تابع القضاء الموريتاني أمس تحقيقاته لاستكمال ملف المشمولين بملف «بوعماتو وآخرون» تمهيدا لمحاكمة مثيرة وشيكة قد تطال أكثر من خمسة وعشرين شخصا ما بين عضو في مجلس الشيوخ المنحل ونقابي وصحافي ورجل أعمال، وذلك برزمة اتهامات تتعلق بارتكاب «جرائم فساد عابرة للحدود والدخول في تنسيق لإثارة البلبلة».
وإضافة لاحتجاجات وبيانات المعارضة الموريتانية على التحقيقات القضائية الجارية مع معارضين، تنوقلت أمس لقطات مصورة على المواقع الإخبارية الموريتانية عرضت احتجاجات شعبية في مدينة باسكنو شرق موريتانيا، على استجواب وإيقاف السناتور السابق عن دائرة المغرب العربي الشيخ ولد الدده في ملف «بوعماتو وآخرون».
وطالب السكان المحتجون وهم من قبيلة السناتور الدده، في وقفة أمام مقر مقاطعة باسكنو «بإبعاد عضو مجلس الشيوخ عن قضية لا علاقة له بها».
وتؤكد الأوساط المقربة من الحكومة «أن رجل الأعمال المعارض محمد ولد بوعماتو قدم رشاوي لأعضاء مجلس الشيوخ المنحل مقابل تصويتهم ضد قانون التعديلات الدستورية الذي قدمه الرئيس للبرلمان في السابع عشر مارس/آذار الماضي».
وعلى أساس هذه المعلومات كيفت النيابة العامة تهما موجهة لجميع من تلقوا أموالا من رجل الأعمال بوعماتو، وشمل الاتهام برلمانيين وصحافيين ونقابيين باعتبار أن الأموال التي يقدمها ولد بوعماتو رشاوي موجهة لزعزعة نظام ولد عبد العزيز.
وبالتوازي مع التحقيقات في هذا الملف، تتواصل حرب المقالات بين المعارضة والموالاة حيث نشر موسى فال رئيس الحركة من أجل الديمقراطية والقيادي في منتدى المعارضة مقالا تحت عنوان «أخر سكرات نظام يحتضر»، أكد فيه «أن استحواذ زمرة الرئيس على خيرات البلد، وطغيان السلطة الفردية يقودان البلد نحو أزمة مزمنة».
وأضاف «منذ أشهر يصر نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز على خنق كل معارضة في الوقت الذي تلوح في أفق 2019 انتخابات رئاسية جديدة لا يحق له الترشح لها، لأن الدستور الموريتاني يمنعه، بحكم مواد لا يمكن تعديلها، من طلب مأمورية ثالثة».
«في 29 أكتوبر 2016، يضيف، بمناسبة حوار نظمه آخر عسكري رئيس للدولة في غرب إفريقيا، شاهد هذا الجنرال-الرئيس تظاهر جماهير غفيرة ضد محاولاته البقاء في السلطة، ومن أجل اختبار مدى القبول بتمرير مأمورية ثالثة من خلال الاستفتاء، أقدم على تعديلات دستورية جديدة لا تكتسي أي أهمية ولا أي طابع استعجالي: تغيير العلم الوطني، إلغاء مجلس الشيوخ، الخ. وذلك في الوقت الذي لا تزال مشاكل جوهرية، مثل العبودية والوحدة الوطنية والفقر، مطروحة بإلحاح ودون علاج».
وقال «إذا كانت هذه التعديلات قد صادقت عليها الجمعية الوطنية في البداية، إلا أنها قد رفضت بعد ذلك بأغلبية واسعة يوم 18 مارس من قبل مجلس الشيوخ، رغم سيطرة الأغلبية الرئاسية عليه، وعندها صب الرئيس جام غضبه على الشيوخ واتهمهم بالخيانة والرشوة، على الرغم من أنه كان قد استقبلهم فرادى قبل الاقتراع وطلب منهم التصويت على تعديلاته مقابل بعض الامتيازات».
وتابع موسى فال تحليله قائلا «بعد ما اعتبره الجنرال-الرئيس إهانة له من طرف مجلس الشيوخ، قرر تجاهل رفض هذه الغرفة لتعديلاته، كما قرر الإقدام على خرق الدستور بتعديله من خلال الاستفتاء؛ ومن أجل القيام بحملته في عز الصيف، قام ولد عبد العزيز بتجنيد كبار الموظفين، واعتمد على السلطات الإدارية الإقليمية والمحلية، كما استنفد الخزينة العامة لتمويل استفتائه العبثي، ومن أجل إسكات المعارضة التي دعت للمقاطعة، استخدم النظام القمع والترهيب، كما عمد إلى اعتقال المعارضين».
وقال «والأدهى من ذلك، هو أن اعتقال السيناتور ولد غده اتخذ ذريعة لمتابعة 22 شخصا من بينهم قادة أهم النقابات العمالية، وصحافيون، ورجال أعمال، وشيوخ يصر رأس النظام على معاقبتهم بقسوة لأنهم تجرؤوا على الوقوف في وجه إرادته».
«إن النظام الحالي، يقول القيادي المعارض موسى فال، كغيره من الأنظمة السلطوية، لا يتحمل المنافسة السياسية السلمية، ولذلك فإنه يقمع المعارضة للوقوف في وجه توسعها، ويسجن المعارضين، كما استولى على أموالهم وأغلق شركاتهم ورمى بعمالهم ضحية للبطالة من أجل خنق المعارضة وإضعافها في وجه الاستحقاقات الانتخابية القادمة».
وخلص إلى «أنه باعتماد النظام لمثل هذه الأساليب المنافية للديمقراطية، فإنه على الجنرال-الرئيس، أن يتوقع أسوأ أيام حكمه الطويل خلال الأشهر القادمة، أمام معارضة تنمو وتتوسع استطاعت أن توحد أطرافا عديدة في تحالف يمثل كل مكونات المجتمع، وأمام شباب يندفع بشجاعة لتخليص البلاد، ورأي عام لا يخفي ضجره من طغيان الحكم الفردي».
ولم يتأخر رد الطرف الحكومي على مقال موسى فال حيث هاجمه الكاتب الناشط في الموالاة محمد ولد سيدي عبد الله مؤكدا أنه «استغرب تعمّد الكاتب للتّزييف والتّحريف، وميوله إلى رؤية الأشياء وفق مبدأ «سبينوزا» الذي يعتقد (أننا لا نرى الأشياء ببصائرنا، لكن الرّغبة هيّ التي ترينا الأشياء مليحة) فالكاتب يسعى لأن يحوّل أحلامه إلى واقع، فيقول (إننا أمام معارضة تنمو وتتوسع، ونظام يعيش أيامه الأخيرة).
«هي أحلام اليقظة، ومفردات السّكر، وقواميس الحانات، يضيف ولد سيدي عبد الله، لأنهم في الأحلام وفي حالات السّكر، وداخل الحانات، يُغيبون الحقيقة وينزعون العقال، للعيش دقائق في عالم افتراضي، يسبحون خلاله في الهوى، ويمرحون في الأهواء، لكن تلك الدّقائق الكاذبة، ما تفتأ أن ترتطم بجدار الحقيقة الصّامد، فيتحوّل المشهد الكاذب إلى سراب». وقال «وفي تمرّد على المنهج التّقدمي، الذي يدّعي الكاتب أنه اتّبعه منذ نعومة أظافره، يحاول أن يُبرر الرّشوة التي تلقاها بعض الأشخاص، وتم التّعرف من خلال تسجيلات صوتية، على الرّاشي والمرتشي والرائش، وحتى الرّشاء، وتم التّأكد من سعي هؤلاء إلى حرق البلاد، وتدمير بنيتها التحتية، وتمزيق نسيجها الاجتماعي، تحت يافطة أزمة النقل، وفي سّياق متّصل يَعتبر موسى أفال، أن التّعديلات الدّستورية التي شهدتها المنظومة القانونية في البلاد مؤخرا، لا تكتسي أي أهمية، في تناقض صارخ مع ما رَوجت له زمرته طيلة الشهور الماضية، من انعكاسات هذه التّعديلات والتّغييرات، على الحياة العامة ببعديها الثقافي والسياسي».
وزاد «المعارضة، يا موسى فال، لم تعد موجودة إلاّ في ذهن بعض الفاشلين، وعناصر من اليائسين، ومفسدين سابقين لم يجدوا أماكن في طابور الإصلاح؛ والمعارضة موزعة إلى تقسيمات وتوجّهات، والمعارضة تسخر من الوطن، وتستنجد بالغير، والمعارضة اليوم تروّج الفتن وتسوق الأحلام، والمعارضة عاجزة عن الوقوف مجتمعة لالتقاط صورة تذكارية».
وتابع الكاتب قصفه قائلا «نحن الآن نعيش أوَج موريتانيا الجديدة، نعيش لحظات تناسيناها أكثر من نصف قرن من الزمن، نعيش لحظات الوفاء لشهداء كادت أسماؤهم أن تُمحى من ذاكرتنا لولا قدرة قادر، نحن الآن ننتظر أنشودة الوطن، ونحن الآن نعيش الأمن والأمان ونتنفس السّيادة، ولن تفسد هذه اللّذةَ رسالةٌ خجولة تترعُها مآرب وغايات غير بريئة، وتشحذُها سيوف تعادي الوطن، وتُسر إليها حبالٌ تُهدي المساهمة في القمار من أجل الغمار».
وخلص ولد سيدي عبد الله في الأخير لقوله «الأكيد أنّ الوطن وأهله، سيظلون أوفياء للإصلاح، وسيقفون أمام كل منحرف مغالط، والأكيد أيضا أن المسيرة المُظفرة، سدك قلاع المتورطين بأفعالهم، والمتسلطين بألسنتهم، تلبية لحاجتنا إلى الحق، وحاجة البلاد إلى الطّهر والتّطهير من أمثال هؤلاء».
القدس العربي