ستكون محاكمة رجل الأعمال الموريتاني المعارض محمد ولد بوعماتو ابن عم الرئيس المقيم في المغرب بجنسيته الفرنسية، التي ستجري قريبا، محاكمة سياسية كبرى وفقا لتوقعات المراقبين، ولما تدل عليه التحقيقات المتواصلة مع جميع من لهم علاقة بالمعارض المذكور ومن تلقى منه مساعدة أو مكالمة أو تلقاها من أحد أنصاره السياسيين.
وشملت التحقيقات حتى الآن الشيخة المعلومة بنت الميداح التي ورد اسمها في تسريبات بصوت السناتور غدة متلقية أموالًا من رجل الأعمال بوعماتو، كما شملت الاستجوابات الصحافي موسى صمبا سي مدير نشر صحيفة «لكوتيدياه دي نواكشوط المستقلة»، والصحافي جدنا ولد ديدا المدير الناشر لموقع «موريب» المستقل، والصحافي باكر باي انداي مدير نشر موقع «اكريديم» المستقل، إضافة للكاتب الصحافي احمد ولد الشيخ المدير الناشر لصحيفة «لوكلام» أعرق الصحف المستقلة الذي لم يستجوب لوجـوده حاليـا في الخـارج.
وتعتمد التحقيقات التي تواصلها مفوضية الجرائم الاقتصادية للأسبوع الثاني، على التسجيلات الصوتية التي ضبطها الأمن الموريتاني قبل شهرين في هاتف السناتور المعارض محمد ولد غدة الموجود حاليا قيد الاعتقال للأسبوع الثالث ضمن متعلقات هذا الملف السياسي المعقد الذي اعتبرته النيابة العامة قائما «على ارتكاب جرائم عابرة للحدود» في إشارة لرجل الأعمال بوعماتو المقيم بالمغرب.
وأكد المحامي أحمد سالم محامي السناتور محمد ولد غدة في بيان وزعه أمس» أن الإرهاصات التي نشهدها اليوم هي محاولة من قبل الجهاز الأمني لتصفية الحساب مع محمد ولد بوعماتو الذي يوجد خارج البلاد منذ سبع سنين».
وقال: «كان جليا منذ بداية قضية السناتور محمد ولد غدة، تخبط النظام وارتجالية تصرفاته لحاجة في نفس يعقوب ولا أدل على ذلك من فوضوية المسطرة القانونية التي اتبعت معه، حيث حاول النظام أن يحول حادث سير مؤسف وغير متعمد إلى فرصة للتجسس وتصفية الحساب مع خصومه السياسيين، ومن هناك بدأ مسلسل الظلم الذي يعيشه ولد غدة اليوم بخرق حصانته البرلمانية ثم منعه من السفر ثم اختطافه لمدة أيام من دون السماح له بلقاء الأسرة أو المحامين وفي فترة الاعتقال انتقل من إدارة أمن الدولة إلى الدرك ثم إلى شرطة الجرائم الاقتصادية ولا ندري اليوم ماهي وجهته المقبلة.»
وبعد انكشاف المستور، يضيف المحامي، تأكد لي من خلال مراحل هذا المسلسل جميعها، ومن خلال محطاته المربكة، ومن خلال اللقاءات التي أجريتها وحتى من خلال تصريحات مسؤولين رسميين، أن المخطط يحاول فاشلا حتى الآن الوصول إلى محمد ولد بوعماتو مرورا بمحمد ولد الدباغ (مدير أعمال بوعماتو)، ما جعل كل شخص تربطه به علاقة من بعيد أو من قريب، عرضة للاستجواب والتحقيق».
وضمن ردود الفعل التي ـأثارتها هذه التحقيقات، أعلن المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان «أنه يتابع ما تعرض له السناتور محمد ولد غدة منذ اعتقاله في العاشر من الشهر الجاري حيث اكتنفت عملية اعتقاله الكثير من المخالفات والخروقات القانونية، فانتهكت حصانته البرلمانية فضلا عن حرمانه من لقاء أفراد عائلته ومحاميه والنفاذ الفوري للعدالة إلى غير ذلك من الضمانات الحقوقية الأساسية التي تنص بنود الدستور والمواثيق القانونية على تطبيقها مع أي مواطن فور الحرمان من الحرية». وأضاف: «في السياق نفسه سجلنا ما كان النواب والصحافيون والنقابيون عرضة له على أيدي شرطة الجرائم الاقتصادية من توقيف واستجواب يتنافى وحرية الرأي والتعبير المكفولة».
«إن المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان وأمام هذه الوضعية، يضيف البيان: يسجل أن هذا النوع من الممارسات يزيد من المخاطر والتهديدات لحرية الرأي، ويشكل تراجعا عن سقف الحريات العامة في البلد، كما أنه يعد انتهاكا لحرمة أشخاص ومؤسسات من طرف جهات كان ينبغي أن تكون ضامنة للحريات وكافلة للحقوق الأساسية كما هو مرسوم دستوريا وقانونيا».
وفي تصريحات للصحافة، أكدت الشيخة المعلومة بنت الميداح «أن الأسئلة التي وجهها لها المحققون تناولت ظروف تصويت الشيوخ ضد مشروع التعديلات الدستورية في السابع عشر من شهر مارس/ آذار الماضي». وأضافت في تصريح لوكالة «الأخبار» المستقلة: «أنها تلقت أسئلة حول استفادة أعضاء مجلس الشيوخ المناوئين لمشروع التعديلات الدستورية من بعض التمويلات».
وفيما يتعلق باستجواب الشرطة للصحافيين، أكد الاتحاد المهني للصحف المستقلة في موريتانيا «رفضه القاطع لتدخل الحكومة أو أية جهة سياسية أيا كانت في السياسات التحريرية للمؤسسات الصحافية المستقلة».
وجدد «دعوته للحكومة من أجل الإقلاع عن سياسة تضييق الخناق على الصحافة المستقلة عبر حرمانها من الحقوق المهنية جميعها التي تكفلها الأنظمة الديمقراطية عبر العالم بما في ذلك انتهاج سياسة تجفيف المصادر التقليدية لدعمها». وحث الاتحاد الحكومة «على النأي بالصحافة عن الصراعات والخلافات السياسية التي ليست طرفا فيها ولا يمكن أن تكون كذلك».
ونددت مجموعة من عمداء المهنة الصحافية في بيان وزع أمس «باستجواب عدد من الصحافيين يوم الجمعة حول إنتاجهم الإعلامي وخطهم التحريري، ومصادر تمويلهم».
واستنكر العمداء في بيانهم «قيام السلطات العمومية بتسليط سلاح التخويف من أجل تكميم أفواه الصحافيين، ووضع حد لحرياتهم إذا لم يسيروا في فلك النظام ووفق رغباته، فمثل هذه التصرفات يبرهن على تراجع الحريات الفردية، كما يتنافى مع الخطاب الرسمي الذي يفتخر فيه النظام بالدفاع عن مبادئ الديمقراطية في البلد.»
وطالبوا عمداء المهنة «الحكومة بالوقف الفوري للإجراءات التعسفية في حق الصحافيين بسبب خطهم التحريري، رافضين «استخدام الأحداث السياسية لتصفية الحسابات».
وفي تحليل لفتح ملف المعارض الموريتاني محمد ولد بوعماتو، أكدت صحيفة «الوسط» الموريتانية المستقلة «أن قدرة الملياردير ولد بوعماتو على التخفي، وعدم ظهوره بأي تصريح إعلامي واضح، وكذا علاقاته الواسعة في أوساط غربية، وإفريقية، فضلا عن ثروته الطائلة، كل ذلك مكنه من البقاء بعيدا عن أعين الرقيب، وأبقى خـُططه طي الكتمان على الأقل بالنسبة لعامة شعبه، إلا أن القدر تدخل لفضح تلك الخطط، والكشف عن شركاء ولد بوعماتو في الداخل».
واليوم، تضيف الوسط، بات الملياردير الكتوم أمام وضع لا يــُحسد عليه، وخيارات محدودة، فإما أن يتبنى «عملاءه» في الداخل، وينبري للدفاع عنهم، وهو ما سيجعله طرفا مباشرا بالمعنى القانوني المحض، ويـُحرج الدول التي تستضيفه، والتي منحته جوازات سفرها، وإما أن يتبرأ من عملائه في الداخل، ويتركهم لمصيرهم، وهو ما سيفقده ما تبقى من أوراق بيده في الداخل».
القدس العربي