بينما يتابع الرئيس الموريتاني في عواصم الولايات محاطاً بغالبية شركائه السياسيين حملته لشرح التعديلات الدستورية المقرر عرضها على الاستفتاء يوم الخامس من الشهر المقبل، زادت المعارضة الموريتانية بأحزابها ومنظماتها الشبابية من تظاهراتها غير المرخصة المناوئة للاستفتاء.
وبما أن تنسيقية المعارضة أعلنت عن عزمها مواصلة التظاهرات غير المرخص لها حتى يوم الاقتراع، وبما أن شرطة مكافحة الشغب تواجه هذه التظاهرات بقوة، فإن الوضع داخل العاصمة نواكشوط مرشح لمزيد من التصعيد والتوتر خلال الفترة التي تفصل عن الانتخاب ويومه وما بعد ذلك، حسب تأكيدات مراقبين متابعين.
وقمعت الشرطة الموريتانية تظاهرات الأربعاء بشدة، كما قمعت تظاهرات الخميس حيث فرقت تظاهرة شبابية مناوئة للتعديلات الدستورية نظمها تجمع «موريتانيا الغد» (ينسقه معارضون مهاجرون)، عند ملتقى طرق مدريد وسط العاصمة نواكشوط.
وتحدثت المصادر الصحافية ومصادر المعارضة عن اعتقال 21 شابا من بين الشباب المشارك في التظاهرة، كما تحدثت عن التنكيل بمعارضين بينهم السيناتور المعارض محمد ولد غدة الذي تعرض للإغماء بسبب رميه بوابل من مسيلات الدموع.
وحذرت لجنة الأزمة في مجلس الشيوخ في بيان وزعته أمس «السلطات العمومية من مغبة الاستمرار في هذا النهج المنافي لكل القيم والأعراف الديمقراطية»، محملة «المدير العام للأمن الوطني الجنرال محمد ولد مكت المسؤولية التامة عن كل ما يترتب على هذا الانحراف الخطير».
ودعت اللجنة «السلطات العمومية وأعوانها في مجال القانون إلى احترام دولة القانون، والابتعاد عن الاصطفاف السياسي». وأكد بيان لجنة مجلس الشيوخ «أن قوات الشرطة قابلت بالقمع العنيف المسيرات السلمية التي نظمها المواطنون الشرفاء والقوى السياسية المناهضة للتلاعب بالدستور، بمن فيهم برلمانيون ورؤساء أحزاب لا يشكلون أي خطر على الأمن والسلم».
وشددت اللجنة على «أن قمع المسيرات السلمية يشكل تراجعا في مجال الحريات الفردية والعامة مما يهدد وحدة وأمن واستقرار البلاد».
وأكد بيان آخر لحزب «الوطن» (البعث الموريتاني) «أن الساحة الوطنية شهدت احتجاجات شعبية، وبخاصة من قواها الشبابية، رفضا للعبث بالدستور، ولإهدار المال العام من أجل تعديلات لادستورية هزلية، إشباعا لنزوات حاكم متعطش للاستبداد، ومصاب بجنون العظمة ومصيبة الخبل، في تصامم تام عن معاناة شعب يشكو العطش والجوع والمرض والخوف في المنازل والشوارع والمحلات»، حسب تعبير الحزب.
وأضاف: «لقد كشف هذا النظام عن حقيقته القمعية عندما أعطى أوامره لأجهزته القمعية للتنكيل بقيادات الأحزاب ومناضليهم والمنتخبين وجماهير الشعب، الذين لبوا نداء الوطن والضمير فانخرطوا في مسيرات ديمقراطية سلمية وقانونية، لمجرد أنها ترفض الاستسلام لعنجهية النظام ومشروعه العبثي».
وزاد البيان «إن النظام شأنه شأن أسلافه من الاستبداديين، لا يتعظ، كما أنه لم يستوعب أن موريتانيا تزخر بشباب وطني مثقف ومشبع بالحرية وهو، اليوم، أكثر إصرارا وتماسكا لدفع ثمن هذه الحرية، ولمنع العودة بموريتانيا إلى عهود الديكتاتورية السوداء، لكن الشباب الموريتاني سيفشل هذا المخطط العبثي».
وطالب حزب الوطن «الشعب الموريتاني بكافة فئاته وأعراقه وأعماره إلى رفض هذه التعديلات العبثية وإهدار أموال الشعب في غير طائل، وذلك بالبقاء في المنازل يوم الاستفتاء العبثي على تعديلات النظام غير الدستورية».
هذا ولم تكتف لجنة الأزمة في مجلس الشيوخ بالتنديد بقمع التظاهرات بل كتب رئيسها السيناتور الشيخ ولد حننه لرئيس اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات لافتا نظره لما سماه «الطابع غير الدستوري للاستفتاء وإلى كون جميع الأفعال المقام بها في إطار العملية، أفعال لاغية».
وقال «أسمح لنفسي بأن أضعكم أمام مسؤولياتكم فيما يخص العواقب الخطيرة جدا للقرارات التي تتخذون، أنتم وزملاؤكم بتنفيذكم أوامر السلطة التنفيذية في هذا الشأن».
وأضاف «إن الوضع الراهن الذي تعيشه البلاد إثر الاستفتاء غير الدستوري الجاري الذي قررت الحكومة الدعوة إليه والدور الذي يبدو أن هيئتكم قررت أن تلعبه، منتحلة بذلك صفة لم تعد تتصف بها، وصلاحيات لم تكن أبدا من اختصاصها، فقد انقضت المأمورية الشرعية للهيئة التي تديرونها منذ السادس من يوليو/ تموز 2017، وبذلك تكون اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات الحالية لا تتصف بأية صفة تخولها تنظيم أي اقتراع كان».
وقال «أليس حريا بكم إذن أن تطرحوا على أنفسكم السؤال عن شرعية القرارات التي تتخذون، ومطابقة عمليات صرف المال العام التي تقومون بها، مع الإجراءات المعمول بها، وصلاحية القرارات السياسية والقانونية التي تصدر عنكم؟ إن الاستفتاء على التعديلات الدستورية لا يدخل ضمن صلاحيات اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، وإذا كنتم في إطار تنظيمكم للاستفتاء تتذرعون بفتوى من المجلس الدستوري، فإن تلك الهيئة ليس من صلاحياتها هي الأخرى أن تحدد من ينظم الاستفتاء، حيث أن الدستور ينص على أن المجلس الدستوري يسهر على صحة إجراءات عمليات الاستفتاء، ويعلن نتائجها»، فهناك إذن ثغرة قانونية في هذا الموضوع لا يحق لغير المشرع الموريتاني سدها». وتابع السيناتور حننه رسالته قائلا «إن الاستفتاء الجاري غير دستوري ليس فقط لأن قانون بلادنا الأساسي يقضي في بابه الحادي عشر، المادة: 99 بأنه «لا يصادق على مشروع مراجعة (للدستور) إلا إذا صوت عليه ثلثا (2/3) أعضاء الجمعية الوطنية وثلثا (2/3) أعضاء مجلس الشيوخ ليتسنى تقديمه للاستفتاء»، ولكن أيضا لأن مجلس الشيوخ قد رفض مشروع التعديل الدستوري المقترح بأغلبية معتبرة لا غيا بذلك وبصفة نهائية، مشروع التعديلات المقترحة من طرف السلطة التنفيذية».
وتساءل السيناتور في رسالته مخاطبا رئيس لجنة الانتخابات «أليس حريا بمؤسستكم وبكم شخصيا، أن تتساءلوا عن شرعية المسلسل قبل أن تقفوا إلى جانب السلطة التنفيذية في عملية لي الذراع التي تقوم بها مع السلطة التشريعية؟ ومع ذلك، فإن الواجب الوطني يحتم عليكم، كمواطنين موريتانيين، أن تكونوا، بكل بساطة، في صف دستور بلادكم».
وقال «إن الاستفتاء الذي قررته السلطة التنفيذية لا يكتسي أي طابع استعجالي يبرر كل ما جرى من انتهاكات للقانون الأساسي والقوانين التنظيمية للبلاد، وبالرغم من ذلك، فإن هيئتكم أخذت في ما يبدو، قراراً «لا يدخل ضمن مهمتها» منفذة بذلك مرسوما غير شرعي يقضي باستدعاء هيئة الناخبين، في مداولة تشرع بها لنفسها تعيين الأطراف المتنافسة في الاستفتاء (طرف «نعم» وطرف «لا» وطرف «محايد») التي سيتم تمثيلها في مكاتب الاقتراع، مع أن قانونا حول إجراءات تنظيم الاستفتاء قيد الاعتماد، وقد صوتت عليه إحدى الغرف (مجلس الشيوخ، صاحب المبادرة) وستصوت عليه الغرفة الثانية قريبا، فلماذا الاستعجال إذن، حتى يتم سد الثغرة القانونية الواضحة في ما يخص الاستفتاء بهذه الطريقة الغريبة؟».
القدس العربي