يدور جدل في هذه الأيام عن تشكيلة وفد المنتدى الذي تم تكليفه بتسليم "وثيقة الممهدات" التي كان قد أعدها المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة في وقت سابق، وهي الوثيقة التي كان من المفترض أن يتم تسليمها يوم أمس إلى الوزير الأمين العام للرئاسة، ولكن ذلك التسليم لم يتم لأسباب قيل
بأن لها علاقة بعدم رضا السلطة عن وفد المنتدى وعن تشكيلته. فهل تعثر التسليم لذلك السبب أم أن التعثر كان لأسباب أخرى لم يتم الإفصاح عنها حتى الآن؟
ورغم أني لا أملك إجابة على ذلك السؤال، إلا أني في المقابل أملك عددا من الملاحظات التي قد تكون لها صلة بالجواب على هذا السؤال، ومن بين تلك الملاحظات:
1 ـ لم تُظهر السلطة أي استياء من حجم التمثيل في تشكيلة وفد المنتدى إلا في الأيام الأخيرة، فوفد المنتدى كان معروفا لدى السيد الأمين العام للرئاسة منذ فترة، ولم يُظهر أي اعتراض على تشكيلته، بل إنه كان قد استدعى نفس الوفد لحفل عشاء في منزله يتم على هامشه تسليم وثيقة المنتدى، ولولا أن المنتدى طلب بأن يتم التسليم في مكان أكثر رسمية من منزل الوزير الأمين العام للرئاسة لتم استقبال وفد المنتدى وبتشكيلته الحالية من طرف وفد السلطة وبتشكيلته الحالية أيضا.فما الذي تغير بين الأربعاء والخميس؟ وهل يمكننا أن نصدق بأن قيمة ومكانة الأشخاص كأسهم الشركات التي قد تشهد أسعارها في البورصات انخفاضا كبيرا بين العشية وضحاها ؟
2 ـ يبدو أن حماس السلطة للحوار قد بدأ يعرف فتورا منذ زيارة الرئيس للحوضين، فمن قبل هذه الزيارة كانت كل الإشارات الملتقطة التي تأتي من السلطة إشارات مشجعة، ولكن من بعد الزيارة فقد أصبحت كل الإشارات التي تأتي من هذه السلطة في منتهى السلبية، وتُظهر كلها بأن الحماس قد تحول إلى فتور. وسيبقى المؤتمر الصحفي للرئيس هو أقوى مؤشر على الفتور الذي أصاب السلطة من بعد حماس. ولقد اظهر الرئيس في مؤتمره الصحفي بأنه لم يعد متحمسا للحوار، ولقد كاد أن يعبر عن ذلك صراحة عندما تحدث عن ممهدات الحوار، ولا تسألونني من فضلكم لماذا تحمست السلطة للحوار منذ شهر أو شهرين، ولماذا أصابها فتور منذ أسبوع أو أسبوعين؟
3 ـ إن المكانة التي يتمتع بها حاليا الوزير الأمين العام للرئاسة مع احترامي الكبير لشخصه إنما تحصل عليها من خلال المنصب الذي منحه له الرئيس، ونفس الشيء يمكن أن نقوله عن وفد المنتدى، فمكانة هذا الوفد كان قد تحصل عليها من المكانة التي كان المنتدى قد أعطاها للأشخاص المشكلين لهذا الوفد.
فممثل القطب السياسي في وفد المنتدى لا يستمد مكانته الحالية من حزب اللقاء، وإنما يستمدها من كونه قد تم اختياره من طرف كل الأحزاب السياسية المنخرطة في المنتدى ليترأس القطب السياسي في المنتدى، وهو بهذا الاختيار قد أصبح يمثل حزب اتحاد قوى التقدم، وحزب تواصل، وحزب التكتل، وكل الأحزاب الكبيرة والصغيرة المنخرطة في المنتدى. ونفس هذا الكلام يمكن أن نقوله عن ممثل المجتمع المدني، وعن ممثل المركزيات النقابية، وعن ممثل الشخصيات المستقلة.
فإذا كان لا يحق للمنتدى أن يتدخل لرئيس الدولة في تعييناته لوزرائه، وإذا كان من واجب المنتدى أن يتعامل باحترام وتقدير مع أي شخص يعينه الرئيس وزيرا أمينا عاما للرئاسة، سواء كان ذلك الشخص الذي تم تعيينه، كان محل تقدير كبير من قبل التعيين كما هو حال الوزير الحالي، أو لم يكن محل تقدير من قبل تعيينه، فإنه في المقابل، على السلطة أن تحترم أي شخص يختاره المنتدى لرئاسة أي قطب من أقطابه، وسواء كان ذلك الشخص الذي تم اختياره لرئاسة هذا القطب أو ذاك، كان محل تقدير من طرف السلطة من قبل اختياره أو لم يكن كذلك.
4 ـ إن المنتدى هو من له الحق وحده في أن يرفع من مكانة بعض أعضائه، وهو وحده من له الحق في أن يمنح لهذا الشخص مكانة عالية أو لا يمنحها له، وليس من حق أي كان أن يتدخل في مثل هذه الأمور.
وإذا ما تم التسليم بذلك فإنه قد يصبح من الجائز أن أتحدث عن وجود رأيين داخل المنتدى، ولكل واحد منهما وجاهته، فهناك من يرى بأن اختيار أي وفد يجب أن يركز فقط على طبيعة المهمة، ويرى هؤلاء بأنه في هذه المسألة التي تتعلق بالحوار، وخاصة منه ما يتعلق بالممهدات، فإنه كان من الأفضل أن يتم اختيار وفد سياسي من قادة الأحزاب السياسية. أما إذا ما تعلق الأمر بقضايا لها صلة بالعمال وحقوقهم فيجب أن يتم اختيار وفد من النقابيين دون غيرهم، وإذا ما كانت القضية تتعلق بمسألة حقوقية فيجب أن تنتدب لها شخصيات من المجتمع المدني ..وهكذا.
أما الرأي الثاني في المنتدى فيرى بأن التنوع يجب أن يحترم دائما وأبدا، وسواء تعلق الأمر بقضايا سياسية أو نقابية أو حقوقية، ولقد تم اعتماد هذا الرأي الأخير عند تشكيل وفد المنتدى المكلف بتسليم وثيقة الممهدات حيث تم تمثيل كل قطب في هذا الوفد بممثل واحد وواحد فقط.
5 ـ إذا كانت السلطة قد شكلت وفدها للحوار، فإن المنتدى، وإلى حد الآن، لم يشكل وفده للحوار، وإنما شكل وفدا لتسليم وثيقة ممهدات الحوار، ومناقشة تلك الوثيقة مع وفد السلطة إن كانت هناك ضرورة لذلك النقاش.
فبالنسبة للمنتدى فإن هذه المرحلة ليست مرحلة حوار، وإنما هي مرحلة ممهدة للحوار سيتم خلالها تقديم وثيقة الممهدات إلى السلطة، على أن يتم فيما بعد تقييم تعامل السلطة مع هذه الوثيقة، فإن كان التقييم إيجابيا فإن المنتدى سيدخل في مرحلة الحوار، وسيحدد وفدا مفاوضا قد يكون مختلفا تماما عن الوفد الحالي المكلف بتسليم وثيقة الممهدات، وقد يختار أيضا نفس الوفد. المهم أن المنتدى، وإلى حد الآن، لا يعتبر بأنه قد دخل في مرحلة الحوار، وإنما هو في مرحلة ممهدة قد تفضي إلى حوار، وقد لا تفضي إليه.
6 ـ وبما أننا لم نصل إلى مرحلة الحوار فلم يكن من المناسب أن تتحدث السلطة عن تشكيلة وفد المنتدى المكلف بتسليم وثيقة الممهدات، ولا أن تعبر عن استيائها من مستوى التمثيل، وإذا كان لابد لها أن تعبر عن ذلك الاستياء، فقد كان عليها أن تعبر عنه بطريقة غير علنية لا تصل إلى الصحافة، وبأسلوب أكثر لباقة من الأسلوب الذي اعتمدته.
إن في اختيار السلطة لمثل هذه الأسلوب الغير لبق للإعلان عن استيائها من مستوى التمثيل في تشكيلة وفد المنتدى لدليل إضافي آخر على عدم جديتها في الحوار.
حفظ الله موريتانيا..