعريض البلد لشتى المخاطر والتوترات، وتخطيطه لإدخال تعديلات على الدستور بصفة غير قانونية».
وتعهدت الجبهة الشبابية في بيانها «بإفشال ما سمته «المسار الأحادي للنظام» ومنعه من فرض التعديلات الدستورية»، مؤكدة «سعيها لفرض تناوب سلمي على السلطة.»
وأوضحت «أنها ستكشف أساليب المحسوبية والنهب الممنهج لموارد الشعب من قبل فئة قليلة من المفسدين مسيطرة على البلد»
وأكدت «أن من بين أهدافها التي ستعمل من أجل تحقيقها، تحييد جميع الأطر الضيقة بشكل نهائي عن الفاعلية السياسية، وتحقيق عدالة اجتماعية تضمن مساواة الفرص بين جميع المواطنين».
وإذا كان المنتظر حاليا في المشهد السياسي الموريتاني هو مجرد استفتاء عادي حول تعديلات دستورية، فإن الكثيرين منشغلون بما بعد هذا الاستفتاء الذي تتواتر التحليلات على أن الطرف الحكومي سيكسبه بنسبة عالية. فهل سيتمكن الرئيس الموريتاني، كما حالفته حظوظه في الاستحقاقات الماضية، من تمرير هذه التعديلات المثيرة بطريقة سلسة؟ أم أنه سيفقد في لحظة ما ولسبب ما من الأسباب سيطرته على مقود بلد تهدده أزمات داخلية متعددة
القدس العربي