تبدأ اليوم في موريتانيا مرحلة ما بعد العطلة الحكومية السنوية التي تلت معركة الاستفتاء؛ وينتظر أن يتفرغ الرئيس الذي قام مؤخرا بأسفار متصلة، لرسم معالم المشهد السياسي على أساس التعديلات الدستورية التي نفذت بالكامل، حيث ألغي مجلس الشيوخ وازدادت الصلاحيات الدستورية الممنوحة للرئيس.
وينتظر أن يدفع القضاء نحو المحاكمة بملف رشاوى «بوعماتو وآخرين» وهو ملف مثير يشمل أعضاء مجلس الشيوخ المعارضين وقياديين نقابيين وصحافيين.
ويتوقع متابعو هذا الشأن أن يحدث الرئيس تغييرات في الحكومة خلال الأسبوع الجاري حسب تسريبات عديدة؛ ومع أن رئيس الوزراء الحالي يحيى ولد حدامين يتمتع بحظوظ كبيرة في البقاء على رأس الحكومة، فقد أضعفه كثيرا تسريب يتعلق بتلقيه من قبل، أموالا من رجل الأعمال المعارض محمد ولد بوعماتو، وهو التلقي الذي بات القضاء الموريتاني يعتبره «رشوة وجريمة عابرة للحدود».
وكانت نظرة السياسي الموريتاني المخضرم محمد ولد مولود رئيس حزب اتحاد قوى التقدم المعارض للمرحلة المقبلة تشاؤمية جدا، حيث أكد أمام دورة لقيادة الحزب أمس «أن موريتانيا مقبلة على فترة هي التي ستحدد مصيرها لسنوات عديدة وربما لعقود، لأنها الفترة التي سيحسم فيها الصراع مع نظام محمد ولد عبد العزيز، إما لمصلحة التغيير خدمة للشعب وإما لاستمرار النظام أو سقوط البلاد في مستنقع عدم الاستقرار، لا قدر الله».
وقال: «إن هذه الدورة تنعقد في ظروف اجتماعية وسياسية خاصة، حيث بلغ الوضع الاجتماعي حدا لم يعد يطاق في ظل استمرار معاناة المواطنين من جراء غلاء المعيشة وانعدام الأمن وتفشي البطالة والتهميش والتمييز العنصري والقبلي والشرائحي، إضافة إلى بوادر الجفاف بسبب ضعف نسبة التساقطات المطرية هذه السنة وغياب أية استراتيجية لدى النظام، حتى الآن على الأقل، لمواجهة هذا الوضع «.
وفي السياق التشاؤمي نفسه، أكدت أسبوعية «لوتانتيك» المستقلة في تحليل لها أمس «أن الساحة السياسية الموريتانية مقبلة على وضع خطير بعد أن وصل الصراع بين النظام والمعارضة لمستوى غير مسبوق».
وأضافت «لن يكون الأمر كما كان في السابق بين النظام والمعارضة فالحرب بين الطرفين ستكون شرسة للغاية وقد تكون حربا طويلة الأمد أيضا».
وتابعت «لوتانتيك» تقول: «بعد أن خوفهم الرئيس خلال عملية الاستفتاء الأخيرة لم يعد قادة المعارضة يتحملون الرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي يعتبرونه أسوأ رئيس عرفه الموريتانيون وسيسعون خلال المرحلة المقبلة لإسماع صوتهم بهذا الخصوص، وهذا ما يفسر كثرة المؤتمرات الصحافية التي تنظمها المعارضة حاليا والتي وصلت لنقطتين صحافيتين كل أسبوع، كما أن الموضوعات التي يجري نقاشها هي الموضوعات ذاتها التي تتحدث عن تدهور حرية التعبير والتظاهر، وشيوع الحكم الفردي للرئيس ورفضه تنظيم حوار شامل وسوء تسيير الأموال العامة وتشبث الرئيس بالبقاء في الحكم».
«وفيما السلطة، تقول «لوتانتيك»، فإنها أصبحت تركز اهتمامها على أمر واحد هو خنق المعارضة وتجفيف مصادر تمويلها؛ فالرئيس عزيز يعتقد أن السبب الكامن وراء صمود المعارضة هو توفرها على وسائل مالية مهمة، وهو يعتقد أن كل هذه الوسائل يوفرها صديقه السابق وعدوه الحالي محمد ولد بوعماتو المقيم في المغرب».
«إن الذي سيعاني من هذه الأزمات المتراكمة بين النظام والمعارضة وداخل أروقة النظام نفسه، هم السكان الذين يمكن أن يبقوا أسارى فقرهم من دون أي آفاق».
وفي تحليل سياسي آخر، أكد موقع «أخبار الوطن» الآني المستقل «أن موريتانيا تعيش حالة من الركود، والجمود السياسي على الساحتين المعارضة والموالية، وكأن الطرفين “تواطآ” على هذه الإجازة السياسية غير المعلنة، فالأغلبية لاذت بالصمت المطبق مباشرة بعد إعلان نتاج الاستفتاء، وغاب الحديث الجدي عن الخطوات الموالية، وخاصة انتخاب المجالس الجهوية المثيرة للجدل، والتي تشير المعطيات إلى أنها ستثير من الخلاف، والشقاق بين مكونات الأغلبية أكثر مما تبعث من التلاحم، والوحدة والانسجام».
وأضاف الموقع «لعل هذا ما يؤخر خطوات انتخاب المجالس الجهوية، التي يكتنف الغموض طريقة انتخابها، وهل سيكون انتخابا مباشرا، أم غير مباشر، هل سيتم انتخابها بالكامل، أم ستكون مزيجا بين الانتخاب، والتعيين، وأي معايير سيتم اعتمادها في توزيع هذه المجالس على الولايات، هل هو المعيار الإداري- المناطقي، أم المعيار الديمغرافي، والسكاني، وهل سيحضر البعد القبلي، والمحاصصة في هذه المجالس العتيدة».
وعلى الطرف الآخر، يقول موقع «أخبار الوطن»، تبدو المعارضة الموريتانية حائرة هي الأخرى، مشتتة الأركان، كل يتلمس طريقا توصله إلى تحقيق الممكن من مصالحه الشخصية الحزبية، في مشهد لم يعد فيه أحد يثق في أحد، فلا المعارضة تثق في الأغلبية، ولا الأغلبية يثق بعضها ببعض، ولا المعارضة على قلب رجل واحد، وكأن الجميع يبحرون في سفينة لا يدرون وجهتها النهائية، ولا يتحكمون في مسيرها، تتقاذفها أمواج الأحداث، والتطورات، والتدخلات، والرغبات، والحسابات، والمؤامرات».
القدس العربي