يتوجه مليون ونصف مليون ناخب موريتاني اليوم السبت إلى صناديق الاقتراع للتصويت بـ»نعم» أو «لا» أو «بالحياد»، على تعديلات دستورية تؤكد الحكومة أنها منبثقة عن حوار جمعها مع أحزاب معارضة في تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي.
وتقاطع هذا الاستفتاء المعارضة المتشددة المنتظمة في تنسيقية تضم ثمانية تشكيلات سياسية حزبية ونقابية، بينما يشارك فيه حزب واحد هو حزب اللقاء الديموقراطي الذي انفصل عن موقف المقاطعة، مدافعا عن خيار «لا» حسب تأكيدات قيادته.
وتشمل التعديلات المقترحة التي أسهب الرئيس ولد عبد العزيز في شرحها والدفاع عنها، إلغاء عدة مؤسسات أولها مجلس الشيوخ الذي سيستعاض عنه بمجالس جهوية منتخبة، ووسيط الجمهورية والمجلس الإسلامي الأعلى، كما تشمل تغيير ألوان العلم الوطني بإضافة شريطين أحمرين وتغيير كلمات النشيد الوطني.
وكانت الحكومة قد طرحت التعديلات الدستورية المقترحة على الاستفتاء الشعبي اليوم، على غرفتي البرلمان في مارس الماضي تطبيقا للباب الحادي عشر من الدستور الذي يلزم بذلك؛ حيث صادقت عليها الجمعية الوطنية بينما رفضها مجلس الشيوخ.
ولم يقبل الرئيس الموريتاني رفض مجلس الشيوخ للتعديلات الدستورية؛ حيث قام بتفعيل المادة (38) من الدستور التي تسمح له باستفتاء الشعب حول القضايا الوطنية الكبرى (وهي حسب فقهاء المعارضة مادة غير مختصة في مراجعة الدستور التي أفرد لها الباب 11 بمواده الثلاث).
وعبأ الرئيس الموريتاني خلال ثلاثة عشر مهرجانا كبيرا ختمها الخميس بمهرجان كبير في العاصمة، للتصويت بـ «نعم» مؤكدا أن «مصلحة موريتانيا حاضرا ومستقبلا تتعلق بإجازة التعديلات بنسبة مشاركة عالية وبتصويت كاسح».
وحمل الرئيس الموريتاني في مهرجانه الأخير، على مجلس الشيوخ ووصف أعضاءه المعتصمين بمقر المجلس منذ أيام بـ «المرتشين».
وأكد في خطابه «على ضرورة إلغاء مجلس الشيوخ ووضع حد لتكاليفه الباهظة التي زادت على 15 مليار أوقية منذ نشأته في 1992».
وقال: «إن تبني نظام الغرفتين لا قيمة له وهو فقط محاكاة لبعض الدول، علاوة على ما يكتنف انتخاب غرفة مجلس الشيوخ من عدم الشفافية وشراء الذمم والرشوة».
وأضاف: «أن هذه التعديلات «تم تمريرها بأغلبية ساحقة في الجمعية الوطنية وبأصوات 20 شيخا من الشيوخ النبلاء الذين اختاروا وطنهم وانحازوا له، في الوقت الذي عارضه 33 شيخا، لم يعد أحد يجهل الملايين التي اقتسموها بينهم غنيمة مقابل مصادرة رأي الشعب الموريتاني، وهذا باعترافهم هم وبروايتهم التي أصبحت حديث كل أحد وحقيقة لا مراء فيها».
وفيما انضم شيوخ القبائل وغالبية موظفي الدولة ورجال الأعمال لحملة الرئيس المؤيدة لـ «نعم»، تقاطع أحزاب المعارضة الموريتانية المتشددة وحركات الشباب المعارضة، وأوساط واسعة في موريتانيي المهجر، هذا الاستفتاء وتسعى لإظهار تدني نسبة المشاركة، وعدم اكتراث السكان بالاستفتاء.
ودعا الحسن ولد محمد زعيم مؤسسة المعارضة الديموقراطية في بيان وزعه أمس « أبناء الشعب الموريتاني كافة إلى رفض المشاركة في عملية الاستفتاء غير الدستورية»، معتبرا «أنها مفتقرة لأبسط مقومات النزاهة والشفافية، فهي مظنة للتزوير والاستغلال في بدئها ومختتمها».
واستنكر في بيانه ما سماه «ممارسات التضييق على الحريات واستخدام العنف ضد القوى السياسية ونشطاء المجتمع المدني الذي بالغ فيه النظام واستمرأته أجهزته الأمنية».
واستنكر البيان «الدعوات القبلية والجهوية وتشجيع التنافس القبلي وممارسات التهديد والتضييق والابتزاز ضد المؤسسات والموظفين والعمال ورجال الأعمال والفاعلين الخصوصيين».
وندد زعيم المعارضة في بينه «بإهانة الشيوخ وسبهم ومحاصرتهم والتضييق عليهم»، مطالبا «النظام بتعليق هذا المسار الخاطئ حتى تتهيأ الظروف وتنضج الساحة لحوار وطني شامل وبناء».
وأكد زعيم المعارضة «أن الأزمة السياسية تتفاقم في البلد وتهي عرف في الوقت الراهن، احتقانا وانقساما سياسيا غير مسبوق، بسبب تعنت النظام وسيره منفردا نحو تحقيق مآربه ونزواته السياسية»، تعبيره.
وأضاف: «لقد استنفد النظام الوسائل الدعائية كافة لتمرير هذا الاستفتاء من دون وازع من قانون أو رادع من أخلاق، فاستخدم الدعاية القبلية وشجع التنافس القبلي والجهوي، وأرغم العمال والموظفين على الانخراط في الدعاية، وتحملت الإدارة كبر الدعاية والتهديد وابتزاز الوجهاء ورموز المجتمع التقليدي، ولم يترك النظام قواتنا المسلحة وقوات أمننا بمنأى عن الدعاية والتجاذب والطرفية السياسية، مستهدفا هيبتها وواجب الحياد المفترض تجاهها، ولم يكتف النظام بهذا، بل طالت ممارساته الخاطئة المال العام؛ حيث أرهقت ميزانية الدولة بإنفاق يفتقد المسوغ الأخلاقي والسند القانوني، واستغلت المعدات العمومية وابتز رجال الأعمال والفاعلين الخصوصيين».
وقال: «لقد صاحبت ممارسات النظام هذه تعليمات بالقمع والتنكيل للقوى الديمقراطية، فمنعت أنشطة الأحزاب السياسية وقمعت المظاهرات والاحتجاجات، وانتهكت حرمة المؤسسات السياسية والدستورية، وتم نعت قادتها بأبشع أصناف النعوت في خرق سافر للدستور والقانون، ومن أبرز تجليات ذلك ما عاناه الشيوخ الكرام من سب وشتم وحصار وتنصت ومضايقة كان آخر فصولها ما أقدمت عليه قوات الأمن من حصار وتضييق وقطع الكهرباء والمنع من الزيارة والمؤازرة».
واتهمت أحزاب المعارضة المقاطعة للاستفتاء الدستوري، في مؤتمر صحافي أمس «الحكومة وأجهزة الدولة الموريتانية بالتحضير لعملية تزوير غير المسبوقة اليوم السبت».
وانتقد ولد منصور الرئيس الدوري لمنتدى المعارضة الطريقة التي تم بها تسيير الحملة الممهدة للاستفتاء، «أظهرت عزم النظام القيام بعملية تزوير، لكونها شملت أمورا وصفها بالخطيرة، والمناقضة لكل القوانين والمساطر المتعلقة بالحملات، فضلا عن « تجييش أجهزة الدولة في هذه الحملة بمبادرات تأخذ أحينا سماء مؤسسات وأفراد، في توظيف فج لكل إمكانات الدولة» بحسب قوله.
ومع أن الحملات السياسية التي استمرت طيلة الأسبوعين المنصرمين، أظهرت تأييدا واسعا للرئيس ولد عبد العزيز في أجندة الاستفتاء، فإن صف المقاطعة يضم منتدى الوحدة والديمقراطية بأحزابه ونقاباته وشخصياته المرجعية، وتكتل القوى بزعامة أحمد ولد داداه وحركة «إيرا» الحقوقية الناشطة في مجال مكافحة الرق؛ ومن الداعين لمقاطعة الاستفتاء رئيسان سابقان هما محمد خونه ولد هيداله (1980-1984) وسيدي ولد الشيخ عبد الله (2007-2008)، دون أن ننسى أعضاء مجلس الشيوخ الذين أسقطوا التعديلات من قبل.
ويكلف الاستفتاء الذي سينظم اليوم ستة مليارات من الأوقية (11.7 مليون أورو).
وحسب التنبؤات ألأولية فإن الجانب الخاص بدمج وإلغاء المؤسسات في التعديلات المعروضة على الاستفتاء سينجح نجاحا كبيرا، بينما يتوقع الكثيرون سقوط الجانب الخاص بالعلم والنشيد الوطني لعدم اقتناع الكثيرين بضرورتها. ويتركز الرهان في هذا الاستفتاء على نسبة المشاركة، فإذا لم تتجاوز هذه النسبة ال 30 بالمئة من مجموع الناخبين، حسب ما يقوله نشطاء الأغلبية، فإن ذلك يعتبر فشلا كبيرا لجبهة «نعم»، أما إذا وصلت نسبة المشاركة إلى 50 بالمئة فإن ذلك يعتبر حفظا لماء الوجه، فيما ستكون نسبة 60 بالمئة نصرا مهما ومشرفا.
ويبقى الأمر المؤكد في كل هذا أن الحكومة عبأت جميع ما تمكن تعبئته مستخدمة وسائل الدولة وإدارتها وجيشها وموظفيها، بينما واجهت المعارضة بضعف كبير حملة الحكومة وهو ما يعود لمحدودية وسائلها المالية واللوجستية، غير أن مدونيها النشطاء قد يعوضون عن بعض ذلك بما بذلوه من مجهودات كبيرة على صفحات التواصل الاجتماعي.
القدس العربي